شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أوروبا والعرب
وليست هذه حملة دعائية ضد أوروبا كما أنها ليست تحقيقاً تاريخياً يحيط بكل العلاقات الأوروبية العربية استشراقاً أو استعماراً بكل أنواعه.
وإنما هي نفثة مصدور كعربي ينتمي إلى أمة ذات شعوب ليس من طبيعتها الحقد، فقد أرهقت نفسها بكثير من التسامح.
فلا أدري أهو فرض الروحانية عليها أم هو فرض ((أنا وحدي ومن بعدي الطوفان)) بينما الأوروبيون فرضوا على أنفسهم أن يمارسوا الحقد سواء كان هذا الحقد فرنسيًّا على ألماني أو إنجليزيًّا على فرنسي، ليكون هذا السواء حقداً جماعيًّا أوروبيًّا على الشرق كله وعلى العرب خاصة، وعلى الإسلام بصورة أخص.
فأوروبا لا تعرف الوفاء، ((بريطانيا ليس لها أصدقاء وإنما لها مصالح))، فالكل في هذا سواء.
إن الوفاء كان يفرض على أوروبا أن تحترم بحيث لا تحقد على أمومة آسيا لها، فالآريون آسيويون من العنصر القوقازي، ذهبوا يجرفون الثلج ويخوضون معركة الذئاب ليعمروا أوروبا.
وجاءت ولادة آسيوية ثانية بحملة المغولية تحت قيادة ((أتيلا)) فتركت أنسالاً عمروا جزءاً من أوروبا، في المجر وفنلندا وما إليها.
ولا أهرب من أن أجعل للحرب البونية تأثيراً كنعانيًّا فينيقياً على قبائل جرمن بالذات، فنهر ((التيبر)) طبرية، وأسبانيا أرض الخمر، وبريطانيا بر التنك بصمات كنعانية فينيقية حتى الصليب المعقوف ورثه هتلر عن الشرق عربيًّا وهنديًّا وحتى النسر شعاراً قبل أن يكون ألمانيًّا كان ثموديًّا.
كل هذا طحنه الحقد الذي رسخه سبيل العيش يطلب من آسيا وأفريقيا الزبد والقمح حتى جاء دور النفط.
- فماذا صنع الحقد الأوروبي؟
فالحروب الصليبية أولاً واستغلال الاستعمار ثانياً واستغلال الاستقطاب ثالثاً، وكانت الوسيلة التي تحقق بها الاستحواذ الأوروبي على العرب هي في حربها ضد التجمع والتكتل والتضامن، فأطاحت بالرجل المريض... الدولة العثمانية.
وكان عطاء هذا الحقد الأوروبي من اشتعال القوميات.. الأرمن، الطورانية، القومية العربية، فهذه القوميات أسقطت جامعة الإسلام لتتحرك كل قومية ضد الأخرى.
فلو أن الدولة العثمانية بقيادة الاتحاديين لم تعلن الطورانية وكلفت نفسها أن ترضى بأن لا مركزية تشكل بها ولايات إسلامية متحدة لتأخر الاستعمار ولذاب التفريق.
لكن الطورانية ((تألمنت)) والقومية العربية ((تكلنزت)) و((تفرنست))، فأخذت كل ذلك صراعاً داخليًّا في أوروبا أقام الحرب العالمية الأولى، ثم أقام للاستعمار مراكز في أغلب الشعوب العربية.
ولولا خوف فرنسا وبريطانيا من الاتحاد السوفياتي الذي نشأ والذي فضح المعاهدة السرية بين فرنسا وبريطانيا ((سايكس بيكو)) لما انتصر مصطفى كمال، بل إن الإبقاء على مصطفى كمال وسيلة من وسائل التفريق بين الترك والعرب، فبدلاً أن يكون الحقد مشتعلاً في الوجدان العربي على المستعمرين اشتعل بين العرب والشعوب الإسلامية.
فالهند المسلمة تأخذ على العرب حربهم ضد الدولة العثمانية، والترك يغضون أبصارهم عن تأثير الطورانية ليحملوا العرب إسقاط الدولة العثمانية.
* * *
هذا الاستعراض لا يجعلني ناقماً على أوروبا فلا أجعلها مشجياً نعلق عليه أخطاءنا وتقاعسنا وتلمسنا النجاة إقليميًّا أو شعوبيَّا بالصداقة مع كل من الإمبراطوريتين المستعمرتين.
إن الكلمة الصريحة ينبغي أن نواجه بها أنفسنا، لأن خروجنا عن جامعة الإسلام وتطويحنا بالتضامن العربي وتسخيرنا للمؤتمر الإسلامي على الصورة التي نشتهيها ونبتعد عنه بكل الصور التي تشتهي تفريقنا، فإن أوروبا أرادت بكلمة ((فرق تسد)) أن تعيش ناعمة.
