شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوسيلة مطية الغاية!
والوسيلة مطية الغاية فهي ليست وطأة الغواية فالإنسان ما صنع بيتاً من الطوب أو قصوراً شامخة أو مجداً عظيماً إلا بالوسيلة التي هي مادة البناء أو معنى القيمة والقوام والقيم، والإنسان مرة أخرى ما انتكس له سعي إلا بالوسيلة، الغواية أمسك بها ليعبث، فإذا هي أمسكت به فعبثت به.
هذا كلام له خبيء يحتاج إلى إيضاح الحجاج فلو لم أملك حجة الاسترشاد كوسيلة لما ملكني الرشد كوسيلة أو هو الغاية، فالخبيء الذي أتكلم عنه الآن أعربت عنه في كلمة قصيرة وكليمة أشد قصراً، لا تقصيراً، وذلك حين قلت سأكتب عن تكريم رؤساء الأندية التي أشعرتني بقوة الوحدة في هذه المملكة العربية السعودية كياننا الكبير، فالمنجدون اتهموا، والحجازيون اتهموا، كأنما الأندية في مناطقها كليات متحدة في جامعة واحدة، لقد قلت زفوني وأنا أراكم الأخوة في حفل نادي جدة، وهي ليست إخوة المثقف للمثقف في لحظة عابرة وإنما هي وحدة العقيدة والتعاقد في الوطن الواحد نواة لأمة واحدة، فنحن في هذه الجزيرة شعب مسيرتنا إلى الأمة الواحدة. وقد قلت سأكتب الكلمة الواضحة الفاضحة لأن الارتجال في حفلة تكريم هؤلاء يضيق بفحول الرجال فقد أقول الكلمة المجنحة فإذا لا تطير ولا تستطير كأنما هي لبست جناحي نعامة وأريدها أن تطير بجناحي صقر وبقوة نسر.
فالكلمة الواضحة وهي في الوقت نفسه الفاضحة هي في هذه المقارنة أو هو الحوار بين المطية الغاية وبين المطية الغواية، فيوم كان الجمل المطية، ويوم كان الحصان المطية، ويوم كان السيف كذلك كان العربي يصل إلى الفوق لم تؤخره الوسائل الضعيفة لأن قوة الروحانية فيه كانت قوة الروحانية له، فالجمل وسيلة كالطائرة لكن المطية الجمل كست أم المطية الطائرة فأوكست، وكان الحصان المطية التي جلت وجاءت الدبابة بدلاً عن أقوام، ولكن أوجلت وكان الرمح أقوى من الصاروخ، وكان السيف هذه الحديدة أقوى من المدفع، فلم تكن القوة للوسيلة وحدها جملاً وحصاناً وسيفاً ورمحاً وجراب تمر هي الفاعلة ولكنه الإنسان العربي الذي انفعل بالعقيدة الواحدة والغاية الواحدة حتى إذا تفاعل بكل هذه القيم فعل بالوسائل الضعيفة مجد التاريخ وتاريخ المجد، كأنما العربي بإسلامه أمسك بالوسيلة التي ليست هناك وسيلة أقوى منه حتى إنه أعاد الصورة الكاملة لما وصل إليه ذو القرنين العربي القحطاني ألا وهو المصعب بن الحارث جيشه الحميري والطائي يصل بالوسيلة الضعيفة إلى مشرق الشمس وإلى مغرب الشمس، وكأنما الصورتان صورة واحدة فالحميري هو كالعدناني ومعه القحطاني، اتصلوا تواصلوا فوصلوا إلى مشرق الشمس وإلى مغرب الشمس، فإذا الوسائل الضعيفة أعطت لأمة الإسلام بأمة العرب ثلاث إمبراطوريات إمبراطورية الإسلام - إمبراطورية اللغة، إمبراطورية الأرض كأن أول الأمر الإمبراطور عربياً حين كانت الوسيلة الجمل وما إليه وأصبح اليوم غربياً تغرب بالفرقة فلم ينتفع بأقوى الوسائل طائرة دبابة صواريخ ومدفعية فمن هنا ليست الوسيلة التي تفعل، وإنما هو التوسل بها، ولو كانت ضعيفة هي التي فعلت فهل أجد مثقف اليوم يتمثل بمثل حفظه الكتاب العربي، مثل لما قاله أكثم ابن صيفي فخر تميم قال ((حسن الظن ورطة وسوء الظن عصمة، فبالأمس القريب وكالأمس البعيد وجدنا ما لم يكن في اليوم للقريب)).
وجدنا محمود سامي البارودي إذا ما تفاخر لم يجد المثل إلا في قس بن ساعدة وزيد الخيل حيث قال:
أنا مصدر الكلم النوادي
بين الحواضر والبوادي
أنا فارس أنا شاعر في
كل ملحمة ونادي
فإذا ركبت فإنني زيد
الفوارس في الجلاد
وإذا نطقت فإنني
قس بن ساعدة الأيادي
كم لبلدكم هذا من تأثير ومن أثر ومن إثارة والدكتور العميد طه حسين وقد كرم من ناقد يوم احتفل به هنا فرد على هذا الناقد الذي لم نكن إلا ونحن في بعض ما قال، قام طه حسين لا يجد ما يرد به على ناقد إلا بيتاً لجرير ابن المراغة شاعر تميم ولنقل شاعر الصحراء أنشد طه حسين هذا البيت من شواهد اللغة وهو لجرير قال:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكم إن أغصنا
مصري لا يتسلح إلا ببيت بدوي كأنما هو حن إلى بيت الشعر فأنشد بيت الشعر.
وشوقي في يوم تكريمه كرمه كل العرب المسلم والنصراني يوم كان النصارى العرب حنينهم إلى العروبة يتلاشى به أنينهم من الغربة عنها كرمه كل العرب فأنشد:
يا عكاظاً تآلف الشرق فيه
من فلسطينه إلى بغدانه
افتقدنا الحجاز فيك فلم نعثر
على قس أو على سحبانه
ما شبع من الذين كرموه، فإذا هو حنين إلى عكاظ، وأنينه حيث لم يجد عكاظاً حجازي الأرض نجدي الزي كانوا هم شعراءه حكماء خطباءه، وهذا ابن زيدون في مغرب الشمس في قرطبة نجد في رسالته الجدية حنينه إلى الشرق لا، بل إلى أهله أصحاب بيوت الشعر أصحاب الأمثلة السائرة قال:
أبطأ الدلاء فيضاً أمله، وخير الحجى ما صادف جدبا، وألذ الشراب ما أصاب غليله،
فهل في الأندلس دلاء وآبار وجدب وعطش لا، إنما كان هذا في الصحراء ففيها الدلو والبئر والجدب والعطش، ولكن أعود إلى الفاضحة فأقول هل كان الجدب وما إليه لا وسيلة تحققت بها الغاية فتحاً عظيماً وحضارة عظيمة وكلمته كما هي في قرطبة في مغرب الشمس كانت وراء الهملايا في مشرق الشمس الوسيلة الواضحة هي عزم الرجال وأصالة الكلمة والوسيلة الفاضحة هي وهن الرجل كما قال صلَّى الله عليه وسلم يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة فقالوا أمن قلة يا رسول الله فقال عليه السلام لا. ولكنكم غثاء كغثاء السيل إنما يدركم الوهن قالوا وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الآخرة أو كما قال: حب الحياة وكراهية الموت ولا أريد أن أزيد فالفاضحة واضحة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :654  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1060 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.