شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
السلحفاة الحيزبون!
وحفظنا كلمة لأبي العلاء المعري حين وصفوا له عصفوراً يتمرق به، فأمسك المعري بالعصفور لا يراه بالباصرة، فكل البصر لدى المعري أنه كان بالبصيرة يرى وبالوجدان ينظر وبالعقل يحاكم ضعفاً يستكين به إنسانها وإنما هي مبعث قوة تعطي إنسانها أن يشقى بها وأن يسعد بها فشقاء المفكر سعادة الآخرين.
وأمسك المعري بالعصفور لا يروز ثقله، فجمال العصفور في يد المعري ليس له ثقل على اليد وإنما ثقله في الوجدان ((وهو لم ير جماله وإنما مشاعره كانت مع الجمال الموصوف له)).. أمسك بالعصفور فقال:
((واستضعفوك فوصفوك، فهلا وصفوا شبل الأسد))؟!
كلمة يطغى بها المعري على سلوك الإنسان يقهر الضعيف ويتقهقر أمام القوي ((فالقوة في الإنسان انقهر بها لا تلبث أن تكون القاهرة له يوم يسترشد بكلمة مثل كلمة المعري)).
والإنسان لا يعترف بالضعف مهما كان مسخراً للضعف، يصيد العصافير، يأكلها ((يصيد الغزال، كأنما هو يصيد العصافير والغزلان لا يحفل بالجمال، فكل احتفاله أن يتظاهر بالقوة على المستضعفين)) وهكذا في الأفراد كما في الجماعات، وفي السياسة وفي الحرب، كل ذلك إعلان للقوة وكل ذلك سلطان على الضعف..
وذكرتني كلمة المعري بالسلحفاة.. إنها بكل القوة تنتصب أمام الإنسان واقفة تكايده، تسخر منه ((هي الضعيفة الأقوى، قد يصيدها الإنسان ولكنها لا تزال واقفة تصيد مشاعره.. تتحداه، لا تكلفه طعامها، وإن كلف باقتنائها بعض الذين يسقطون مكايدتها لهم باقتنائها تحفة حيوانية)).
إن السلحفاة تسخر من الإنسان بطول عمرها، تعيش أكثر من ستمائة عام، يموت مقتنيها ويرثها بعده آخرون جيلاً بعد جيل لتبقى هي الوراثة لكلفهم بها أو للصبر على مكايدتها لهم، إنهم يهلكون أمامها، فقد يبلغ الوارثون من هؤلاء الهالكين عشرة أجيال: والجيل هنا أشذ به حين أجعله ستين عاماً أو سبعين عاماً.. عشرة أجداد وما أكثر الأحفاد يموتون هلكى أمام السلحفاة.. وهي حية تسعى!
حين رأيتها تعيش سبعمائة عام فتشت عن تأثيرها في الحياة لأطرد مكايدتها لي، فوجدتني أجد الهالكين الذين عاشوا معها خيراً منها... إنها تعمر طويلاً فلا تعمر بها الحياة ولكن الهالكين من بني الإنسان مهما قصر بعضهم أو تقاصرت به الوسائل نجدهم وإن لم يعمروا حياة طويلة فإنهم يعمرون في الحياة حياة جديدة بكل وسائل العمران.
إن طول العمر في السلحفاة هباء ينبغي أن لا نحسدها على ذلك، بل إننا لنغتبط بأنها المثل نعرف فيه عدم النفع إلا قليلاً ممَّا أعطاها الله، فليس في مملكة الحيوان حيوان غير نافع... أما الإنسان فكل النفع فيه كما كل المضرة منه، إن اعتدى نفع وإن ضل أضر! وإن عدل ساد وإن ظلم باد!
فالهلاك للإنسان لا يحسب بطول العمر وقصره، وإنما الحساب هو في عطائه وأثره، فالخالدون في التاريخ مهما طالت أعمارهم فإنها قصيرة بالنسبة للسلحفاة، ولكنها طويلة بآثارهم وأفكارهم ومؤلفاتهم، وبناة دول أو محطمي دول ((فالذكر للإنسان عمر ثان)) وليس للسلحفاة عمر ثان...
- حوار مع السلحفاة:
وتكلمت السلحفاة فقالت:
- أنا الكبت لغرور الإنسان، أنا الوحش بدون استيحاش وبدون افتراس، لكني أفترس الإنسان حين علمته كيف يتقي بالدرقة السيف وبالدرع السهام والرماح ((تتساقط على الأحجار، يريد حيوان مفترس أن يبتلعني فما أقسى الدرقة التي اتقى بها العدوان)) إنها غصة في حلق المفترس وزينة في صالون الإنسان، وما تركني الإنسان هملاً أعيش بل أخذ يتعرف علي، يتخذ من هذه المعرفة وسيلة الهلاك لي.. يقتلني ليعلِّب شحمي دواء للروماتيزم، كان ذلك في القديم..
قلت لها:
- وفي الجديد ماذا فعلوا؟!
قالت:
- هؤلاء صناع الجديد سرقوا من القديم أحسنه، فصنعوه، يُعَلَّبُ مزخرفاً في علب تباع في الصيدليات، إنهم سرقوا القديم فأبدلوا أسماءه لتخفي السرقة، كثير منهم ليست لديهم أمانة العلم، هضموا الشرق حين استباحوه بالاستعمار والدمار.
عيب كل العيب على معاهد العلم والعلماء أن لا يقتبسوا وإنما هم سراق، لكن بعض المنصفين منهم قد أعلنوا السرقة والمواد المسروقة والنظريات المختلسة.
