شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاستفزاز وسيلة الاستعمار والابتزاز غاية الاستقطاب
مارس الاستعمار في أول الأمر أسلوب القرصنة استفزازاً وتخويفاً، وحتى الإغراء بالخرز الأحمر والمنسوجات الملونة لم يكن إلا استفزازاً يستحوذ على الضعفاء ليسقطوا سلطان الأقوياء، أصحاب القيم في أي بقعة من أرض استعمرت.
فالشعوب البدائية التي خضعت لأسلوب القرصنة أو الاستكشاف كان أصحابها يملكون قيمة وقيماً تسلطنوا بها، وانتهى أسلوب القرصنة حين استحال سلطان القرصان إلى سلطة الإمبراطوريات.
وتعاملت الإمبراطوريات المستعمرة بالاستفزاز كما جرى في احتلال الجزائر، استفز السفير الفرنسي حاكم الجزائر فلطم الحاكم بالمروحة، وكان هذا الفعل من الحاكم بغية ذلك السفير، ذريعة اعتبرتها الإمبراطورية الفرنسية إهانة لها، فغزت الجزائر بأسطولها ورجالها الذين يريدون أن يشبعوا من الأرض وخيراتها إذا ما استعمروها.
وحتى في العصر الحديث قد استفز الاتحاد السوفياتي المجر وتشيكوسلوفاكيا فأرسل سلاحه القوي مؤدباً ومستحوذاً.
وهكذا تطور الاستفزاز إلى كلمة يتفوه بها وزير من وزراء أي إمبراطورية، أو أن هذه الإمبراطورية تستفز الشعوب الصديقة إذا ما عقدت اتفاقاً يعين الطغيان المنصب على الشعوب.
إن كلمة قد صرح بها وزير في قوله مثلاً ((إن اتفاقنا مع إسرائيل سنمضي به سواء رضي العرب أم غضبوا)). فقد أراد الاستفزاز.
لكن العرب لم يستفزهم ذلك، بل تلطفوا مع هذا التصريح وادعوه على أنه خبر مطمئن، كأنما العرب قد أسقطوا الانفعال حين أسقطوا أن يستفزوا.
ذلك موقف يحمد للعرب، بل إن رد الفعل كان استحواذاً جعل تصريح الوزير غير ذي موضوع.
* * *
وبقي الابتزاز.
فهو الحصيلة لما يتأتى من الاستفزاز، فالاستعمار كان استفزازاً وسيلة لبسط سلطان المستعمر، أما الابتزاز الآن فقد أصبح حصيلة الاستقطاب، فالعالم كله الآن وقد تصور أن الاستعمار انتهى قد انقسم إلى شطرين، كل منهما خاضه للابتزاز، ابتزاز الإمبراطوريتين.. إمبراطورية الكرملين وإمبراطورية البيت الأبيض.
فقد وضعوا العالم كله في الخوف من الحرب النووية، كصورة من الاستفزاز الخفي لتكون الصورة الواضحة ابتزازاً علنياً.
إن العالم المنشطر على نفسه شطر يبتزه الاتحاد السوفياتي، وشطر تبتزه الولايات المتحدة، فإذا سلمنا بأنه لا وفاق بين الإمبراطوريتين غير المعلن لتتم عملية الابتزاز.
وابتزاز الإمبراطوريتين ليس استعطاء أو استجداء، فالكبرياء والتعاظم قد جعلاهما لا يستعطيان ولا يستجديان، وإنما هو ابتزاز باسم العون والحماية، أي يبيع الأسلحة لبسط النفوذ وإقامة القواعد العسكرية في شعوب رضيت بذلك، وما أجبرها على هذا الرضا إلا استفزاز إمبراطورية ليكون ذلك في صالح ابتزاز الإمبراطورية الأخرى.
* * *
إن الوفاق غير موجود، لأنه يفضح أساليبهما، أما الاتفاق فهو الموجود، لأنه يتستر تحت رغبة الشعوب المستقطبة - بفتح الطاء - طلباً للعون والحماية.
من هنا قلنا من قبل.. إن الحرب العامة الأولى كانت بطراً ألمانيا، وزهوا أنجليزياً، وخوفاً فرنسياً، وحاجة روسية، ومرضاً عثمانياً!
أما الحرب العامة الثانية فكانت غضباً ألمانياً، وطغياناً نازياً فاشياً، وزهواً يابانياً، ودفاعاً بريطانياً، وانتحاراً فرنسياً، واستغلالاً أميركياً، وتفوقاً روسياً!
فقد استطاع هتلر بهذه الحرب أن ينتصر تاريخياً حين حطم إمبراطورية الاستعمار، وانهزم شعبياً حين تكالبوا على ألمانيا.
ولكن الحرب الثالثة أحسبها الآن ضرورة إنسانية يتخلص الإنسان بالخوف من الهلاك، لتأتي أنسال إنسانية جديدة تصنع مدينة جديدة، ولا تجد نفسها باكية على حضارة ابيدت..
كل ذلك من عمل الاستعمار والاستقطاب، والاستفزاز والابتزاز.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :580  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 956 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج