شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
القصة واللغة!
مع الأستاذ العروسي المطوي:
الأستاذ (( العروسي المطوي )) حاضر بالأمس محاضرة شيّقة حافلة بتاريخ تونس وعن القصة والقارئ العربي واللغة.. فإذا هو قد باركه الله فلا هو شرقي ولا هو غربي.. فقد توسطت لهجته كأنما هو قد حدد نوع اللهجة تستقطب لغة وسيطاً.. فالمغربي يفهمه.. والمشرقي يفهمه.
ذلك من أثر الألفة.. فهو إنسان أليف قد جاب الأرض العربية فخالط رجالاً كثيرين فإذا هو اليوم كواحد منا عرفناه سفيراً لتونس الخضراء قبل عشرين عاماً فكان الصديق ليس لمعاشرته وإنما كان الصديق لنفسه.. فصداقة الإنسان لنفسه يستوعب بها الإنسان المعرفة فما أحسب إلا أنه قد عرف عنا نحن العربيين السعوديين أكثر من بعض الذين يحجزون أنفسهم في أبراج عاجية..
فالعروسي قد تبرج بيننا يبهرجنا ونبهرجه.
إن هذا الأستاذ السفير وقد انتهى من السفارة السياسية لكنه ما زال سفيراً يسفر بالسفر ((الكتاب)) ينشر ويحقق.. فهو بين المشرق والمغرب سفير الثقافة ينشر الكتاب.. يحققه.. فأصبح العطاء جيداً وكثيراً ومفيداً للمثقفين جميعاً من الخليج إلى المحيط أو كما يحلو لي: من شرق السويس وغرب السويس.
لقد ابتدأ يؤرخ لتونس كأنما أراد أن يشبعنا بنشوة التاريخ فابتدأ بعبد الله بن سعد بن أبي السرح قائد الفتح الأول لإفريقية.. فعبد الله بن أبي السرح سار من الفسطاط وبدأ من تونس.. ويحلو لي أن أسجل أن عواصم الفتح ست:
المدينة المنورة دار الهجرة: كانت الأولى في عهد الخلفاء الراشدين.. وجاء عهد أمية فتعانقت العواصم الخمس: دمشق عاصمة الإمبراطور.. والكوفة عاصمة العاصمة، شرق منها الفتح فلم يغرب، وإنما أهدى للإسلام الأئمة صناع الحضارة الوسيط..
والفسطاط (مصر) عاصمة العاصمة غرب منها الفتح فعرب وأهدانا الأئمة صوان الشريعة.
وتونس: كانت عاصمة التوسع في الشمال الإفريقي.. فمن حاضرة القيروان كانت هدية تونس عقبة بن نافع قائداً فاتحاً والأئمة أسد بن الفرات وسحنون وابن خلدون ومن إليهم ومن بعدهم.
والخامسة فاس: صولة الذخر كانت الهدية منها فتح الأندلس فإذا الأندلس حضارة الحضارة الإسلامية.. لئن فقدنا الفردوس المفقود فإن الحضارة فيه إلى الآن تتفقد المشارقة أن يعرفوها..
ولقد قال وقي: لولا دمشق لما كانت طليطلة.. وقلنا: لولا حراء لما كانت دمشق ولا بغداد ولا القاهرة ولا تونس ولا فاس ولا قرطبة.. ولا صنعاء..
إن الأستاذ العروسي ينبغي أن أدير معه حواراً.. لقد فرحت أن ذكر الثعالبي عبد العزيز، فهو جمال الدين الأفغاني في تونس وهو نزيل مصر.. فلماذا لم يذكر العروبي ((قرطاجنة)) ليشيد باسم هانئ البال ((هاني بال))؟ فليس من الإنصاف أن ننسى عراقة العروبة في إفريقية فهاني بال عربه أستاذنا عباس محمود العقاد حينما فصح فقال ((هانئ البال)).. فأمة العرب ليس تاريخها جديداً.. فلئن أعطاها الإسلام جدة تاريخها ومسيرة مجدها والحفاظ على فصاحة لسانها بالكتاب المبين القرآن: قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ (الزمر: 28) فإنها أمة عريقة في التاريخ.
فالقرطاج الفينيقية وهاني بال عرب وإن رغمت أنوف..
إن إفريقية وشعوبها عرب.. فهم وإن قالوا بربر فإنهم من الذراري التي ترسخت أقدامها يوم وصل إلى مغرب الشمس ذو القرنين ((المصعب بن الحارث اليماني)).
إنهم حميريون.. فأصغوا سمعكم إلى لبناني يتكلم وإلى تونسي أو جزائري أو مغربي يتكلم تجدوا أنهم رغم انتشار الفصحى العدنانية بينهم فلا تجد حرف المد قد امتد في الكلمة التي ينطقها اللبناني والتونسي ومن إليهم..
إذا سمعت كلمة ((تونس)) فالواو حرف المد يذوب في اللهجة.. وإذا سمعت كلمة ((الجزائر)) تجد الألف حرف المد قد ذاب في اللهجة..
