شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الكحول من القمح.. والجوع للإنسان..
ما أعظم الإنسان الأول عاش في الغابة فإذا هو بالتهدي يتعرف على الحنطة، يحصد حبات القمح، يكتشف النار، فالقمح والنار وما إلى ذلك من الغذاء ومواد البناء صار بهما الإنسان في عهده الأول إلى بناء الأسرة والقرية والقبيلة، فالشعب، فالأمة فالدولة.. وإذا الحضارة ما أبرزها وأعظمها صنعها الإنسان بالأمس..
وإنسان اليوم لم يصنع حضارة، وإنما هو بوسائل المدنية، وبهداية العلم لا بالتهدي، يخرب ما بناه الإنسان الأول.
فقبل يومين سمعت حديثاً عن الطاقة من إذاعة لندن، فإذا بي أرتجف من الفجيعة صنعها لي إنسان اليوم.
* * *
قالوا: لقد بدأ في الولايات المتحدة وفي البرازيل استخراج أو تقطير الكحول (إسبرتو) من القمح ومن الذرة، أي من غذاء الإنسان، حتى إذا أتلفوا هذه الحنطة والذرة وما إليها بالتقطير والتخمير، وتحصلوا على الكحول يضيفون 10% إلى 90% من البترول كطاقة تسير بها المصانع والمحركات والسيارات، أليس هذا تلفاً باسم الترف؟ من أجل سيارات، من أجل بعض المحركات تباد الحنطة والذرة، وبعدها الأشجار والفواكه وكل شيء يمكن تقطيره كحولاً ليكون ذلك ترفاً للمترفين، وهلاكاً للجائعين.
لقد كنت في غفلة حين تفاءلت بأن المتوفر من الحنطة وهو أكثر من 17 مليون طن منعوه عن الاتحاد السوفياتي عقاباً لغزوه الأفغان، فقد تفاءلت أن هذا الوفر من القمح سيكون طعاماً للجياع يباع بثمن أقل من سعره الآن، وكان تفاؤلي ليس شماتة في الاتحاد السوفياتي، وإنما هو الإشارة إلى أن ارتفاع سعر الحنطة والأرز لم يكن متوازناً مع أسعار البترول، بل هو السبب في ارتفاع أسعار البترول وإنما كان السبب الأصيل هو أن الاتحاد السوفيتي يأخذ هذه الكميات الهائلة من الحنطة لا ليوزعها لشعبه، وإنما يبيعها بسعر مرتفع للشعوب التي تشتري منه، والتي هي في حاجة إلى الغذاء، والولايات المتحدة تعرف هذا، ولكن استجداء الوفاق حمل الولايات المتحدة أن تبيع الحنطة إلى الاتحاد السوفياتي، ولا مبالاة بأن يرتفع سعرها أو أن يجوع الناس.
وتكرر عدم المبالاة بهذا العمل، الكحول من القمح، والجوع للإنسان، ولا أدري لو أن البرازيل عمدت إلى تقطير الكحول من البن فهل يسكت الشعب الأمريكي، يطلب من البرازيل ألا تقطر مادة القهوة.. يكفيها أن تقطر كحولاً من القمح، ولا تستغربوا تقطير البن، فإن كل مادة يمكن تخميرها والتقطير منها، وليرحم الله أبا بكر الرازي فهو أول من علّم الناس كيف يُقَطَّر الكحول.. أفليس الإنسان الأول كان عظيماً وإنسان اليوم أصبح مخرباً لا يبالي أن يموت الإنسان جوعاً لتسير السيارات نحو دور السينما.. نحو الجبال للتزحلق على الثلج، إلى غيرها من وسائل الترف؟.
من أجل عشرة بالمائة تضاف إلى البترول تهلكون الناس بالجوع، ألا يمكن أن يقتصر الاستهلاك بنسبة التسعين في المائة ويتوفر القمح؟ إن توفر 10% من استهلاك البترول لا يحيل الترف شظفاً، وإنما هو بالبقاء على الحنطة يحيل الشظف ترفاً.
الخيار النووي:
وارتفع سعر الذهب بصورة من سعار الجنون من أجل الخوف من حرب ثالثة يسقط فيها النقد الورقي بالنسبة لغزو الاتحاد السوفياتي للأفغان، ولكنه بدأ في الانخفاض الآن، لأنه اطمأن إلى أن الولايات المتحدة لن تواجه الاتحاد السوفياتي في حرب سافرة، كل ما هنالك مقاطعة الدورة الأولمبية، ومنع الحنطة وما إلى ذلك، ففي الأيام الأولى خافوا من الحرب، ولكن رجال البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) قد أعلنوا للناس أنه لا حرب ثالثة، لأن البنتاجون قدم نصائحه للرئيس كارتر، بأنه لا يمكن المواجهة في غرب آسيا مع الاتحاد السوفياتي إلا بالخيار الأقوى وهو الحرب النووية، أي أن البنتاجون قد نصح باستحالة المواجهة مع الاتحاد السوفياتي في حرب تقليدية.. وهذا صحيح.. فليس لدى الولايات المتحدة ميدان تقاتل فيه الاتحاد السوفياتي، تثمر فيه الحرب التقليدية، فهي - وإن جاورت الاتحاد السوفياتي في ألاسكا فهزيمة الولايات المتحدة أن تخوض حرباً في ذلك الميدان، وقد جربت عدم النصر في كوريا وفي فيتنام، حين خاضت حرباً تقليدية ليس فيها شيء من المواجهة للاتحاد السوفياتي وإنما فيها العون، فالحصيلة أن الاتحاد لسوفياتي يعرف أن حرب الولايات المتحدة ضده بالنسبة للأفغان لن تكون حرب سلاح، وإنما هي حرب المقاطعة، وإن زادت فإنما يزيدها اشتعالاً الموقف في الصين، والتسليح لحماية باكستان، وهكذا قبل البنتاجون كانت فكرة برانت براسل الفيلسوف البريطاني قد وضحت الآن فهو يقول في مقال نشر في مجلة الهلال وكتبت عنه من قبل، أنه لن تكون هناك حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فالنزاع بينهما خلاف على المصالح، وحماية للمصالح، وهذا يمكن التفاوض فيه والمصالحة عليه.
أما الحرب فإنها واقعة بين الصين والاتحاد السوفياتي، فالخلاف بينهما على المبادئ وفي سبيل المبادئ تقع الحروب.. وأضيف إلى فكرة راسل أنه قد أضيفت إلى المبادئ حماية الأرض، فغزو الاتحاد السوفياتي للأفغان هو لسد الطرق على الصين، ولإغراء التركستان الشرقية بالثورة على الصين، فالصين تتحرك في حماية المبادئ وحماية الأرض، ويكفيها أنها خسرت نفوذها في كوريا الشمالية وفي منغوليا، فلا ترضى بأن تخسر كاشغر وما إليها.. وهكذا هدأت نفوس الثائرين والخائفين، ولكن المسلمين لن تهدأ لهم نفسٌ ما دامت هذه الغزوة من إمبراطورية الكرملين إلى بلد مسلم هو الأفغان..
إن الاتحاد السوفياتي قد جرب أكثر من ثلاث وعشرين حملة على الشرق الأوسط عن طريق تهديم الإمبراطورية العثمانية والفارسية، فصد عن ذلك، كما خسر الحرب، يريد المياه الدافئة مع اليابان أيام القيصر، ولا بد إذا ما حزم العالم أمره، ولو بإحراج الاتحاد السوفياتي بالمقاطعة، وبالحرب يشنها الإسلام عليه، أن ينسحب من الأفغان.
صور:
في إحدى الحملات على الدولة العثمانية أيام الإمبراطور كاترينه، وصل جيش القيصر إلى حدود الآستانة (اسطنبول) وكان الصدر الأعظم شخصاً عظيماً، موصوفاً بالعبقرية والذكاء، اسمه فؤاد، ولشدة ذكائه يلقبه الأتراك هكذا (دلي فؤاد) أي المجنون، فكلمة (دلي) تعني الجنون.
وجلس يفكر كأنما اليأس أطبق على وجدانه فإذا كبير الأغوات في السراي يقول له: إيش يا باشا؟
فقال الصدر الأعظم دلي فؤاد: دعني وشأني..
فقال الآغا: لازم تقول..
وتذكر الصدر أن الآغا له تأثير في (الحرملك) فقال له : ألا ترى أن الروس على أسوار القسطنيطينية؟
فقال الآغا: يوه.. يا باشا.. الآن مولانا السلطان يخرج السنجك (أي العلم) يقوم شيخ الإسلام يعلن الجهاد.. سوى دعا.. الروس هف.. يرجعوا إلى الوراء..
فسكت الصدر الأعظم حتى انصرف الآغا، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب تعطيني عقله أستريح، أو يأخذ عقلي يتجنن..
وانعقد مؤتمر برلين بين بسمارك وجيزرائيلي، فاتخذ خطوات أجبرت الروس أن يرجعوا، وتم الإبقاء على الرجل المريض..
* * *
محزن أن يقصى الأمين لأنه مشاغب، ويحظى الخؤون لأنه سمسار.
* * *
الذكر ينسي الحب بما يمتع نفسه من ملذات، أما الأنثى فلن تنسى الحب إلا بالأمومة، تراها في طفل ولو من زوج لا تحبه، فالأمومة هي متاعها وهي سبب نسيانها لحبها.
* * *
بعض القادة يغتالون أنفسهم بالخوف، وبعض القادة يغتالون الشعوب بالتخويف..
* * *
قال أحدهم: أنتم العرب أمة عظيمة وقوية، تريدون إشعال الحرب على إسرائيل، وتقدرون على ذلك، ولديكم الكفاءة لتنالوا النصر، ولكن ينقصكم أنكم لا تستطيعون تنفيذ الإرادة، لأن القوتين العظميين تحجزكم وتعجزكم، فإمبراطورية الكرملين حاجزة، وإمبراطورية البيت الأبيض بالدفاع عن إسرائيل تعجزكم.
* * *
قلت: ما الفرق بين القدرة والاستطاعة؟
قال: القدرة عمل الذات، والاستطاعة تسخير الذات.
معنى جديد لهذا الفرق تمليه الليالي من الزمان حبالى..
* * *
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة سنانا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :777  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 967 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.