قلت:
- طبيعة الشرق فيك يا سلحفاتي جعلت منك أن تري في هؤلاء منصفين، مع أن الإنصاف منهم لم يكن إلا محاربة لادعاء فريق منهم بدافع الخصومة لبعضهم، يتعاملون مع الإنصاف حبًّا في الإجحاف ببعض قومهم، فالعنصرية لديهم تحكم سلوكهم، وهي التي أباحت لهم أن يسرقوا من الشرق أحسنه.
قالت السلحفاة:
- يزعم بعض الشرقيين أن من مغبة الخلاف بين المسلمين، إمبراطوريات ودويلات، انحسار الإسلام عن أوروبا.
قلت:
- لعل ذلك من حسن حظ المسلمين، لو أن أوروبا الجرمانية واللاتينية والسكسونية انتشر بينهم الإسلام لم تنهزم به العنصرية، ولم تعتدل به أخلاقهم، إنهم وقد حاربوا الشرق بالصليب والاستعمار والاستغلال والاستقطاب فإنهم سيتخذون من اعتناقهم الإسلام قوة قاهرة يستديم بها استعمارهم واستغلالهم واستقطابهم، فحربهم على الإسلام مصدر القوة لهذا الإسلام؛ لأن الإسلام يقوى بالحرب عليه، إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الكافر أو بالرجل الفاجر لأن طغيان الكفر وشعار الفجور يحمل المسلمين على الوحدة يجابهون الحرب بالحرب.
قالت السلحفاة:
- إنك لا زلت إنساناً يفكر محليًّا، أما أنا فحيوان أفكر عالميًّا.
قلت:
إن العالمية للإسلام ستكون بعد، يوم يلتف رجال حول المسيح يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
وقالت السلحفاة:
- أنت تؤمن بنزول المسيح؟!
قلت:
- نعم... وإن من ينكره فاسق لا يحترم السنة وينحرف عن القرآن.
قالت السلحفاة:
- سبحان الله!!
قلت:
- لقد أنعم الله عليك بأن تكوني من المسيحين ((وإن من شيء إلا يسبح بحمده)).
* * *
- شارون
وأذاعت إسرائيل تقرير لجنة التحقيق تطلب من أرييل شارون أن يستقيل، فإن لم يستقل يقال، كما أنها شفعت لمناحيم بيجين تحمله مسؤولية أدبية كما حملت بعض القادة العسكريين المسؤولية عن مذابح صبرا وشاتيلا.
إن هذه اللجنة لم تكن لجنة تحقيق بقدر ما هي لجنة تلفيق، شكلها مناحيم بيجن نفسه، وأقر تشكيلها مجلس الوزراء الإسرائيلي، وبارك ذلك ((الكنيسيت)) فلماذا كان ذلك؟!
لقد كان حين انطلقت ألسنة في أوروبا والولايات المتحدة تصف اليهود بالنازية؛ لأن القتل بالجملة هكذا مارسه هتلر مع اليهود، فإذا سلاح إسرائيل واليهود والصهيونية يكاد ينثلم فعلى الأقل يستفيق الشعب الألماني من عقدة الذنب وعلى الأكثر تعرف شعوب أوروبا والشعب الأمريكي مدى الظلم الذي شاركوا فيه بكل العون لإسرائيل، بكل الاستكانة لليهود، يحمل الطاعة للصهيونية، فإذا مناحيم بيجين يريد أن يمتص هذه النقمة فكون لجنة التحقيق، يقتل بها الوقت وإن لم يمحها الزمن.
فلا شارون سيستقيل ولا مناحيم بيجين يعرف وخزة الضمير، لكن... هل شارون وحده أو مناحيم بيجين والقادة الآخرون هم القتلة أم أن هناك من شاركهم؟ بل ومن باشر القتل؟! سواء بهذا المثلث: السلاح ومن أعطاه والكتائبيون المنشقون الذين باشروا بالقتل، والأوروبيون حتى أن الجيوش التي أوجدوها قوة متعددة الجنسيات لحماية لبنان قد رحلوها مؤقتاً لتتم المجزرة... فوجدوا حجة أن يعيدوها، لا أريد أن أكون كالنعامة، فالذين اقترفوا الجريمة كثيرون أعطوا الفرصة لمناحيم بيجين أن يكون سفاح القرن العشرين، لا يعبأ بجائزة السلام ولا يعبأ بالدماء ولا يكترث بأي شيء..
إن مناحيم بيجين هو المجرم الأول، أما شارون فكبش الفداء...
المجرمون كثيرون، والمستكينون للجريمة يرتكبون الجريمة الأكبر تتبعها جرائم أكثر.
- صورة
قال لي: إنك تظلم الشعب الأمريكي.
قلت: ذلك عزيز لدي، ولكن الشعب الأمريكي بدأ يتآكل في ذاته، من استحالة الطموح إلى جموح، بدكتاتورية الكونجرس يفرض سلطانه على الشعب، بينما سلطان الصهيونية يفرض عليه.
قال: والاتحاد السوفياتي؟
قلت: إن الاتحاد السوفياتي قوة عسكرية طغت على القوة المذهبية، فبدأت شعوب الاتحاد السوفياتي تتبلور تندمل جراحها بالطموح، فالمنجل ما زال عاجزاً عن اجتناب الجذور، فالجذور هي التي تدعو الاتحاد السوفياتي ليكون إمبراطورية عالمية لا تبالي بأي دم يسفك. فالأوروبيون ومن إليهم من شرق الأورال إلى غرب جبال روكي لا يحجزهم عن سفك الدماء بأسلوب أو بآخر حاجز حتى المحيط الأطلسي أصبح بحيرة سيتدفق حولها الدم إن لم يستفق الشعبان الأمريكي والسوفياتي ليتبلورا في حقيقة الإنسان لا في أكاذيب المذهب وفسوق الطموح.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :661  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 995 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج