شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
امتصاص النقمة؟!
ولست ألوم الإعلام العربي، فقد قالوا: ما جاء على أصله، لا يسأل عنه!
فالشعوب العربية، لا بد وأن يطغي طبعها على أعلامها، فكل وسائل الأعلام تذيع عن إسرائيل أخبار المظاهرات حول (( تل أبيب )) ضد غزو لبنان، كما أنها تذيع وما زالت، أخبار لجنة التحقيق التي ألفتها من قضاتها، للتحقيق وكشف الجناة الذين قتلوا الأطفال والبنات، والرجال والأمهات في مجزرة (( صبرا وشاتيلا )) .
كأنما الإعلام العربي، كالطبيعة العربية أخذ موضوع هذه اللجنة على أساس من التصديق، بينما هي حركة التفاف على المجزرة لامتصاص النقمة عالمياً وعربياً.
فكل معارضة في إسرائيل، أو نقد، أمر مفتعل، لا يأتي به هو: امتصاص النقمة، وأشعار الذين يصنعون الأخبار هنا وهناك، على أن إسرائيل دولة ديمقراطية، تسمح لمعارضة، تشكل لجنة تحقيق، نسمعه يذاع على أنه مقياس الديمقراطية، مع أنه لا ديمقراطية في إسرائيل، فأول من يعلم بطلان هذه الديمقراطية هم الذين صنعوها، والذين أعانوها، والذين هم لا زالوا في طاعة المدد لإسرائيل، وفي إضاعة الزمن بمعاهدة ((كامب ديفيد))، بمبادرة ريغان، كما ضاع زمن بمبادرة ((روجرز))!
كل ذلك كذب، لكن الإذاعة العربية في كل مصر، تذيع تلك الأخبار الديمقراطية على أنها صحيحة، لنفرح نحن العرب بها، وهكذا نحن - بصورة أو بأخرى - نعطي إسرائيل الفرصة تلو الفرصة لقتل الانفعال، ولامتصاص الغضب.
ولعلّي من ناحية أخرى ارتاح إلى قتل الانفعال، ولا أرى قيمة للغضب، فقد مضت خمسة وستون عاماً على احتلال الأرض الفلسطينية قطعة قطعة، وكل شيء هادئ في الميدان العربي، حتى حرب العبور، وكانت نصراً بحق، أجهضها زعيم، فاتت بولد نغل، هو السلام بين إسرائيل ومصر، أبوه أمريكي، وأمه يهودية، وكل ما كان من ((أنور السادات)) أنه أصبح (القابلة)!
تمخضت حرب العبور عن انتقام يهودي - ما أفظعه - هو غزو لبنان، فلا نجد في الإعلام العربي إلا هذه الهدنة، كأنما نطرح الماضي بعيداً ونصمت، حتى الماضي بعيداً ونصمت، حتى عن إعلان الانتكاسات في الحاضر، حتى عن إعلان الموقف الغامض غير المفهوم، أو هو المتهم لبعض الزعامات العربية!
إن مجزرة ((صبرا وشاتيلا)).. لا أقول: قد نسيناها، وإنما أقول: قد نيناها، ولم تمض عليها أسابيع، كأنما الإعلام العربي يجرعنا جرعات مسكنة إلى درجة الغيبوبة، أو إلى درجة فقدان الذاكرة!!
في هذا الزمن الذي امتد لمدة خمس وستين عاماً، سمعت إذاعة في العراق أيام حكم (الزعيم الأوحد!): عبد الكريم قاسم، أذاعت علينا أنشودة، منها هذه الفقرة!
ـ ((عبد الكريم قاسم.. أقرب نسب للمحكمة))!
يعني أن ((المهداوي)) قريب لعبد الكريم قاسم.
وسمع إذاعة عربية أيام تأميم القناة، تقول ((إن جمال عبد الناصر يفتعل هذه الحركات، فاتفق معه الإنجليز على التأميم لإقصاء فرنسا)).
وهكذا فإن الكثير من ذلك قد أذيع، يسمعه الذكي فيضحك ضحكة الثكلى، ويسمعه الغبي، فيقول: ((إذا نزلت السماء على الأرض لا يصيبني إلا على قدر رأسي))!
إن كل ما تفعله إسرائيل من طرح الديمقراطية، أكرر فأقول: إنه لامتصاص النقمة، ولقتل الانفعال، وفضيحة الفعل، على الذين أمكنهم أن يفعلوا فلم يفعلوا!! وبس، كفاية، وإلا فهناك المزيد!
* * *
ـ صور:
يعد مجزرة لبنان، تصور العرب أن هناك وضعاً جديداً، وتضامناً شاملاً، وفعلاً بارزاً!
ولكن هذا التصور لم يصب بالتشاؤم بعد، فلا زال هناك بعض التفاؤل بعض التفاؤل، كما يقول العجائز: في التأني السلامة!
* * *
وما كنت أعلم أن القاضي الفاضل السيد ((خلف الحسيني)) قد توفي في العام الماضي، ولكني علمت بعد. وأريد أن أذكر حسنة له:
فقد كان رئيساً لمحكمة في القاهرة، وعرضت عليه قضية أملاك للأقباط مضت عليها ثمانية وعشرون عاماً، لم يصدر فيها حكم قضائي.
ولكن القاضي ((خلف)) تفرغ لها، فدرسها، وأصدر حكمه، يعيد للأقباط أملاكهم، أو هي من أوقاف الكنيسة.
وصدر الحكم، فإذا ((الأنبا يؤنس)) يتلفن للسيد خلف، يطلب تحديد موعد لزيارته، ليشكره، وحضر للزيارة، وأخذ يقول للسيد خلف:
ـ أشكرك على هذا الحكم، أعطينا أملاكنا.
ـ فقال السيد خلف الحسيني: لا توجه الشكر إليَّ، الشكر يوجه منك إلى شريعة محمد رسول الله، حفظت حقوقكم وحياتكم (لكم مالنا، وعليكم ما علينا) فأنتم مواطنون في ذمة الإسلام وسكت ((الأنبا)) ثم يقول (أين الأولاد)؟
ـ فقال السيد خلف: ماذا تريد؟!
ـ قال أباركهم.
ـ قال السيد خلف: إنهم في بركة إسلامهم، لا يأخذون البركة منك!
وهكذا، نجد أن شريعة الإسلام، لو احترمها أهلها، لما احترمها باطل، ولكن العيب لازال في المسلمين، أما الإسلام فلا يعتريه عيب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :562  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 950 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.