أما نحن العرب أو المسلمين فإننا قد تباطأنا وتواكلنا فأكلنا.
كلنا على القصعة التي تداعت عليها الأمم يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة )) ، فقال الصحاب (( أمن قلة يا رسول الله؟ )) فقال عليه الصلاة والسلام: (( لا، بل غثاء كغثاء السيل، إنما يدرككم الوهن )) قال: (( حب الدنيا وكراهية الآخرة )) ، أو حب الحياة وكراهية الموت، أو كما قال .
إن أوروبا يجب ألا تكون المشجب نعلق عليها أخطاءنا، لكن معرفة الحقد وتأثيره فينا ينبغي أن يزرع فينا الحقد ليكون لنا التأثير فيهم، ولن يتم ذلك إلا على مستوى أن نكون الأمة الواحدة وإلا فسنسقط إقليماً بعد إقليم.
وها هي إسرائيل قد احتلت لبنان بعصيان الإقليمية على الأممية، ولعلها قد حشدت جيوشاً على إقليم وإقليم لتقول ((ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض)).
إن تعجيز المؤتمر الإسلامي عن حل للحرب العراقية - الإيرانية ضربة تصفق لها أوروبا من شرق الأورال إلى شرق المحيط الأطلسي.
- صورة
كثيراً ما رأيت يوم كنا نترك الزقاق إلى الحفل ((لنأكل رطباً وعنباً))، فلقد رأيت أكثر من مرة ((الحنش))، يمشي على الأرض أو يتسلق النخلة، فتتهاوى عليه العصافير، تريد أن تقتله، وليس لها قاتلة، تهاجمه بكثرة أمام فمه، فيلقمها واحداً واحداً.
إلا عصفوراً من نوع آخر أسود اللون نسميه نحن أهل الحقول ((المجبية))، تعرفه حين يقع على الأرض يهز ذيله، هذا العصفور الأسود، ((المجبية)) تهوى على الحنش فوق رأسه تنقره بمنقارها، ترتفع وتهبط، كلما هبطت نقرته، يتلوى لا يلحقها، حتى إذا أكثرت نقرها في رأسه يتهاوى هالكاً؛ لأنها فتحت رأسه فانساح مخه، فالعصافير الهوجاء يأكلها الحنش والعصفور الحكيم يقتل الحنش.
لقد كانت ((المجبية)) ممثلة في الفدائي الفلسطيني، وكانت العصافير الأخرى مثالاً للآخرين!
* * *
في تاريخنا العربي واحد اسمه ((عقه)) رأساً في قبيلة تغلب النصرانية. تحالف مع طليحة الأسدي حين ادعى النبوة فانهزم طليحة أمام أبي سليمان سيف الله خالد بن الوليد، الذي قال له بعض أصحابه يطلبون منه إلى ((مسلمى وأجا)) جبلي طيَّ يريدون أن يهرب أبو سليمان، فقال سيف الله: ((إلى الله الملجأ)).. فانتصر!
وهرب ((عقه)) يقود التغلبيين يوالي الفرس، يجهز جيشاً، يواجه خالداً في حربه حين بدأ فتح أطراف العراق، فاحتضنه الفيروزان قائد الفرس وأمده بقوة السلاح وجعله يواجه خالد في ((ذات الخنافس)).
وبرز ((عقه)) على رأس جيشه العربي النصراني حليف فارس، وبرز أبو سليمان على جيش ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)).
وما صبر أبو سليمان فهز ((الأشقر)) حصانه وسل سيفه يقفز البطل على ((عقه)) يختطفه من فوق سرج حصانه، يرضخه على الأرض رضخا، يمزق أضلاعه، فإذا جيش ((عقه)) يولي هارباً.
ولم يلبث خالد فقد أسرع يلاحق الفلول، فإذا الفرس على طعام إفطارهم، فجلدهم أبو سليمان جلداً وتناول جيش خالد من طعام الفرس، فقال خالد:
((لو لم نحاربهم على الدين، على كلمة الإسلام، لحاربناهم على رغيد العيش))، يجيب بها صحابي قال:
((هذا رغيد العيش)).
* * *
إن الفرس من كبار المرازبة لم يرضوا أن يتقدم ((عقه)) إلى خالد، ولكن الفيروزان أميرهم قال:
((إنه تابع لنا، فإن انتصر كان نصره لنا، وإن انهزم فقد يكون أنهك خالداً)) ولكن خطفة البطل لهذا العاق أذاقته طعام العقوق.. القتل.
رضي الله عن خالد كم أعطى الكلمة المسلمة نصرها!
وأقبلت البشرى على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فخرج يشكر نعمة النصر، فقال لأهل المسجد يا معشر قريش عدا أسدكم على الأسد فأجلاه عن خراذيله، أعجزت النساء أن يلدن مثل خالد؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :673  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 994 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .