شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وبرز الإسلام كله.. للكفر كله
وليس غريباً أو بدعاً أو عجيباً، أن يحتضن البلد القمة. القادة القمة. ليشن حرباً على العدوان القمة، كأنما مكة القبلة الكعبة. مشرق النور، دعت بنيها أن يحكموا أمرهم في مؤتمر كأنهم في صلاة جامعة، فالمؤتمر في مكة بعيد عن المؤامرة والمقامرة، فالإيمان شجاعة في الوجدان، يحارب الخوف، ويقتل المؤامرة والمقامرة، وكأنما مكة حين تحتضن بنيها تدعوهم إلى ما كانت تدعو إليه وما زالت تدعو إليه سرمديًّا قائماً ما دام هذا القرآن، تدعوهم قائلة: ليست الكارثة أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة، وإنما الكارثة أن تدعوا إلى الجهاد فلا تجيبوا، وأن ترسل المآذن النداء تلو النداء تدعوكم إلى التضامن فلا تتضامنوا، ولا أريد أن أقولها من عندي وإنما قالها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. سأله أصحابه (من قلة يا رسول الله؟) فأجاب كأسلوبه في جوامع الكلم: إنما يدرككم الوهن.. وفسر الوهن بالخوف. حب الدنيا وكراهية الآخرة.
إن مكة تستقبل بنيها ليس فيهم كبير ولا صغير أمام دعوتها، وإنما كلهم سواء ألبستهم مكة بإيمانها الكبرياء، فالقادة والشعوب أمام مكة في المسجد الحرام إخوة في أمة واحدة يصغر الكبير حين يستكبر ويكبر لصغير حين يستقبل ولا يستدبر.
وهكذا برز الإسلام كله للكفر كله، فالصليبية كفر، والشيوعية كفر، واليهودية كفر تصنع كل يوم كفراً، تلك قوى امتد سلاحها من كل نوع على الأرض المسلمة، والعقيدة المسلمة، والتراث المسلم. إنها بكل ما تملك من قوة إذا ما انتزعنا الخوف من أفئدتنا فإنها تستحيل حتماً قوتهم إلى قوة لدينا، فلن نُغْلَب إذا كنا كلمة واحدة وجهاداً واحداً وسلاماً واحداً. ولكنا غلبنا وسنغلب حينما أصبح بأسنا بيننا، ليس هذا كلامي وإنّما هو رسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلم. وبرز الإسلام كله، فهل تصدق النيات وتنفذ القرارات ليكون المؤتمر الإسلامي تتحقق فيه هذه الكلمة (برز الإسلام كله للكفر كله).
إنكم اليوم في وضع كالوضع الذي فيه جرت وقعة الخندق، (الأحزاب) تحزيب الأحزاب تريد أن تهدم البيضة، تقضي على الإسلام، تنتصر على محمد، فإذا النبي في سفح سلع، وإذا الخندق - يحجز الأحزاب وإذا المسلمون ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فلجأوا إلى الإيمان وقتلوا الخوف.. هكذا يصفهم الجواهري:
وتلك قلوب ننشد اليوم مثلها
أبى دينها أن يجمع اللَّه والرعبا
كان الله معهم لأنهم كانوا له فلا خوف ولا رعب.
وبرز فارس يقفز على الخندق من ثغرة ضاقت، كان أحد فرسان العرب جميعاً، عدوه أحد أقران عنترة، فارس قريش اسمه عمرو بن ود العامري، حتى إذا استقام على حصانه يصل سيفه، يطلب البراز.. عجيبة كيف تركه رسول الله يصول ويجول في الميدان يطلب البراز؟ لماذا لا يكتنفه رجال من الصحابة يقتلونه حتى لا يعود إليها رجال آخرون من المشركين، ولكن استمطر بعض الفهم من الخبر، لو فعل ذلك النبي لربما كان قتله بالجمع يصنع حماسة في المشركين يتقاذفون على الخندق، فأحب النبي ألا يكون ذلك.
وصال وجال بن ود، فإذا النبي القائد العظيم وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى يلتفت إلى أصحابه - أنصار أو مهاجرون - يقول لهم: من يبرز إليه؟ يريدها فارساً لفارس، فقال الشاب كريم الوجه، أبو الحسن، أبو تراب، حيدرة، علي بن أبي طالب: أنا أبرز إليه، فقال النبي - وكأنما يسبر غور عليّ أو يعلمه ألا يكون فيه شيء إلا للإيمان - قال عليه الصلاة والسلام (إنه عمرو...) وقال الفتى علي: وإن يكن عمرو، وأعادها النبي، ولباها علي ثلاث مرات.
وبرز علي فإذا النبي يقول: الله أكبر.. برز الإسلام كله للكفر كله كأنما تلك اللحظة حين انتصر علي بنصر الله له، كان النصر للإسلام كله، إلى يومنا هذا.. فارس واحد يمثل الإسلام كله، وفارس واحد يمثل الكفر كله.. ذلك حتم الظروف جاء بعده حتم الزمان على كل الظروف.
وقال عمرو: ابن أبي طالب؟ لا يسخر منه وإنما حنين ابن العم لابن العم.. ابن أبي طالب.. لا أريد أن أقتله.. فقال علي: ولكني أريد أن أقتلك.. فقد كان عمرو على فرس، وكان على راجلاً، فإذا الشموخ في الفارس يلبي الدعوة يترجل، رجل لرجل، لا يمتطي كل منهما حصانه.. وتقعقعت السيوف.. فإذا اليد المؤمنة بالسيف ذي الفقار تقتل فارس المشركين، فكانت بوادر الهزيمة صدت كل فارس ألا يتصدى الخندق..
فارس واحد تمثل به الإسلام كله، وأنتم اليوم جمع واحد، نسأل الله وأنتم أمام الكعبة أن يتمثل بكم الإسلام يسألكم أن تنصروه في مثالية الأخلاق، وامتثال الدعوة إلى الجهاد، والرغبة في استشهاد، تقتلون (الأنا) لتحيا أمتكم بالكلمة (نحن).
ومعذرة إلى قارئي أرجوه أن يغفر لي عزمي على اعتزال الكتابة، أستجم من بعض الأوضاع، واستجم للراحة بعض الوقت، أريد أن أرفع القلم ولما يجب إعداد، لا عن العجز وإنما مطاوعة لبعض الحجز، ولست بهذا أقترف نذالة الإخلال بما يجب علي وإنما لأستريح من الذين يختزنون التوجيهات كأنها علم الأسرار فلا يتبرعون بإعطاء الكاتب لديهم هذه التوجيهات.. فالحكومة لم تفرض سلطانها على القلم، وإنما جاءت الحكمة بالتوجيه بينما بعض حملة التوجيهات يبخلون على كاتب أن يعرفها..
أعترف ولا أشرف فقد سئمت هذا العرف.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :941  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 961 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج