شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اللغة الشاعرة لا يتأقلم شاعرها
وليس من فضول القول أن أضع هذا العنوان وإنما هي فضيلة الحب وضعتني في أحضان اللغة الشاعرة، التي هي الفصحى حتى إذا رضعت لبانها وأشبعتني بيانها واتضح لي تبيانها، وجدتها قومية واحدة، قومية متحدة، فلئن تأقلمت شعوبها فإنها بقيت الواحدة لا تنشعب ولا تتشعب كاتبوها على النسق الواحد إن نثروا وشاعرها كذلك، إنها اللغة التي نزل بها الذكر؛ فالذكر حافظها، وحملني على ذلك من يدعي أن شاعر إقليمه أكبر من شاعر إقليم آخر، فلتكن المقارنة بين قصيدة وقصيدة، بين بيت وآخر، إن كان ذلك نجديًّا أو حجازيًّا أو شاميًّا، وإن كان أندلسيًّا أو عراقيًّا، أعني انتساب الشاعر إلى الإقليم؛ لا إلى اللغة الشاعرة، ولقد قلت من قبل لقد نبع الشعر أول الأمر نجديًّا فإذا عكاظ السوق المجمع المجَمِّعْ، لا يتأقلم النابغة فاخراً بزهير، غير مفاخر بالأعشى، فعكاظ على الحزم من الحجاز احتزم وحين سطع نور الإسلام تنابع الشعر مجازيًّا تهاميًّا بحسان وعمر بن أبي ربيعة والعرجي وعروة بن هذيلة ومن كان لهم وبهم وبعد تعالي الشعر عراقيًّا بشار ومن إليه ثم علا أندلسيًّا بابن زيدون ومن معه، ثم تعبقر شاميًّا بالمتنبي وأبي تمام وأبي العلاء والبحتري ثم وأكثر من ثم تأمَّر مصريًّا بشوقي وحافظ، ومن جاء بعده، وفي الوقت نفسه جاءت الشام بشعر لبنان، الأخطل الصغير والملاط وفؤاد الخطيب ومن إليهم هذه الأقاليم كل واحد حظه من عظمة الشاعر يتسع لهم ديوان العرب، فلئن كان قد نبغ في إقليم فمازال كل هؤلاء الشاعر الواحد شاعر الفصحى فلا يقال إن أمرىء القيس شعره نجدي، بل ديوان العرب قال إنه الشعر العربي وهذا القول هو الحكم على شاعر في أي إقليم آخر، فالنسب الصحيح والانتساب الواضح أن كل هؤلاء شعراء اللغة العربية الفصحى لم يتأقلم شعرهم بالإقليم وإنما هي اللغة الشاعرة كلهم بها كلهم منها كلهم لها فالمفاضلة ليست بالتأقلم وإنما بالمقارنة.
ولأضرب مثلاً بين ما قاله أبو محسد أحمد بن الحسين المتنبي في بيت واحد وبين ما قاله إسماعيل صبري في بيتين لأقول إنه شعر الكوفي الحلبي المتنبي أو شعر المصري صبري وإنما القول هو في المقارنة بين القولين فإسماعيل باشا صبري يقول:
إذا خانني خل قديمٌ وعقني
وفوقت يوماً في مقاتله سهمي
تعرض طيف الود بيني وبينه
فكسرت سهمي وانثنيت فلم أَرْمِ
حشد من الألفاظ بينما المتنبي قال:
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى
هوى كاسر كفي وسيفي وأسهمي
فالمتنبي هنا فوق وإسماعيل صبري أقل وما كان تحت كلاهما شاعر هذه اللغة الفصحى فلن نقول الشامي أو العراقي أو المصري أعني الشعر لا الشاعر إن ديوان العرب ديوان شعر وحدة كاملة ومن هو الذي سمى ديوان شعر إنه الحبر عبد الله ابن العباس رضي الله عنه، وقد تنكر بعضهم لأحمد شوقي قبل أن يلقب بأمير الشعراء بنفي أنه شاعر يفضل عليه شاعر المهجر اللبناني وفي صباح وكان شاعرنا الذي شبع قاموسه من اللغة الفصحى حمزة شحاته وكان ينام معي وفي بيتي، في الصيف أهلنا في الطائف وشغلنا في مكة وقد جرى الحوار بدأه حمزة شحاته فهو لا يستطيع أن يعيش بلا حوار ولا يستطيع أن يبرز بلا خصومة قال حمزة:
لقد عجزت مدرسة الديوان أن تنال من شوقي فكيف لا يكون شوقي شاعراً، وأنا أتحدى من استطاع أن يقول هذين البيتين يصف بهما شوقي الكشف على أثر من آثار الحضارة الفرعونية فشوقي يصف المكتشف هكذا:
أفضى إلى ختم الزمان ففضه
ومشى إلى التاريخ في محرابه
وطوى القرون القهري حتى أتى
فرعون بين طعامه وشرابه
قلت له هي اللغة الشاعرة، هي مصر صهرته فإذا الفتى التركي الذي لا يتكلم في بيته إلا بالتركية واليونانية يخرج إلى شارع العروبة، فإذا هو يعطي مصر عطاء المرعي للشام، وعطاء أبي نواس للعراق وعطاء كل شاعر إلى وطنه لا ليكون إقليمياً وحده ولكن ليكون ثبت ديوان العرب شاعراً من شعراء اللغة الشاعرة.
ويرحم الله الأستاذ العقاد فهو الذي سمى اللغة الفصحى اللغة الشاعرة.
ويرحم الله. الدكتور طه حسين هو الذي يقول لا خوف على اللغة الفصحى مادام هذا القرآن سرمدياً إلى يوم يبعثون.
ويرحم الله شوقي حيث قال:
إذا تعارض ما قنَّنه علماء اللغة مع ما جاء في القرآن فلا قانون لهذه اللغة إلا وهو ما جاء في القرآن..
وما دام الشيء بالشيء يذكر فإني أروي حادثة فقد أسس في القاهرة المجمع للغة تسميته الأولى مجمع فؤاد واختار القصر أعضاء هذا المجمع من الأزهريين والدرعميين الخضر حسين علي الجارم، جاد المولى بك، ومن إليهم ولم يختر إسعاف النشاشيبي ولا طه حسين ولا العقاد ولا أمثالهم واختار مع من اختار بعض المستشرقين ومنهم عالم اللغة الفصحى الألماني الدكتور فيشر، وفي جلسة من مجالس المجمع أعد الأزهريون والدرعميون جدولاً بمصادر اللغة حتى إذا تليت سألهم الدكتور فيشر ألم يبق مرجع من مراجع اللغة استكثروا عليه هذا السؤال، يقولون لم يبق مرجع فقال الألماني المسيحي المستشرق بل هو المستعرب كلمة كالصاعقة قال((وأين القرآن)) فأسقط في أيديهم فالقرآن هو المصدر هو المرجع.
حدثني بهذا الدكتور محمد حسين هيكل ثم تحول المجمع إلى مجمع اللغة العربية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :727  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1056 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.