شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
انسحاب من الأفغان..ولا انسحاب من فلسطين
قد لا يعذر الكاتب أن يكرر نفسه، ولكن الصورة التي أكتبها في مقال بعثته إلى الجزيرة لينشر في هذا اليوم كما هي العادة، وسألت فيها أتعجب من الدعوة الملحة تنادي بها دول العالم الحر، أعني حلف الأطلسي، أو هو السوق المشتركة، أو صوت الولايات المتحدة. كلهم يطالب الاتحاد السوفياتي بالانسحاب من أفغانستان، يفرضون العقوبات أدبية، رياضية اقتصادية، وحتى العلمية.
نداء نحن معهم، فلا نرضى لهذا الغزو تشنه إمبراطورية الكرملين على شعب مسلم، على خراسان، الشعب الذي صنع لتراثنا الإسلامي ذخائر الذين نالوا العلم المعلق بالثريا، نحن معهم في كل ذلك إلى آخر ما نستطيع دفاعاً عن الدين، عن الأرض، عن الإنسان، عما يطرأ بعد إذا ما ترسخ احتلال السوفيات، فإيران والباكستان وحتى الهند ندافع عنها كما ندافع عن أنفسنا، نحارب العاجلة ونتوقى الآجلة، ولكن لماذا لا تكون الدعوة واجبة على الولايات المتحدة بالذات أن تطالب بانسحاب إسرائيل من الأرض المحتلة في فلسطين؟
كتبت هذا في الصورة التي ستقرأها في ((الجزيرة)) وكنت أحسبني الصوت النشاز لأني لم أسمع من نادى بمثل ما ناديت به، حتى إني اختصرته في الصورة كأني أتستر بالاختصار، ولكن سمعت بالأمس أن الرجل الشجاع الذي لا يخشى تهديد الاتحاد السوفياتي وهو جار له، ولا يتجمجم مع الولايات المتحدة التي ينظر إليها نظرته إلى حلف الأطلسي تعينه في الدفاع عن نفسه من الأحموقة السوفياتية، ذلكم هو المستشار النمساوي برونوايسكي، إنه يدافع عن النمسا عن عَلَمِها، كما يدافع عن النمسا عن عَلَمِه، كما يدافع عن الإنسان، فرغم أنه يهودي قد أعلن أنه غير صهيوني؛ لأنه حين يعلن بإلحاح شديد الطلب من إسرائيل أن تنسحب من فلسطين، فبهذا يثبت الجنسية النمساوية وحدها له، يرفض أن يكون حاملاً لجنسيتين كما هو الوضع في أي يهودي في الولايات المتحدة، ليس أولهم كيسنجر. وليس آخرهم بقال على شاطئ ميامي.
إن كرايكسي شجعني حين قال إن الإلحاح في طلب انسحاب السوفيات من أفغانستان يجب أن يواكبه طلب انسحاب إسرائيل من فلسطين المحتلة، كلمة يكتبها مثلي ليس في العير ولا في النفير، فإذا هي الكلمة من رئيس لوزراء النمسا، إن لم يكن صاحب عير اليوم، فقد نفخ في النفير يسمع نفخته كل الرجال الذين يطلبون انسحاب إمبراطورية الكرملين - ويتغافلون عن طلب للانسحاب من الأرض المحتلة في فلسطين.
لقد فرضوا العقوبات على الاتحاد السوفياتي، أفلا ينبغي أن تفرض عقوبات على إسرائيل؟ بل يتمادى لسان في الولايات المتحدة في هذه اللحظات الحاسمة إما أن يتم الانتصار على الاتحاد السوفياتي، وإما أن يتم التخاذل للآخرين، يصرح هذا اللسان المسؤول بعطاء الأمن لإسرائيل، وعطاء القوة لإسرائيل، كأنما هو يطمئنها أن إمداد مصر بالأسلحة لن يؤثر على إسرائيل.
إن هذا الموقف ليس فيه أي هزيمة للاتحاد السوفياتي بل إنه يحمل الهزيمة كلها للآخرين.
صورة:
واشتد النكير من مناحين بيغن على الولايات المتحدة يرفض أن تمد مصر بالسلاح، فإذا لسان مسؤول في مصر يصرح، يقول: إني أعجب من هذا الكلام يصرح به مستر مناحم بيغن؛ لأنه ينم عن أن رئيس وزراء إسرائيل لا يزال يعيش الماضي قبل معاهدة السلام.
ذلك ما قاله ولا عجب في ذلك فالعجيب أن يعتقد مسؤول مصري أن إسرائيل بكل الحمائم والصقور، ومن كل دعاة السلام لا ينسون الماضي. إن احتلالهم لفلسطين، وتسمية الأرض بتسمية يهودية ليس إلا من عمل الماضي في عقولهم. عجيب أن يستحيل العلم والإيمان إلى جهل بحقائق الإيمان. إنه الرثاء بكل البكاء أن ينطق مسؤول مصري بهذه الكلمة يتهم إسرائيل بنسيان الماضي. بل ويهتم بأمل يجعل مناحم بيغن ينسى هذا الماضي.
وقالت عجوز من أمهاتنا:
يا حسرة. ترك جنود العبور الأغر حماية الخنادق إلى حراسة الفنادق.
وبكت العجوز ثم قرأت أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (الفيل: 1).
