فهارس الكتب عناوين الكتب محتويات الكتب أسماء المؤلفين الكل          البحث   

مكتبة الاثنينية
بكره السفر وكنت في مكتبي أفتش عن أوراق ضائعة وما كنت أدري أنني سأجد نفسي أمام شاب بدأ يضيع، كان باب المكتب مغلقاً، ولكني سمعت صوت من يغني (بكره السفر بكره) فناديت حتى إذا دخل علي رأيت كل عضلة في جسده تهتز راقصة كأنما الفرحة في وجدانه اهتزت بها أوصاله، وقدرت أنه جاء يبشرني بالنجاح، فاز في الامتحان، فالآباء والأمهات لا شغل لهم إلا وهم يترقبون نتائج الاختبارات. قلت له: بشر.. فقال: علي إكمال في اللغة العربية.. قلت: إكمال وأنت تكاد تطير من الفرح. قال: بكره السفر بكره. قلت: إلى أين تسافر.. قال: إلى الغرب، فأنا أتبع كلمتك (غرب سنة، ولا تشرق يوم). أنا راح أسافر، خلينا يا عم نغسل نفسنا من الهم والغم، طوال السنة دراسة، طوال السنة من البيت إلى السوق، غبار وحر وتفحيط سيارات. قلت: كم ستنفق في هذه السفرة؟ قال: ما هو أقل من خمسين ألف ريال لمدة شهر، وإن وجدت أن السفرة تطول، برقية للبنك ويرسل لي فلوس، أنت ما أنت شايفني يا عمي من أول الشهر، وأنا أحبش وأدبش الشنطة، لا بد أن آخذ هدايا للأحباب.. قلت: أي أحباب.. قال: ما تخلي الطبق مستور، يعني أنا مسافر، رايح أشوف العمارات، أنا ماني رايح إلا أتفسح، عصفور من شجرة لشجرة لا تظن يا عمي الشجرة من الزرع. قلت: وصوم رمضان. قال: أنا مسافر، أفطر، فذلك مباح. قلت: لو كنت أملك الفتوى، لما أبحت الفطر في سفر أمثالك، الفطر مباح لأيام معدودة، ولكنك تأخذ بأنه طوال الشهر، طول مدة غيابك عن الأهل، الفطر مباح لمن سافر.. طالب علم، جالب تجارة، مكلف بمهمة رسمية، ما هو مباح للمترفين المتبطرين، الذين يسافرون يفنون المال، وتتفانى الصحة، وتسقط كرامة المواطن، إنهم في المدن التي تسافرون إليها لا يعتبرون الأموال التي تنفقون واردات، وإنما هي صادرات لأنها لما تستهلكون هناك هي نوع من الصادرات لتلك المدن، حتى أجرة الشقة، حتى الصرمحة في الشوارع كلها تستنزف المال من جيوبكم، لو اذخرتموه لكان في ذلك تنمية لرأس مال الوطن، ولكنكم تعطون التنمية لهؤلاء الذين سلبوا العزة فيكم، وسلموا أوطانكم لأعدائكم، فلئن كان الاستعمار عملية استغلال للاستنزاف فقد أرحتم هؤلاء من إرسال الأساطيل والجيوش، لأنكم واسطة الاستنزاف، فهم يستنزفون ثرواتكم بأسلوب وبآخر وشر الأسلوب ما تفعلونه، وما تنفقونه.. وسألته: أتسافر وحدك..؟ فقال: الوحدة عبادة، الوحدة حرية. قلت: وتترك أمك وأخواتك مع أخيك الطفل طوال مدة هذا السفر.. ليش ما تأخذهم معاك..؟ فقال: (من عتبة لدحديره يا قلب لا تحزن)، أنا أقول لك حتى لما بدأت الملم عفشي ورفشي، أرتب الشنطتين وجدت كرفته غالية مفقودة، صرخت يا هوه أنا ما قلت أكثر من مرة لا تلعبوا في حوائجي، فقالت أمي: إيش ضاع لك، قلت: الكرفتة الوردية، قالت: روح شوفها تحت المخدة، مسكتني رأسي بصداع، فتشت عن منديل أعصب رأسي فوجدت هذا المنديل الوردي، اللي تعلقه في رقبتك، وصرخت نحن مساكين، أمي ما تعرف الفرق بين الكرفتة والمنديل.. قلت: لقد سجلت أمك أنها تعرف كيف نشأتك، كيف حفظتك وعلمتك، أما أنت فعلاقتك بالقشور حتى السفر الذي بعثرتم به الأسرة، وأحدثتم شرخاً في العلاقات وأفقرتم أنفسكم بالسرف، فكل ذلك قشور، تطاير يوم تأتي مصفر اللون من طعام مسمم أكلته قبل سفرك بأيام، إن همهم هناك أن تشتروا وأن تأكلوا وأن تعبثوا، فالعناية بالصحة تكلفهم كثيراً وهم يريدون أن يكسبوا أكثر، حين تسممت فرح سماسرة المستشفيات، أخذوك إلى المستشفى لتنفق الدولارات، حتى التسميم وسيلة من وسائل السلب لكم أخشى عليك أنك تحمل مرضاً جديداً، فقبل أن تنام اذهب إلى المستشفى واعمل تحاليل لتعرف هل أنت صحيح الجسم، ما أصابتك عدوى الأمراض الجديدة، إنكم بهذه البعثرة تخسرون خسارتين المال والصحة، ففي بلدكم هذا على مشارف السراة أماكن للاصطياف تشبع منها برؤية الجمال يزيد به الحب لوطنك، فكل نفقة تنفقها في الطائف، أو في أبها وما حواليها هي بذرة تنمية لوطنك وليس من الضروري أن تجري وراء (الكباريهات) والأغاني الصارخة فإنك لن تلقى هناك إلا من يستقذرك، وإن أشبعك من الشهوات، فبذل الشهوات لك معناه أنها عملية سلب واستنزاف، في وطنك مصايف ولوطنك عليك حق، ولكن لا حياة لمن تنادي..
طباعة تعليق  القراءات :802  التعليقات :0
صفحة 990 من 1092

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان

هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع
	تسجيلات كاملة
	مقتطفات لتسجيلات مختارة
	لا أؤيد
النتائج