الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

الزحف الروسي الرابع والعشرون

والزحف الروسي السلافي بدأ في هذه الأيام على صورة مسالمة فقبل هذا لم يستطع القياصرة أن ينالوا نصراً على شمال آسيا وعلى الإمبراطورية العثمانية بزحف الجيوش التي بلغ عددها والعهدة على أساتذتنا سواء كان السيد أحمد صقر أو هو الذي كان الشيخ محمد عبد القادر الكيلاني التونسي المديني علمونا أن الروس زحفوا على الإمبراطورية العثمانية، وشمال آسيا التركستان القوقاز الأفغان الأناضول فلم ينالوا نصراً، وكان آخر هذه الزحف هو رقمه الثالث والعشرون هو بقيادة الإمبراطورة زوج بطرس الأكبر (كاترينا) حاصر جيشها القسطنطينية في عهد السلطان عبد الحميد يوم كانت إمبراطورية بني عثمان يطلق عليها الغربيون (الرجل المريض).

وقد كان الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) النابغة دلي فؤاد لقبوه بالمجنون فكلمة دلي تعني المجنون ولعلّه كان هو الجيش وحده فقد استطاع أن يحمي العاصمة من احتلال الجيش الروسي، ولم يكن ذلك بقوة الجيش الذي وصفه حافظ إبراهيم بقوله ويعني السلطان عبد الحميد.

مشبع الحوت من لحوم البرايا

ومجيع الجنود تحت البنود

فلقد انتصر دلي فؤاد حين استصرخ رئيس وزراء بريطانيا (إزرائيلي) ورئيس وزراء ألمانيا (بسمارك)، فانعقد مؤتمر برلين يحظر كاترينا بالتخلي عن نواياها فإذا هي تعود إلى موسكو غير منتصرة، من هنا قلنا أن الروس ما تعودوا الانتصار خارج حدودهم ومنحوا الانتصار داخل أرضهم، فقد هزم نابليون الذي أطاح به الغرور بالقوة التي يملكها وبالبعقرية التي يعلنها، يغزو روسيا في الشتاء حتى قال المؤرخون: لقد انهزم نابليون بالجنرالين (يناير وفبراير) شهري الجليد. كما أن الأرض الروسية وصمود إنسانها أذاقا هتلر الهزيمة مع أنه كان يملك قوة لا قبل للروس بها فقد أصبحت مدينة (إستالي نجراد) وكأنها مدينة عكا الثانية أو القسطنطينية الثالثة فعكا عكت نابليون، والقسطنطينية أعجزت كاترينا، وإستالي نجراد نالت من غطرسة هتلر كل هذا الاستطراد نكتبه لبيان أن اثنين وعشرين زحفاً روسياً لم ينتصر زحف واحد، وحتى الزحف الثالث والعشرون على الأفغان لم يستطع أن ينتصر، وليس ذلك من عجز القوة التي لا قبل للأفغان بها، وإنما هو تعجيز القوة التي لا يمكن استعمالها، فتعجيز القوة كان في الحرب الكورية التي كانت حرباً غير مباشرة بين إمبراطورية الكرملين وإمبراطورية البيت الأبيض، وكما هو تعجيز القوة في فيتنام فلم تستطع إمبراطورية البيت الأبيض أن تجعل من عاصمة فيتنام هيروشيما الثانية، كل هذا عرفه جورباتشوف، فإذا هو يترك زحف الجيوش التي تملك القوة المدمرة لأن استعمالها سيكون فيه الهلاك لجيشه إذا ما اعتمدت إمبراطورية البيت الأبيض أن تتعامل مع قوة الردع، لقد عمد جورباتشوف إلى حرب السلام، فبعثر حلف وارسو ليتعثر حلف الأطلسي، وليجد غرب أوروبا نفسه في حاجة إلى حماية إمبراطورية الكرملين بهذا السلام، فلم يعد في حاجة إلى سلام الحرب يستمد من شرق الأطلسي إن ما صنعه جورباتشوف، ولكي نكمل العدد هو الزحف الرابع والعشرون يخرج من الأفغان ويغازل اليهود في فلسطين، ويغزل الحبال لما هو جنوب القفاز، كأنما أذربيجان والأرض يتناسون مذبحة الأرمن بسلاح العثمانيين.

إن إمبراطورية الكرملين حين بعثرت حلف وارسو أشغلت أوروبا بنفسها، ودعت حكومات هذا الحلف أن تبدأ قبلها عودة العلاقات (الدبلوماسية) مع تل أبيب ليجد الكرملين نفسه غير محرج من العرب يعيد العلاقات مع تل أبيب، ولكي يبلع العرب الطعم لعلفاً كبيراً بدأ أولاً يعترف بالدولة الفلسطينية ليعترف بدولة اليهود في فلسطين براعة في السياسة وإلا فعلاقة الكرملين بتل أبيب كانت قائمة ووطيدة وإن لم يكن بينهما سفراء، فلم ينقطع مدد الاتحاد السوفيتي عن اليهود في تل أبيب، فهجرة الروس إلى فلسطين مدّد مدد لتل أبيب أشد قوة من أي مدد آخر يصلها من إمبراطورية البيت الأبيض أو مما كان قبلها، إن قطع العلاقات في عام 1967م وفي شهر يونيو بالذات كان طُعماً أبتلعه العرب وجذب الفلسطينيين أن يعتمد على إمبراطورية الكرملين كأنما ذلك هو المدد لليهود لأن أي عامل من عوامل السلب ضد اليهود هو جالب القوة لها من المعينين، فقطع العلاقات براعة سياسية تمنع العرب أن يطلبوا من الاتحاد السوفيتي وعلى لسان سفيرها مطالب لا يريدها الاتحاد السوفيتي، فإمبراطورية الكرملين وفي عهد ستالين كإمبراطورية البيت الأبيض وفي عهد ترومان هما أول من اعترف بدولة اليهود، أفليس الاعتراف أشد قوة توطد بها سلطان اليهود في فلسطين من تبادل السفراء!!!

إن هذا الزحف الرابع والعشرين وقد سلكه جورباتشوف قد فتح لشامير أن يستعصي على الولايات المتحدة فقبل ما فعله جورباتشوف في شرق أوروبا، كان الكهنوت اليهودي يترنح خوفاً من انقلاب الشعب الأمريكي، والتغير الذي بدأ يظهر في سياسة الإدارة الأمريكية اقترحت تل أبيب فكرة الانتخابات وفكرة المفاوضات مع الفلسطينيين حتى أن شيمون بيريز وحزب العمل لا يرفض مفاوضة منظمة التحرير، أما اليوم وقد غيّر جورباتشوف الخريطة فقد أصبحت تل أبيب بهذا الموقف الروسي تستعصي على ما تطلبه الولايات المتحدة، فالزحف الروسي الرابع والعشرون سيستمد القوة باستقطاب شمال آسيا بهذا الموقف اليهودي، فحين يعجز العرب عن مفاوضات السلام التي ترفضها تل أبيب ولا أقول شامير وحده فكل اليهود شامير حين يكون ذلك سيفرض جورباتشوف براعته السياسية بهذا السلام الذي لم يستطع أي قيصر أن يفرضه بقوة الجيش، ولا أكتب هذا تكهناً وإنما هو من فقه التاريخ لأن روسيا سوف لا تحجز عن المياه الدافئة بأي مضيق أو بأي تصنيف، وإن كانت لها الآن أساطيل في أعالي البحار فذلك يكلفها الكثير ولكنه استحوذها على ما بعد يقرب المسافة وتقل التكاليف ويفرض سلطان الروس على آسيا وما إليها.

صورة

وهذه الصورة كتبناها من قبل، وهي حكاية عن دلي فؤاد. فقد كان جيش الإمبراطورية كاترينا يحاصر الآستانة وكان دلي فؤاد يفكر جالساً وحده فإذا كبير الأغوات في الحرملك يمر من السلاملك يسأل دلي فؤاد (أيش يا باشا) وبغصة قال للأغا: إذهب لحالك فلا شأن لك.

وكاد الأغا يذهب فإذا عبقرية دلي فؤاد ترشده يخاف من أن يذهب الأغا يثير الحرملك عليه فيغضب السلطان فنادى الأغا وقال له: أنا أفكر في هذا العدو يحاصر الأستانة لعلي أجد الخلاص فقال الآغا (أوه.. يا باشا.. دحين.. أمير المؤمنين ينشر الصجك (العلم) يجي المشايخ يقرأون مثنوي (كتاب جلال الدين الرومي) ويقولون هف. هف.. كل جيش روسي يهرب. وذهب الآغا راضياً فقال دلي فؤاد وهو يسأل الله.. يا ربَ يا تعطيني عقله وأستريح يا يأخذ عقلي يتجنن.

ودلي فؤاد هذا هو جد فؤاد أوغلو سفير تركيا أيام جمال عبد الناصر. وقصته معروفة نجم عنها قطع العلاقات.