(( كلمة الأستاذ عبد الله بغدادي ))
|
ثم تحدث الأستاذ عبد الله بغدادي فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله المنعم المتفضل على الإِنسانية جمعاء، الهادي البشير، والسراج المنير، القائل له في محكـم الكتاب المبين يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فهذا الإِعلان صادر إلى البشرية كلها، وهذه الدعوة مرسلة إلى الكون كله، وموجهة إلى الأجيال البشرية كافة والأدوار التاريخية بأجمعها، ومهداة إلى الدنيا بأسرها والفكر الإِنساني عامة. |
- دوت في فم الدنيا وانطلقت هادية عالية لتلمع فوق قمم الجبال، وتتوهج فوق البقاع، وتتلألأ بين الرمال، وفوق سطوح الوديان المنبسطة بين مسجدي نمرة والخيف في لقاء الوداع. قالها صلوات الله وسلامه عليه "بلغوا عني ولو آية، فليبلغ الشاهد الغائب فَرُبّ مُبلِّغ أوعى من سامع، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وقد قال عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، معلقاً بقوله: "والذي نفسي بيده إنها لوصيته لأمته فليبلغ الشاهد الغائب". |
- وبعد فها نحن اليوم نلتقي بأحد الدعاة إلى شريعة الله، الناقلين لأمة الإِسلام عطاياه، المبشرين بالرسالة المحمدية في أوطان الإِسلام، والتي أطلقها نبي الإِسلام قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، شارحاً ومفسراً لعالم الغرب مفاهيم الرسالة المحمدية ومضامينها وعالميتها وشمولها لبني البشر أجمعين. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. |
- معنا الليلة الداعية الإِسلامي الكبير والمفكر الإِنسان أحمد ديدات.. رجل من الرجال المؤمنين، وعالم فذ من العلماء العاملين، وداعية إلى الله من الدعاة المخلصين، رجل صدق ودعوة من الطراز الأول، له ذكر الله في دنيا الشرق والغرب وعالم الإِسلام مستمسك بالعروة الوثقى من الباقيات المجدية في عالمنا المعاصر، ومن العلماء الأفذاذ أصحاب المقاعد الصادقة والمثوبة الحقة والرضوان. يربض بعلمه وفكره ودعوته فوق قاعدة متينة على رأس الرجاء الصالح في الجنوب الأفريقي حيث ملتقى المحيطين، ومرج البحرين الكبيرين الهندي والأطلسي، لينطلق من هذه القاعدة من حين لآخر حاملاً لعالم الشرق والغرب رسالة الإِسلام والسلام ولكل من يبتغي المحبة والوئام. وحيث قيض الله له في مربضه وفوق رفرفه المخضر مغاني للدرس، وروابـي للمعرفة، ومرابع للعلم، وروحاً وريحاناً، وشذىً وطيباً ومسكاً. |
- وأضيف بأن أحمد ديدات يستأثر بحب العلماء والمشايخ وأهل الكفاف والعفاف، ويلتف حوله كل يوم في زاويته في المدينة التي يقيم بها عدد من الذين أعرفهم، منذ أن كانوا يتلقون العلم في مدارس ومعاهد المملكة، كمدرسة الفلاح، والمعهد السعودي، ومعاهد الرياض، والجامعة الإِسلامية في المدينة المنورة. |
- إن أحمد ديدات يعرفك بنفسه قبل أن تعرفه، فهو يستأثر بحب مريديه وتلاميذه، وله ثقل فكري وميزان علمي، له الرجحان.. دون النقصان. يحتل مكانة مرموقة في عالم الفكر الإِنساني وفي مشرق الأرض ومغربها. يستنار برأيه ويرجع إليه لاسيما فـي هذا العصر الـذي احتشدت فيه الأضواء المُسخَّرة والمذاهب الدخيلة، وفي وقت تتقاتل المذاهب، وتهجم على المجتمع المعاصر. هذه الأيديولوجيات الوافدة، والتي تغزو عالمنا الفكري ونحن في هذا العالـم كلما دوت الحياة، ودق الناقوس، وازدحمت الدنيا بالمذاهب نرنو بأبصارنا ونتعلق بأفكارنا إلى الأسماء المتحلية ذوي العقول الكبيرة والأدمغة العظيمة، واتجهت صوب المفكرين والعلماء من أمثال أحمد ديدات، وهو من العلماء الذين يطلق عليهم ورثة الأنبياء فحسبه شرفاً وفخراً وعزاً ومجداً قوله سبحانه وتعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء، ونحن نتحلى بمصداقية العلماء ونتجمل بأفكارهم ونعجب بآرائهم، فهذه النظرة قادمة إلينا عبر تاريخنا من باب مدينة العلم عالم من علماء أمة الإِسلام، إنه الإِمام علي كرم الله وجهه، الإِمام فيما علم وهدى. |
- روى أبو نُعيم الأصبهاني في رائعته "حلية الأولياء" قول الإِمام في وصيته لكميت بن زياد "والأرض لا تخلو من قائم لله بحجة لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا لما استوحش منه الجاهلون. صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده ودعاته إلى دينه". |
- وبعد فقد أعطى هذا المفكر الإِنسان والداعية الشجاع المثل الأعلى على صدق العالم، وقدم تفسيراً شافياً وضافياً عن الإِسلام بأهل العقل وأهل النقل، وشرح لأمة الغرب في جامعات أوروبا وأمريكا أبعاد الرسالة المحمدية، وأنها رسالة حضارية إنسانية ذات طابع عالمي تتحقق بها مقاصد الإِسلام. وشرح أكثر من مرة لعلماء الغرب أن الروح العلمي والتقني السائدين في الغرب، وما في حياة الغرب من إنجازات إنسانية تشكل جزءاً من محتويات الدين الإِسلامي، وركز على ذلك. |
- فالإِسلام لا يقف مضاداً لحياة الغرب، ولكنه يعارض بعض الظاهرات المتطرفة المادية كما أنه يعارض الميول غير الإِنسانية، والتراخي الأخلاقي البشع. |
- كما وقف أحمد ديدات محذراً مخاطباً بفكره وفلسفته شباب العالم الإِسلامي المتشبع بالثقافة الغربية، المخدوع بحضارة الغرب، الجاهل لتراثه الشرقي، والضائع في صراع الأيديولوجيات الغربية. ولذلك خاطبه بالأسلوب واللغة التي يؤمن بها، والمقاييس التي يتعامل بها، وبرهن له بأن الشريعة الإِسلامية قابلة بروحها للتطور ومواكبة التقدم الإِنساني، وأن المبادئ التي قامت عليها الحياة الغربية بثقلها وتطورها التقني العلمي هي المبادئ الفكرية التي قام عليها الإِسلام، إلا أنها أي العقيدة الإِسلامية منحـت الإِنطلاقـة الحضاريـة الإِسلامية أسسها الروحية التي فقدتها الحضارة الغربية. والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
|