كنت في واشنطن العاصمة وفي مكتب دكتور ((هدلي)) فقال لي حين امتد حوار بيني وبينه: إن سكان إفريقية القارة قد انحدروا من الشمال..
قلت له أي شمال تعني؟ شمال القارة نفسها؟ فبعض ذلك قد كان، أما إن كنت تعني أوروبا فذلك لم يكن: لأن إنسان إفريقية كان موجوداً فيها يوم كانت أوروبا غارقة في الثلج.
ولكني أؤكد لك أن الإنسان الإفريقي سواء كان في شمالها أو فيما بعد شمالها قد انساح إليها من الشرق..
إن الشعوب العربية في أفريقيا من غرب السويس إلى وطأة القدم على بحر الظلمات (الأطلسي) يحبون هذه الأرض جزيرة العرب حبهم لمسجديها.. حبهم لإسلامها.. حبهم لترابها.. فهم يحبون أرضنا وإنسانها لأنها أهل الثبات والإثبات.. فهناك مثل.. فقد قالوا:
لقد نزل القرآن مكياً مدنياً وحفظ في المغرب وكُتب في اسطنبول وقُرِىء في مصر..
فأهل المغرب كلهم لا زالوا يحافظون على مذهب أهل المدينة مذهب مالك بن أنس.. ولا زالوا يحافظون على قراءة أهل المدينة قراءة نافع بن أبي نعيم.
وأخيراً.. فأنا مع الأستاذ العروسي في تأثير القصة.. فشاعر الربابة حين قرأ الملاحم كقصص لا زال تأثيره باقياً في عواطف الشعوب.. ولا زالت أسماء أبطالهم محفوظة لدى الشعوب.. ولله المثل الأعلى.. فهذا القرآن قد أعطانا المظلة والعبرة في القصص القرآني.. وإن تأثيره لقوي فيمن اتعظ وفيمن اعتبر..
إن قصة يوسف عليه السلام قد بلغت من الروعة أسمى ما حققه البيان، فهي مثل أعلى في القصة لا يكاد يبلغه مثل آخر من صنع البشر..
بقي أن نعرف الأسلوب الذي تؤثر به القصة.. من هنا أختلف مع الأستاذ العروسي فأقول إنه الأسلوب الواحد.. وهو في اللغة الفصحى..
يتوسط الكاتب بين أسلوب الحريري وحمزة فتح الله وبين الذين يريدون أن تكتب القصة بأسلوب عامي.. وهذا الأسلوب الوسط تجده الآن في الذين يكتبون القصة.. فلا هم يذبون ولا يسفون.. كأسلوب الدكتور هيكل في ((زينب)) وتوفيق الحكيم في ((يوميات نائب في الأرياف)) ونجيب محفوظ فيما كتب..
فلئن غلبت المحلية فإن الأسلوب يفهمه كل قارئ شرق السويس وغرب السويس..
أما الدعوة لأن تكتب القصص باللغة العامية التي يتجنب الأستاذ العروسي ذكرها فيقول الدارجة فإن ذلك يغرق الأمة العربية إلى شعوبية اللهجات إضافة إلى شعوبية الإقليمية.
فهل يعني أن يكتب القاص التونسي بلهجة تونس والجزائري كذلك بلهجة الجزائر.. والسوداني بلهجة السودان والمصري والعراقي والشامي والسعودي كل منهم يكتب بلهجته.. إن معنى ذلك قضاء على وحدة الأمة في لغتها إضافة إلى تشتيت الوحدة إقليمية أو سياسية..
إن اللغة الفصحى هي الجامعة.. أما كتابة القصص بكل لهجة فمعناه الشعوبية الجديدة..
وما أحسن دعوة الأستاذ عزيز ضياء لتيسير القراءة أن تطبع الكتب والمجلات والصحف مشكولة لتيسير القراءة حتى نتغلب على هذا الإهمال الذي جعل الناس يقولون إن العرب لا يقرأون..
وقد أزعم إني على معرفة.. كما أزعم إني لا أخطئ نحوياً ولكن فوات التلقي والتلقين قد جرني كثيراً أن أقرأ الكلمة صحيحة صرفاً.. فقد كنت أنطق كلمة ((البيئة)) بكسر الباء أنطقها بفتح الباء.. ولم أتلق التصحيح من أحد إلا من الأستاذ عبد الحق النقشبندي يرحمه الله.
ثم إن الأقاليم العربية رغم تحديدها فإنها تتألف من بيئات مختلفة: بدو وحاضرة متعلمون وأميون.. فلا بد من وسيلة الإيضاح بالتشكيل..
فتحية للأستاذ العروسي قد فاتني أن ألقي ما كتبته الآن.. فما أحببت أن يفوتني التعليق في صحيفة.. وفي صحيفة المدينة بالذات التي يحبها المغاربة..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :621  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 951 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج