شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طبل وزمر.. لا تمر وجمر!
عنوان غريب، وفي الوقت نفسه هو المريب، لكن الغرابة والريبة يجري وراءهما بعض الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، فالغرابة والريبة قد اجتمعتا في قصاصة من جريدة (( عكاظ )) ، فقبل مغرب يوم كنت أنتظر من أملي عليه التمر والجمر، فلما وصل كان يحمل ظرفاً معنوناً باسمي وصل إلى مكتب الجريدة. قلت له: افتح يا سمسم، لعلّ في هذا الظرف تحفة: من جفوة أو صفوة، فالجفوة إن أشعلتك بشيء من الغيظ، فإنها ترضيك بعد حين تذهب مع الريح، والصفوة متعة حين تريح فتح الظرف، إخراج ما في باطنه، نشره، فإذا هي قصاصة من جريدة (( عكاظ )) باطنها فيه الرحمة، رغم أنف مرسلها وظاهرها فيه النقمة، ولم يكن القصد أن أقرأ القصاصة وما طبع عليها، فكاتبها محترف السباب، يقترف العاب، لعلّه لم يكن بعيداً عن معرفتي، إذ هو من بعض الأصحاب، فلو لم يكن يعرفني لاحتشم ألا يشتم قال: أنت اليوم صاحب الطبل والزمر، لا صاحب التمر والجمر واسترسل شتاماً عياباً، قد امتلأ جيبه وفرغ قلبه، فلو لم يكن من أصحاب الجيوب، لما عبث بأصحاب القلوب، وكان من براعته ذكياً محترفاً إن كتب سبابة بين الأسطر المطبوعة على القصاصة، فبين كل سطرين مطبوعين سطر كتبه.
كان غرضه في الأسطر التي كتبها أولاً أن يقرعني طبالاً وزماراً في نظره، وبعد أن أوفى غرضه أخذ يتستر حين تخفى يعرض المسكنة، يشكو من صهره زوج أخته المطوف، أعانه في رعاية الحجاج فلم يعطه من المكافأة إلا ثلث ما يعطي للسعوديين، وقال إنه ليس سعودياً، وإنما هو معار ويعمل موظفاً لا يعطي أجراً إلا ما يساوي جزءاً مما يأخذ السعودي.
في الأسطر الأولى وصل إلى غرضه، وفي الأسطر الأخيرة تخفى تحت أنه معار أو متقاعد، ما غضبت، ولكني ابتأست حزيناً من أجل شاب يحرم نفسه من نعمة الرضا والقناعة، لقد خشي أن يفتضح فأسعفه ذكاؤه أن يموه: جباراً في الأسطر الأولى، مسكيناً في الأسطر الأخرى، تلك حيرة الذين يقترفون السباب، ولا يحمدون ما هم فيه، أنا طبال زمار ليس في حلقة المجاذيب، الذين يلبسون المرقعات، ولكني طبال زمار لسبع جامعات، لمياه التحلية، للتصنيع، للزراعة، للمدارس، للفتاة التي أصبحت تقرأ وتفهم أحسن من بعض الشباب، أنا طبال زمار لوحدة الكيان الكبير، لأني عشت المجاعة، فلما رأيت الشبع من العمران طبلت وزمرت، أنا طبال زمار لأني لم أعد أعيش في قرية، وإنما أنا وهو نعيش داخل القارات، بهذه المواصلات، إذا لم أكن مطبلاً ومزمراً لهؤلاء الشباب والشابات، قد حملوا أعلى الشهادات، ويعملون ليأخذوا الشهادة بأن لهم وطناً وأن لهم دولة وأن لهم كياناً وأنهم قد انضموا إلى البناة فلأي شيء أطبل وأزمر؟! أنت تريدني أتذمر؟! أعيش الكراهية؟ كما أردت لنفسك! إنه ليكفي أن تجد أنت الأمن، تعيشه بما وبمن أطبل وأزمر لهم. ليس هم الواحد ولا الإثنان ولا العشرات، إنما هم هؤلاء الملايين الذين جمعهم كيان واحد، ودولة واحدة.
أسألك: ماذا صنعت لوطنك حتى أطبل وأزمر لك؟ لكني أعرف أنك لم تصنع شيئاً تريد أن يكون الصنيع لك من غيرك، فإذا أنت تكاد تحثو التراب في وجه الذين صنعوا لك، ولكنك حرمت نعمة الحمد والشكر، بتقمصك البغض والنكر.
أنت لست من الذكاء بالقدر الذي أخفاك عني، فالمعار والمتعاقد لا يهمهما أن يكتبا ما كتبت. تعاملت مع الذكاء فإذا أنت غبي، أعمتك الكراهية، أنت لست من هؤلاء، وإنما أنت من بين معارفي، الذين يتعايشون بيننا وهم منا، ويحرمون أنفسهم أن تكون لهم حياة تزدان بالحياء، لا أريد أن أكشفك أكثر، يكفي أني اكتشفت أنك من الذين لا يعجبهم العجب.. ولا الصيام في رجب.
لقد خانك ذكاؤك حين شتمتني بأني (ابن الآبق من الجهادية)، ليست هذه شتيمة، فكل الذين هاجروا إلى هذا البلد، من حيف الضيم والاستعمار، آباؤهم مثل أبي، فروا من الظلم ليعيشوا الأمن في الحرم الآمن، أسألك: كيف عرفت هذا عني؟ إنك قرأته كما قلت، والمعار والمتعاقد لا يقرآن هذا ولا يعرفانه. فهل أنت ذو عرق في هذا البلد: عدنانياً - أو قحطانياً؟ أم أنت مثلي من أبناء الآبقين؟! أحسبني أرتاب بأنك من أصحاب الأعراق، ولا أعدك من أصحاب الاستعراق، وإنما أنت من أصحاب الانتماء لم تستعرق، فلم تحب!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :800  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 975 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.