عبد العزيز ما رضى الخلافة فاسترضى التآلف |
عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.. الإمام السلطان رفض أن يدعي الخلافة.. فلماذا؟
|
فالإجابة: هو أنه يعرف تاريخ أمته كما أنه يعترف بواقع ما عليه العرب حين فزعوا إلى القومية العربية وانتزعوا من أنفسهم أن يكونوا أمة واحدة مسلمين عرباً وكل ذلك سلط عليهم بنزعة الوطنية وبسلطان الاستعمار الذي لم يف بعهد وإنما استوفى لنفسه أن يستعمر تركة الدولة العثمانية.
|
فإذا ما قلنا إن الملك عبد العزيز قد نظر بكل الحصافة إلى واقع العرب بعد الخلافة في ثلاثين عاماً.. لوجد إمبراطورية أمية لم تكن دولة خلافة.. بدليل أن واحداً من ملوكها هو الخليفة الخامس.. هو عمر بن عبد العزيز. |
فإجماع الأمة انعقد على أن يكون ملك أمية الملك العضوض. |
أخذوه من قوله عليه السلام: الخلافة بعدي ثلاثون عاماً.. ثم تكون ملكاً عضوضاً. |
وانتصرت شعوبية الفرس على القومية العربية التي هي شعوبية العرب.. قومية أمية.. فإذا إمبراطورية العباسيين لا يذكر أن واحداً منهم كان خليفة راشداً وإن كان الملك الإمبراطور الذي اتسعت في عهده الحضارة الوسيط.. |
فبنو أمية دولة الفتح العظيم.. وبنو العباس دولة الانفتاح العظيم. |
وبعد أن اضمحلت إمبراطورية العباسيين ودال ملك العرب في الأندلس نبغت دولة بني عثمان ((الأتراك)) فلم يوصف أحد بأنه خليفة أول الأمر.. حتى إن محمداً الفاتح الذي أزال إمبراطورية الروم لم يعط هذا اللقب ((الخليفة)) ولم يطلبه. |
غير أن السلطان سليم وقد اتسع له الملك حين ضم سائر العرب إلى الإمبراطورية العثمانية حلا لبعض من أعجبوا به وعظموه أن يطلقوا عليه لقب الخليفة.. مع أنه من المؤكد أنه لم يدع ذلك.. فهذا ساطع الحصري الحلبي الصنعاني.. التركي.. العربي.. عراقيًّا ومصريًّا أكد لنا أن السلطان سليم ما طلب أن يلقب بالخلافة. وإنما لقبه الذين يسترضونه أو الذين رضوا عنه. |
فجاء العثمانيون بعده يحملون هذا اللقب. |
فهذا الواقع في التاريخ.. يعرفه الملك عبد العزيز.. فلو ادعى الخلافة لا تهمه أعداؤه بأنه حارب خلافة بني عثمان ليكون هو الخليفة. |
وانتصر يجمع الشمل.. يوحد جزيرة العرب أعني أغلبها في كيان كبير.. فإذا هناك من قال له: ناد بالخليفة فقال بكل اليقظة والحصافة: لا.. ولا فلماذا؟ |
إني أتوقع وأنا على يقين أنه ما رضيها لأن استحالة إجماع العرب على بيعته وإجماع المسلمين على بيعته هي التي حين عرفها رفض أن يدعي الخلافة. ثم هو بعد ذلك يعرف أن البريطانيين والفرنسيين ومن إليهم، وحتى الروس.. قد تكالبوا على دولة الخلافة العثمانية فمزقوها، لأنهم لا يريدون بقاء التكتل الإسلامي أو التكتل العربي.. فالبعثرة لهؤلاء مكنت سلطانهم أن يرث التركة العثمانية.. فالعرب ما كان لهم حنين إلى هذا اللقب ((الخلافة)) والفرس ما دانوا لبني عثمان، وغرب السويس ما ندم على زوال الإمبراطورية العثمانية، وإنما كل الندم أن تقاسم كل الشمال الإفريقي الإنكليز في مصر، والإيطاليون في ليبيا، والفرنسيون على من وراء ذلك. |
حين عرف أن المستعمرين يرفضون التكتل رفض أن يدخل في مشكلة.. غير أن مسلمي الهند هم الذين لم يحملوا على الاستعمار أن مزق الدولة العثمانية بل تحاملوا على العرب لأنهم أعانوا الاستعمار كما ادعوا على تمزيق الخلافة.. فأسسوا جمعية الخلافة. |
ولا أدري كيف تخيلوا أنهم سيعيدون الخليفة العثماني؟ |
وحين زرت الهند قبل التقسيم وقبل زوال الإمبراطورية قال لي أحد الزعماء من المسلمين ومن العلماء الكبار: |
- أنتم العرب السبب في بقاء استعمار الهند.. حين مزقت ايديكم سلطان الخليفة. وبكل الهدوء قلت له: |
- هل تعتقد أن بقاء الخليفة العثماني((الرجل المريض)) أن يخلص الهند من الاستعمار البريطاني؟ ولعلّك لا تنسى أن تمزيق الأقاليم العربية بمعاهدة سايكس بيكو وبوعد بلفور.. لم يكن كل ذلك لأن العرب في طريق الهند.. فلو لم تكن قناة السويس الطريق المختصر مرور الاستعمار يطأ جزيرة العرب كلها لما كان هذا الاستعمار للعرب. |
فإمبراطورية الهند هي سبب استعمار العرب.. لا العرب هم السبب في استعمار الهند. |
الملك عبد العزيز أبعد الخلاف عليه حين رفض الخلافة.. فلا العرب يبايعوه ولا المسلمون يناصرونه وتلك يقظة.. فالزعيم العظيم هو الذي يعرَف قوته كما يعرف قوة من يخاصمونه. |
رفض الخلافة فأراح واستراح. ولكن.. وبنوه الملوك من بعده وبالهوينا جعلوا من التضامن العربي قوة عربية.. أرادوها ولعلّ العرب ومن أجل الواقع والمصير يحرصون على ثباتهم وتضامنهم. |
فزمن الإمبراطور قد ولى.. ولقب الخلافة قد انتهى فإن لم تكن إمبراطورية الملوك.. فليكن التضامن إمبراطورية الشعوب. |
وبعد الدعوة إلى التضامن في نطاق الجامعة العربية أخذوا ينادون بوحدة الأمة الإسلامية في دائرة المؤتمر الإسلامي.. فإذا التضامن والمؤتمر صورة من الخلافة بلا إمبراطور.. فالإمبراطور هو الخروج من الواقع والعمل للمصير. |
فما من عربي وإن تأقلم.. فإن مصيره هو مصير أمته العربية. |
يرحم الله عبد العزيز بن عبد الرحمن. |
|