شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صور بيضاء.. وأخرى سوداء
والكاتب موهبة، يجتر ما يسر أو ما يكدر، حتى إذا احترف يدعوه الاحتراف إلى أن يمثل ما اجتر؛ يكتبه على قرطاس، أو يتحدث به إلى الناس إذا ما أعجزه النشر؛ على طريقة المشائين. فديوان العرب عرفناه عن طريق الرواية، وفلسفة الإغريق عرفت أكثر ما عرفت عن طريق المشائين؛ كأنما الرواية والمشاء واحد.
ولما أصبحت المحترف اختزنت في حافظتي صوراً أكتبها الآن: منها ما يسر ومنها ما يكدر، وهي كما يلي:
1 - حينما أذاعوا الخبر عن الطائرة الإيرانية المخطوفة التي هبطت في إيطاليا، قالوا إن من بين الركاب طفلاً صغيراً لما يبلغ الشهر الخامس، مصاب بالقلب، وكانوا مسرعين إلى المستشفى لتجرى له عملية، لا أحسبهم سألوا عن الأجر، وأنا على يقين أنهم سألوا أنفسهم عن إنسانية الإنسان، وأنقذوا الطفل؟ عجيب، هل كان خطف الطائرة المخطوفة لإنقاذ الطفل؟ تستحيل الرؤية إلى الهلاك وهم داخل الطائرة المخطوفة إلى منظر إنساني! كان هذا الفعل فيه الرد اللطيف أو العنيف على سوء الظن بالإنسان الأوروبي، وكان فيه الرد الأشد عنفاً على فظاعة الإرهاب.
2 - وهذه الصورة الثانية نظرت إليها بالبصيرة فإذا أنا أرسل التحية لإنسانية الإنسان قالوا: إن فريقاً من الأطباء أو جماعة من الأثرياء أصعدوا قمراً صناعياً فيه آلات الكشف على المرضى، يحلق فوق أفريقيا - القارة السوداء العجوز، أعجز إنسانها الفقر والمرض، ليس فيها من الأطباء ما يكفي، ولا من وسائل العلاج ما يفي، زودوا القمر الصناعي بالآلات الكاشفة، تصور الطفل المريض، الأم الوجعى، البنت المشلولة، تصور كل الأمراض، يعرض المريض تحت القمر: يصور المرض، يرسل الصورة إلى فريق الأطباء إلى أي بلد أوروبي أو الولايات المتحدة، تعرض على الأطباء المختصين، يرسلون إلى هذا المريض في البلد الإفريقي كيفية العلاج بصورة مبسطة.. جند في هذا البلد المدربون على ممارسة العلاج كما يصف الأطباء، يعني أن التطبيب لمرضى القارة الفقيرة أصبح بالمراسلة: صورة تلتقط، تصوير يؤخذ، علاج يستمر، يكون الشفاء.. لقد كان هذا العمل إنسانياً.
3 - وخبر آخر لا يسعني إلا أن أطريه حين تطريت به قالوا: إن بريطانيا وفرنسا قد نذرتا إسرائيل بأنهما لن يسمحا بهبوط أي طائرة إسرائيلية تقلع من المطار العربي في القدس. سلوك جديد، قد تأتي من أسباب عدة: من طغيان إسرائيل الذي هو فضيحتها بل وفضيحة الذين يعينونها: عرباً يختلفون؛ وإمبراطورية غربية تعين. ومن شعور الأوروبي بأن استمرار إسرائيل بهذا الأسلوب النازي قد عرض حياة الأوروبي إلى مجاعة بترولية ومجاعة دولارية ومجاعة على صور شتى. فحين يمتنع الاستيراد على أوروبا فإن التصدير سيمتنع، التحية لهذا السلوك البريطاني الفرنسي، فإنه إذا ما استمر سيضع الولايات المتحدة، قبل إسرائيل، بين خيارين: إما أن تكون لإسرائيل فحينئذ لن تكون أوروبا الغربية معها، وإما أن تعتدل مع العرب لتكون أوروبا الغربية معها.
إن هذه الصورة وضعتها على حد قول الرافعي:
فإن زجاجات المصور تجعل السواد بياضاً والبياض سواداً، فحين ابيضت الأعمال لا بد أن أرسل الكلمة البيضاء، أما ما كنته من قبل، جعلني أزيد السواد سواداً لا عن بغضاء، ولكن أضعف الإيمان أن أنكر الطغيان بكلمة على قرطاس.
إن أوروبا وأمريكا قد أمدتا الإنسانية بهذا الترف، فأنا حينما أركب السيارة أشعر بعظمة، صنع الغرب سيارة، منديل كلينكس، راديو.. كأني أعيش في عطاء الغرب، ولا ينكر الغرب أن هذه السيارة قد صنعت من عطاء الشرق: المواد الأولية والدولارات والبترول، فالغرب ما أحلى ما صنع من وسائل الترفيه وسرعة المواصلات، وما أقبح ما يصنع من وسائل التدمير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :595  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 978 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.