شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تأبط شراً.. تأبطه خير
ولا أريد أن أكتب عن الشاعر الفاتك، المتهم باللصوصية والمبعد عن بيته، والقريب من عارفيه. لا أريد أن أكتب عن الحقيقة، فالفاتك العداء تأبط شراً معروف من شعراء المفضليات، ومعروف في العدائين. فالحقيقة مترجمة في ديوان الرجال الذين برزوا في قبائلهم. ولكني أريد أن أكتب عن الخير الذي تأبط هذا الفاتك العداء، في أسطورة لعلّها لم تكن صورة لحقيقته، وإنما هي خرافة من تخاريف الوثنية، ومن مفاخر القبيلة بواحد منه: ينسجون حوله الأساطير.
لو كتبت عن الحقيقة لمجها قارئ، لا إنه يستطيع الرجوع إليها في كتب التراث، ولكني عمدت أن أتغنى بالأسطورة، فإن جفوتها خرافة، فإني أصفو معها، لأنها فيما أعرضه تعطي الأنموذج لمشاعر الذين صاغوها، وكأنها مشاعر الذين سيقرأونها، من مشابهة الحال بالحال.
فهذا الفاتك العداء اللص ينسجون حوله الأسطورة هكذا: اسمه ثابت بن جابر، هذا حقيقة. نسبه إلى بني فهم الهذليين التهاميين، أما الأسطورة فقد قالوا: إن أمه حملت به وذهبت إلى الغدير، ترتوي أو تروى تحمل قربتها، فغابت وقد أليل الليل، فذهب الليل، فذهب زوجها جابر، يسأل عنها الحي وأبعد من الحي، كأنما هو قد جن، ولما لم تأت ذهب إلى كاهنة هذيل يسألها عن زوجه، غابت نهاراً وليلاً، فتمتمت الكاهنة بسجع الكهان تقول له: استملحها جن فخطفها وضاجعها، فأصبح حملها إنساناً وجنيًّا في وقت واحد!! ثم قالت الكاهنة: إياك أن تمسها بسوء، وإلا فسيصيبك الجني بقاتلة، وأقبلت على زوجها تعود إلى بيتها، حيث أطلقها الجني، ولم يسمع زوجها لتحذير الكاهنة، فأخذ يريد قتلها، وقبل أن يصلها كان هو القتيل، قتله الجن عاشقها.
وأنجبت طفلاً فيه شوهة، نحيفاً، فما أحبته، وما أقصته، فالأمومة طاغية بحنانها، وتزوجت بعد أبيه من قومها فاجتوى الطفل: يبغضه، يكربه. ودرج الطفل حتى إذا استوى في دور الطفل العارف، بدأ يغيب نهاره عن أمه، يتطلب رزقه في الصحراء، في شماريخ الجبال وفي شعابها فإذا ما رأى رعيلاً من الظباء نظر إلى ظبي يضع عينه عليه، يشتد عداء وراءه، فلا ينفلت منه الظبي حتى يمسكه!! يشدخ رأسه بحجر، يقطع أوداجه بأسنانه، يشرب الدم الذي يشخب من عنق الظبي، يوقد ناراً يشوي الغزال، يأكله عظماً ولحماً، يعود شبعاناً لا يكلف أمه وزوجها طعاماً.
وأصبح فتى، يعدو كأنه جيش غزٍ يجر الجمل الفحل بخطامه، تلحق به الإبل، كأنها كسب غاز، وهكذا عاش.
وفي ليلة من الليالي أقبل يجر جسماً مهولاً، وضع رأسه تحت إبطه، فهال ذلك قومه، وسألوا: ما هو؟ فإذا زوج أمه يقول: ((لقد تأبط شراً)) فأصبح هذا لقبه، تسير به الركبان، وحين وصل إليهم سألوه: ما هذا؟ قال إنها السعلاة ((الغولة)) عدت علي فأخذت أضربها بفهر بعد فهر، حتى شدخت رأسها تنفق أي تموت، فأخذت أجرها لتروا هذه العجيبة. فخشيه بعض قومه، وفخر به بعض قومه.
