شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تداعي الأكلة على القصعة!
- في حديث حفظناه عن موحد الأمة العربية بكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة: رسول الله محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلم يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة)، فقال الصحاب: من قلة يا رسول الله؟.. فقال: بل كثرة كغثاء السيل.. إنما يدرككم الوهن حب الحياة وكراهة الموت!
أليس في هذا الحديث صورة جسدت واقع العالم العربي؟ كثرة في العدد وقلة في المدد، فالعربي اليوم بمشرقه ومغربه يهلك نفسه بالقوة التي يملكها من خلال الضعف الذي يملكه، فالقوة مادة تصنع الهلاك لصاحبها إذا لم تكن هناك قوة يزخر بها الوجدان!
* * *
مقدمة لا بد منها.. أتبعها بفقرات كأنها الصور لبعض المواقف من هؤلاء الذين يتآكل الكلام على ألسنتهم كأنها الوسائل يمدون بها الأيدي إلى القصعة، فالقصعة ليست هي الخليج وحده.. بل كل العالم العربي هو القصعة: أرضه قوة الدفاع عن حلف الأطلسي، أو قوة الاندفاع ضد الأطلسي، أو بعبارة أصرح: أصبح العرب هم القوة الأولى في يد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة!
ولأشرح ذلك: فالاتحاد السوفياتي الذي أمد سوريا بصواريخ سام ويتظاهر بأنه يؤيد منظمة التحرير، ويقوم بمناورات الأسطول على الساحل السوري.. تحدته الولايات المتحدة بأن أشعلت الضوء الأخضر لإسرائيل تدمر الأرض والإنسان في لبنان، فإذا الصواريخ لم تفعل شيئاً، فلعلّها في نطاق محدود الامتداد لا تصل إلى الدفاع عن بيروت، أو لعلّ الأمد حدد لها.. فإن الاتحاد السوفياتي لم يعلن موقفه في حماية معاهدة الصداقة السورية، كما لم يعلن الوفاء بما التزم به لمنظمة التحرير، فلا بد أن هناك التزاماً تعرفه المنظمة، وإلا فهي أشد إدراكاً وإخلاصاً من أن يغرر بها!!
فالاتحاد السوفياتي كل ما أعلنه أنه اتخذ لنفسه أن يكون كأي دولة من دول العالم الثالث حين دعا العالم كله أن يقاطع إسرائيل.
أهذا موقف دولة عظمى ولها في العرب أصدقاء.. بعضهم أعلن أنه لن يقف وحده ولم تعلن هذا الموقف بالنسبة لسوريا، فمن زمن غير بعيد صرحت أن الجنوب اليمني لن يقف وحده. وبالأمس القريب أكد ذلك رئيس اليمن الجنوبي حين قال في معرض كلامه عن الباكستان كوريث لشاه إيران، فقد قال: إن اليمن الجنوبية لن تقف وحدها!
فلماذا لم يعلن الاتحاد السوفياتي مثل هذا الموقف لمناصرة سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية؟!
والإجابة تقول: ليس ذلك خوفاً من الولايات المتحدة وإنما هو العون - كل العون - من الاتحاد السوفياتي لإسرائيل!
- الفقرة الثانية: هي في التعليق والتحليل للكلمة التي حمل بها وزير دفاع الولايات المتحدة على ((مناحيم بيغن))، فقد تبرع بأن طائرات ((إف - 16)) المقرر إرسالها إلى إسرائيل قد تأجل إرسالها لأن إسرائيل ضربت المفاعل الذري وتشن حرباً سافرة على لبنان!!
عبارة ليست إلا جرعة تخدير، وإلا.. لماذا لم يطالب إسرائيل بالتعهد الذي قالوا إنه مأخوذ عليها بأنه لا يجوز لها أن تستعمل سلاح الولايات المتحدة في العدوان على جيرانها؟!
إن إسرائيل لا تملك أي سلاح غير سلاح الولايات المتحدة، وهي قد أشعلت الحرب سافرة على العالم العربي كله، فبغداد هي كل العالم العربي لو عرف العرب ذلك، وبيروت هي كل الدنيا العربية لو اقتنع اللبناني بذلك!!
