شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإعلام بين الإثارة والتأثير
إن وسائل الإعلام أصبحت كثيرة الكم: مقروءة ومحدثة ومشاهدة، سواء على الوسائل المعدة: جريدة أو مجلة، إذاعة أو تلفاز.. كأنما كل هذه الوسائل هي المنابر، يرسل الكلام عنها، فهل كل ما يكتب ويقرأ حقق التوعية ودعا إلى جمع الشمل؟ أم أنه في أول الأمر كان إعلاماً احترف الإثارة؟
فالثورات والانقلابات والدعاية للزعامات جعلت الإعلام للإثارة، لا يجند الزعيم شعبه في الطاعة له أو الحماية لمبادئه، وإنما هو قد تمادى يريد أن يستحوذ على مشاعر الشعوب الأخرى من أمته، يريد أن يستقطبها، تؤمن بثورته، تصفق لانقلابه، تخاصم عنه، فإذا الأمة العربية قد أصبحت على مفترق الطرق، فالشعوب العربية التي أصغت وقرأت هذا الأسلوب في الإثارة أصبحت في صراع داخل وجودها وحدودها، فالإثارة التي أعانت الزعيم أو ناصرته قد خذلت الكثير من أبناء الشعوب، تأكلهم البلبلة، حتى بدأوا يتآكلون بالإقليمية المتطرفة، كأنما الأمة العربية أصبحت شعوبية، كل شعب عربي وإن لم يتعنصر فإنه قد ابتعد عن أخوته، لا بالعنصرية القبلية، ولا برفض القومية، وإنما هو القومي في دعواه الوجدوي في مرماه، يريد أن يكون الوحيد في زعامة هذه الدعوى.
وبدأت في الشعوب العربية إثارة جديدة تقاوم الإثارة التي انتصب لها الزعماء المثيرون، فأصبح الصراع في الإعلام إثارة تواجه إثارة، الإثارة لحساب التقدمية، ولإسقاط الرجعية، ثم الإثارة لرفض الاتهام بالرجعية، حتى أصبح العرب يتشعبون إلى مذاهب مستوردة وآراء مسلطة.
إن الإعلام - الإثارة لم يبتدعه الزعيم الثائر، وإنما هو قد تأثر بأسلوب الدعاية النازية، زعيمها ((جوبلز)) لسانها المثير عربي اسمه ((يونس بحري)). ولا أريد أن أظلم صوت العرب ، فهي التي احتضنت هذا الأسلوب المثير، حتى أن اللحن المميز في ((صوت العرب)) وإلى الآن هو نفسه اللحن المميز لإذاعة ((يونس بحري)) ولعلّ الرئيس محمد أنور السادات (الله يرحمه)، وكان متأثراً كما ((عزيز علي المصري)) الزعيم المؤثر، بصداقة الألمان، كقوة عسكرية كانوا يأملون أن تهزم بريطانيا، فإذا أنور السادات، وهو أول الثائرين، الذي كان يتولى الإشراف على الإذاعة، هو الذي صبغ صوت العرب، بأسلوب الإثارة على طريقة ((جوبلز)).
ولكن الإثارة أصبحت ضارة: فرقت دون أن تجمع، وجاء دور التأثير، وكان من صناعة المملكة العربية السعودية بأسلوب الصمت والغضب من السباب، وكان هذا التأثير أيضاً بالأسلوب الذي سلكه وأصبح مبدأ من مبادئ سياسته، الرئيس محمد حسني مبارك. فالتأثير بالصمت والوقار، وإبراز الأعمال، والعزوف عن الشتائم والسباب، أصبح كل ذلك البداية لسلطان التأثير دونما جلبة، دونما انفعال.
فالملك فهد وحسني مبارك ومن إليهما من إخوان لهما قد فعلوا بالصمت كل التأثير. فبدأت أصوات خيّرة ترتفع في كل الشعوب العربية ترفض السباب، حتى أن كلمة الرجعية لم تعد في قاموس الإثارة؛ لأن التأثير قد أقصاها.
والأمل شديد في أن يؤتي هذا التأثير ثماره: وئاماً وسلاماً بين العرب جميعاً. ولئن شذ أحد فلا يكون التعامل معه بأسلوب الإثارة، وإنما بالأسلوب الذي تقره الأكثرية العربية. ولقد اتضحت هذه الأكثرية بالعمل الصامت وضوحاً يجعلنا نأمل أن أسلوب الإثارة قد مات.. والحياة لأسلوب التأثير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :577  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 979 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.