شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سيكوتوري وشولتز
وكان حقاً علي أن أكتب عن الشيخ أحمد توري (سيكوتوري) فقد توفاه الله، فهذا الزعيم الإفريقي لا أجد من يقترن به، أو هو قد شابه بعض مواقفه الإفريقية، إن الشيخ أحمد توري إذا ما ذكر في التاريخ لا بد وأن يطرح الكاتب المقارنة بينه وبين زعيم السنغال ليوبولد سنور، فقد افترقا في العقيدة، فزعيم غينيا مسلم وزعيم السنغال (صنهاجة) مسيحي، تزعم رئيساً على الأكثرية المسلمة، لكنهما وإن افترقا في العقيدة - مسلماً ومسيحياً - فقد كان الشبه بينهما كبيراً في ممارسة الزعامة على شعبيهما، فكلاهما إفريقي، لم تبعد بينهما الزعامة ولا الديانة عن العمل لاستقلال إفريقيا كلها، حيث ضرب كل منهما المثل عن صون الاستقلال، وعن الراحة من إثارة الشغب على كل منهما.
فأحمد توري قد تحصّن بإسلامه، فإذا هو في منظمة المؤتمر الإسلامي طليعة، وإذا هو بإسلامه أصبح حفيظاً على العلاقة العربية، فهو لم يكن نزقاً ولا طائشاً ولا مستقطباً، لأن عقله قد اتزن مع عواطفه، فالعقل فيه لا يجوز على العاطفة، والعاطفة به لا تنحرف عن العقل، من هنا عظم إفريقيا وإسلامياً وعربياً، فإذا دنيا الإسلام والعروبة تأسف لوفاته وترسل العزاء، ويشارك المسجد المسلم في هذا العزاء، يصلي عليه صلاة الغائب.
أما ليوبولد سنجور فلئن قد تشابه مع سيكوتوري في الحفاظ على إفريقيا وعلى شعبيهما، فإن ليوبولد سنجور أزعم أنه العديل في إفريقيا، كأنه جواهر لآل نهرو، كأنما إفريقيا قالت: أنا بليوبولد سنجور، كاسياً بجواهر لآل نهرو، كما أن هذا يدعونا لأن نقول إن أحمد توري هو العديل في إفريقيا للزعيم الباكستاني ضياء الحق.
إن هذا التعادل لم ينشأ من فراغ ولم يأت ترفاً، ولكن الاستعمار والضيم والحفاظ على انتماء كل من هؤلاء إلى الشرق: آسيا وإفريقيا، قد أعطى هذا التشابه قيمة التعادل. إن إفريقيا كما قلت أكثر من مرة مسلمة، وإن كثر فيها غير المسلمين، فلا تجد إفريقيًّا وإن كان على غير الإسلام، إلا ويتجه بعقله نحو الشرق لأن آسيا وإفريقيا هما الشرق، فالضيم كان لهما وعليهما، والاستقلال والسيادة والحرية والتنمية كان كل ذلك مطلبهما جميعاً.
لكن هناك مفارقة بين ليوبولد سنجور وأحمد توري، فسنجور أدى دوره ونظم مستقبل الزعامة وتخلى احتراماً للأكثرية المسلمة للزعيم بعده الرئيس عبدو ضيوف، ولكن لم نجد إلى الآن أن أحمد توري وقد فاجأته الوفاة قد أوجد الخلف وأسس للشعب المصير بعد وفاته، فالأمل أن تبقى غينيا كما كانت أيام أحمد توري.
وإن أحمد توري لو شاء أن يبعثر تراث إفريقيا بالغضب والحماقة لوجد مجالاً واسعاً، ولكنه اتزن فاختزن التقدير له. فالتقدير في آسيا وإفريقيا قد سمعناه واحترمناه، لكن هناك تقديراً جاء على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة، مستر جورج شولتز، فأنا لم أتعود أن أسمع إذاعة واشنطن (صوت أمريكا) ولكن المصادفة، وقد كنت في السيارة، هي أن السائق فتح صوت أمريكا، فإذا هم يقرظون سيكوتوري، ولم أستكثر على الإذاعة أن تفعل ذلك، ولكن الكثير عندي، الذي ما كنت أحسبه قد يقع، هو كلام أذاعوه على لسان جورج شولتز، فقلت وأنا أسمع: لقد عاد سيكوتوري جورج شولتز إلى مبادئ ولسون، فلقد قال هذا الوزير ما معناه: إن سيكوتوري بطل من أبطال الحرية، وزعيم من زعماء الاستقلال، فلقد صنع لشعبه ولإفريقيا ذلك.
إن ما فعله سيكوتوري هو أشبه ما يكون فيه التطبيق لمبادئ ولسون سنة 1918، وتلك المبادئ هي إعطاء الشعوب حريتها واستقلالها والعمل لمصيرها، ويعني ذلك أنه لا استعمار ولا استغلال، فلقد ذكر شولتز أن ما حققه سيكوتوري هو ما طالب به ولسون.
وسألت نفسي: هل هي ازدواجية ركبت عقل شولتز؟ أم هي عواطف الأمريكي، حفيد الرواد الذين انتزعوا الاستقلال والحرية؟ كل ذلك قد يكون، ولكن السؤال يطرح: هل المستر شولتز يمارس مع العرب الاحترام لمبادئ ولسون؟ أم أن ازدواجية السلوك في السياسة تكيل الثناء لسيكوتوري، وتنسى أن ترشد نفسها بالعودة إلى مبادئ ولسون، فلا تنقل سفارة أمريكا إلى القدس، ولا تعاون إسرائيل على إهدار مبادئ ولسون!
يرحم الله سيكوتوري، فقد أعطانا مؤشراً على أن الازدواجية في شولتز ستضغط عليها الظروف القاهرة، لتصبح تزاوجاً، يعتدل به الميزان، لتبقى صداقة العرب مع أمريكا حيث لا تكون أمريكا ضد مبادئ ولسون!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :632  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 952 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.