إن تأخير صفقة عشر طائرات لعبة لصالح إسرائيل، وهي في غنى عنها الآن ولكن..هكذا قهر السياسة بعهر العقول في الساسة.
لو طالبوا إسرائيل بأن لا تضرب بيروت بسلاح الولايات المتحدة، لأصبحت إسرائيل تطيع هيبة الولايات المتحدة، فالهرجلة التي يعيش في دوامتها فيليب حبيب إما أنها إسقاط لهيبة الولايات المتحدة، أو أنها تمهيد لتنفيذ خطة بعيدة المدى يتزعمها السيناتور جاكسون.. هي في تصعيد الموقف في الشرق الأوسط لإرغام شعوبه على أن يكونوا وإسرائيل في سلام تصنعه الولايات المتحدة كما إطار كامب ديفيد، ولعلّ هذا الاحتمال هو الأقرب!
- والفقرة الثالثة: وبطريق المصادفة سمعت فقرات من مقال كتبه مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر ((بريجينسكي))، فقد أذاعت محطة لندن ما هو أشبه بالتحذير أو التخدير للولايات المتحدة.. يتحسر أنها في الشرق الوسط في موقف ضعيف أمام الاتحاد السوفيتي، قال ذلك حينما أصبح خارج البيت الأبيض، فهل أجد أمريكياً يقول له: ألست أنت أحد صناع هذا الواقع الذي تتحسر منه حينما كنت ترسم الخطوط العريضة لسياسة البيت الأبيض؟!
لكنها ازدواجية السلوك، فهو في البيت الأبيض يخضع سياسة الولايات المتحدة حسب رغبة اليهود، وأكبر رغبة له أن تصانع الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي وحين يخرج من إملاء الوظيفة يصبح أمريكياً مستقلاً لتكتب عنه كلمة بيضاء لعلّها تطمس كلمات سوداء.
ومثله - حذوك النعل بالنعل - كيسنجر، فإنه الآن كأنه تحت جسر التنهدات يتنهد.. يعلن الحسرات على وضع هو صانعه.
صورة:
في كل الأعمال الفدائية التي تتفجر فيها القنابل داخل إسرائيل، أو التي تحدث من خلال الضرب بصواريخ الفدائيين على ((كريات شمونة)).. كل هذه الأعمال في السنوات الماضية إذا ما أذاعت إسرائيل خبراً عنها لا تذكر الإصابات ولا تصرخ بغوث الضحايا، كأنها أرادت أنه لا شيء في الميدان.. لا تبالي بما يصنعه الفدائيون.
أما في هذه الأيام، وقد أرسلت عدوانها وطغيانها على لبنان، أصبحت تذيع: الملاجئ قد امتلأت. القتلى من اليهود لن يذهب دمهم دون عقاب. شرد اليهود من الحدود. كل ذلك يفعله الفدائيون. إنها بذلك لم تضف مجداً على الفدائيين وقد تتعمد المبالغة في ذلك.. تصنع التبرير لما تفعل. هكذا طريقة اليهود: البكاء، والصرخات، من الظلم لتخدع المتهوسين، أو لتعطي الصليبيين فرصة الانتقام.
إنها تتذرع بهذا التضخيم للأخبار.. ليس للاعتذار وإنما هو أن تجيزها الولايات المتحدة لتصنع الطغيان والعدوان وهلاك الإنسان.
* * *
كنا حول التلفاز، وجاءت فتاة لم تكن معنا حين بدأنا نشاهد برامجه، وإذا هي ترى على الشاشة تلفزة لبرنامج عراقي، فقالت: ماذا حدث.. لماذا هذا البرنامج؟!
- قلنا لها: إنه عيد تموز.. عيد الثورة، أنسيت ثورة العراق؟!!
- قالت: لا أستطيع أن أتذكر عدد الثورات في العالم العربي، حتى استكملوا العدد الكبير بالثورات في العالم الإسلامي.
- قلت لها: هذا عجز في الثقافة!
- قالت: ولكنها قوة النفس.. تستطيع أن تنسى المرهقات!
- قلت: النسيان نعمة، ولكن التذكر تحرك لحياة الإنسان، فالإنسان بلا تذكر و ذكريات يعيش الجمود.. يتحرك آلة بلا عاطفة.
- قالت: دعني أستريح.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :603  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 988 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.