وكما يقولون.. لذة الهوى في التنقل. أو كما هي طبيعة الإنسان يكره السرمدية في الاستقامة على حال يحب التغيير إذا ما نام على شماله انقلب إلى يمينه، وإذا ما تدسم يوماً ما يحب أن يترك هذا الدسم من الآكال إلى طعام خفيف.
من هنا سأكتب عن نظرة بعضهم إلى الخلق الكريم ينتقص منه كأنما هو يحمي نفسه من الذم له حينما يستقيم وضعه على غير هذا الخلق.
الغضب والحزن:
رأيته حزيناً لا من مصاب أصابه وإنما من معابة يرتكبها بعض عارفيه فقلت له: الحزن يأخذ من وجدانك ولا يعطيك شيئاً ولا يأخذ من الذين أنكرت عليهم ما فعلوا شيئاً فعليك ترك الحزن وأن تمارس معهم الغضب فالغضب خلة متعدية، أما الحزن فخلة لأزمة، فحين تغضب تعلن المقاطعة تحقق للإنكار منك موقفك كأنما هو الإنكار بقلبك وذلك أضعف الإيمان.
فقال: إنهم لا يهتمون بغضبي.
فقلت: ذلك حسن، خير من أن يتهموك بالعجز، فالحزن يولد الكآبة والكآبة عجز.
الكرم:
وقال أحدهم - ولعلّ الأستاذ حمزة شحاته يرحمه الله كان يميل إلى هذا الرأي في ذم الكرم هو لا يذمه إحساناً على الناس وإنما الذم له فهو منه تجريح للذين يمارسون الكرم - فهذا الأحد قد قال: لماذا تحب أن توصف بالكرم؟
قلت: تلك طبيعة. فطرني الله عليها فالإحسان بحاجة إنسان يدعوك إلى العطاء.
قال: ليس الأمر كذلك ولكن مركب النقص فيك والجبن عن مواجهة بعض الذين تريد أن تحاذيهم تمارس التكرم، تستر مركب النقص يرفعك الثناء إلى محاذاة أولئك.
قلت: ولست معك، أفلا يكون الكرم تطولاً لا تطاولاً من حيث إنه من نوازع الكمال في الإنسان؟
قال: لقد عكست الأمر، فمركب النقص عقدة ومركب الكمال عقدة وكلاهما لا يجعل منك الإنسان السوي.
قلت: ومهما كان الأمر كما ذكرت فلا يعيب الكريم إن كان كذلك وإنما العيب على البخل يصغر قدر البخيل حتى تلوكه الألسنة وحتى أنه في نهاية الأمر إذا ما مشى بين الناس يمشي وهو يتستر حتى إنه يتجنب أن يخطو وسط الشارع ليسير في محاذاة الجدار.
قال: ألم تسمع قول حمزة شحاتة؟
أرى الجود خلاق المزايا وطالما افـ
تراها ولولا جوده لم يسد معي
قلت: أتعني أن كرم حاتم الطائي ومعن بن زائدة افتراه جودهما؟
قال: نعم.
قلت: لك رأيك ولي طبيعتي.
الإحسان:
كان هذا الشاب قد ولد وأبوه يملك أكثر من ثلاثة أرباع مليون جنيه مسكوفي فأمسى وأصبح، وإذا هذه الثروة تسقط بسقوط القيصرية فأصبح لا يملك شيئاً.
ومات والده وقست عليه الأيام ولكننا أحطناه بكل الرعاية فإذا هو تلميذ في المدرسة ثم هو بعد مدير للمالية في أحد الملحقات وإذا هو لا يسكت عن ذم الذي أحسن إليه يجاهره بالكلمة النابية فقلت له: أهذا جزاء الإحسان؟
أحسن إليك وتسبه؟
قال: لماذا استطاع أن يحسن إليّ؟ فإن تفوقه إعلان لانخفاضي عنه، يده العليا ويدي السفلى. إن إحسانه إهانة لي فأنا أرد هذه الإهانة. أرفض هذا الشكر.
قلت: إنها طبيعة منحرفة.
قال: لتكن كذلك فلا تسألني واسأل الأسباب التي جرفتني إلى هذا الانحراف.
صديق:
دخلت عليه أزوره كالعادة ولعلّه كان في شغل مع بعض زائريه فقال: (تبغي تزور فلان) وسمى ابنه. هو مريض فوق فتراجعت أصعد إلى فوق ثم رجعت مرة ثانية إليه فقال: أشكرك على هذه الزيارة.
قلت: أسأل الله ألا يفجعك فيه وإن كنت الآن قد فجعتني فيك، فحين فاتك التطول حفظت به قيمة العظمة بدأت التطاول تصول قيمة العظمة فيك، فحتى أسلوب الطرد لزائر لا زلت تستعمل الرقة تطرد بها أصدقاءك. فسكت.
قلت: لماذا لم تجب؟
قال: ما فهمت.
قلت: بعض الذين يمارسون العظمة يحرصون ألا يفهموا أي تجريح لهم ولكن أعلم ماذا يغيظك ، أفليس أنك جازع من إنصافي لبعض مخاصميك؟ لقد فعلت ذلك لأني لا أحب أن أبخس الناس أشياءهم، ولقد فعلت ذلك اقتناعاً بهذا المثل الفرنسي (صادق صديقك ولا تعادِ عدوه فهذا من شأن كلبه أو خادمه) فأنا لم أستطع أن أصادق من ثقتي فيه من الأتباع، فليس لك أصدقاء ولن أمارس العداوة للذين يشقون طريقهم في الحياة بأسلوب الخصام لك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :733  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 965 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.