كل ذلك كان الشر، فكيف تأبطه الخير؟ قالوا: إن العرب تنادوا يوم أقبل جيش فارسي بقيادة ((جاهان)) أو ((جاهين)) يريد القضاء على الحيرة، ملك المناذرة اللخميين السبأيين القحطانيين، فإذا قبائل العرب، التي إذا أمنت من عدو، لم تأمن الحروب القبلية بينها، وإذا تنادوا لقتال عدو اجتمعوا في صف واحد، لا يسأل عدناني كيف ينصر قحطانياً، فهم أمام العدو أمة واحدة، قبيل واحد هكذا كانوا، وفي فتوح الإسلام هكذا استبانوا، وحين فقدوا السلاح استهانوا، فإذا هم يعودون قبليين أو إقليميين. تنادى العرب ينصرون المناذرة، لم يقصر تناديهم على من أنجد، بل شمل شماريخ السراة، وسهول تهامة، وفكروا، هؤلاء الفهميون الهذليون التهاميون المضريون العدنانيون، بماذا ينصرون اللخميين؟ كيف يقضون على الجيش الفارسي؟ فقال أحدهم: اجعلوا جعلاً لتأبط شرا، فهو عداء خريت رئبال يأتيكم برأس ((جاهان)) يدب الذعر في الجيش الفارسي، فلا تقوم لهم قائمة عليكم.
وذهب واحد منهم إلى المغارة التي اعتزل فيها تأبط شرا، يراوده بالجعل ألف ناقة: هات لنا رأس الفارسي، ينتصر قومك العرب، فقال تأبط شرا: لا ولا.. ألح عليه يغريه بالجعل فرفض. وتآمروا عليه، ينتقمون من عصيانه، فقد أذاع صاحبه سره. قال لهم إن تأبط شرا فقد قوة الجن فما أهونه عليكم واحتال عليه صاحبه يأتي به إلى القوم عند الغدير، فأمسكوا به يقولون: يا عاق، يا خواف، تأبى الجعل، تجبن عن قتل العدو، تضع قومك العرب في عار الهزيمة!! فقال لهم بشموخ العداء، ونزعة العروبة فيه: أنا أرفض الجعل، لا أستأجر على قومي، إنكم أرخصتموني بهذا، اذهبوا إلى المغارة فستجدون في غرارة رؤوساً ثلاثاً: رأس ((جاهان)) رأسين من مرازبة الفرس. قال صاحبه الكياد: ((أنت كاذب)) قال اذهبوا إلى المغارة فالغرارة صادقة، وذهبوا وأتوا بالرؤوس، فهتفوا باسم الوثن، فهم لم يسلموا بعد، وأعزوا تأبط شرا، تأبطه الخير. وانتصر العرب.
إن هذه الأسطورة لها مغزاها، فالحال أمس كان أهون على العرب من الحال اليوم، فهل أجد من تأبط شراً يعود إلى الخير؟! عمدت إلى هذه الأسطورة، أقتبسها من تمثيلية كتبها لصوت العرب الأستاذ: الذي أجله وأنا لا أعرفه، الشاعر العربي المسلم عبد الفتاح مصطفى. وإن أعوزت القارئ أن يعرف ترجمة تأبط شرا، فهذه هي، حفلت بها كتب التراجم، تترجمه شاعراً عداء فاتكاً. أما الأسطورة ففي ديوان التراث من كتب شتى، إن هذه الترجمة أنقلها نصًّا من أعلام الزركلي:
تأبط شرًّا:
ثابت بن جابر بن سيان، أبو زهير، الفهمي من مضر، شاعر عداء من فتاك العرب في الجاهلية. كان من أهل تهامة، شعره فحل، استفتح الضبّى مفضلياته بقصيدة له مطلعها:
يا عيد مالك من شوق وإيراق
ويقال إنه كان ينظر إلى الظبي في الفلاة فيجري خلفه فلا يفوته، قتل في بلاد هذيل وألقي في غار يقال به ((رضمان)) فوجدت جثته فيه بعد مقتله.. وللجلودي كتاب ((أخبار تأبط شرا)) (الأعلام - الجزء الثاني ص 80).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1249  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 960 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج