شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طعام طعم وشفاء سقم
ولعلّي أبتعد عن اللجاجة كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً، ولكن مشاعر الناس في بلدي هذا تحتم علي أن أكون لها ما دام الحق معها، ولقد أثار الأستاذ علي الطنطاوي ثائرة عليه حين قرأوا مقاله عن (( ماء زمزم )) .
إن هذا البلد كله صوان للسنة، حفيظ عليها، فقد انتشرت فيه عقيدة السلف وما أكثر حرصه على الأخذ والتلقي من السنة نأخذ ما جاء عن الله وعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بلا تأويل ولا تبديل ولا تحريف ولا انحراف، نؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسول الله إيماناً نتبع ما أمر وننتهي عما نهى عنه وزجر.
والأستاذ الطنطاوي قد احتضنته مكة آمناً في حرمها، مكرماً في مدارسها وجامعاتها، وإذاعاتها وتلفازها، فكيف تسنى له أن يجانب الحرمة لهذا الوطن الذي يعيش فيه، يقف أمام الأحاديث الصحيحة التي علمتنا ما تفضل به الله سبحانه وتعالى حين وضع البركة على ماء زمزم؟
إن ماء زمزم كما هو في الحديث الصحيح طعام طعم وشفاء سقم وإنها في الحديث الآخر ماء زمزم لما شرب له.. كل هذا يعرفه الأستاذ الطنطاوي، ولكن لماذا يبعدنا عنه حين أنكر أنه طعام طعم وشفاء سقم؟
لعلّه استند حين ابتعد عن السنة إلى قول طبيب شامي آخر، كأنما هو قد ساند الطنطاوي حين يقول إن الإنسان قد يعيش دون طعام خمسة وأربعين يوماً، ويعيش دون ماء أربعة أيام فقط.. هذا التخريج أو التأويل كان فيه الطعن في حديث أبي ذر، فقد عاش هذا الصحابي الجليل صادق اللهجة لا يطعم طعاماً إلا ماء زمزم، عاش أربعين يوماً فلم يظهر عليه ضعف ولا هزل لأنه لم يعش بالامتصاص من السكريات والحراريات التي في جسمه، بل عاش يبدو في صحة عالية، فقد ربت له عكن على بطنه من الشحم، أي من الحراريات، ولم يفقد السكريات، فلا تتمكن البطن دون الغذاء الكامل.
إن الحديث صحيح، وصادق اللهجة أبا ذر فوق أن يتهم بالكذب، كما أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم والسابقين الأولين رأوا أبا ذر فآمنوا بهذه الصحة التي كساه الله بها إذ بارك في ماء زمزم. لسنا بصدد التحليل الكيميائي، فإن هذا يضع الحديث الصحيح في موضع الشك نتحايل بالتأييد له على نهج الكيميائيين.
إن الأستاذ علي الطنطاوي قد سبقه من تجاوز الأدب على الكعبة وهو يعرف أولئك، كما يعرف من سبقه، أعني الذي أنكر نزول المسيح عليه السلام، فاشتد غضب أهل السنة في هذا البلد، كما سبقه من أنكر شق الصدر، يحبون أن يتعاملوا بإنكار المعجزات، أو هم يحبون أن يجاملوا المنكرين بهذا التحايل، ولعلّ الأستاذ علي الطنطاوي سمع ما تحدثت به في تلفازنا حين أنكرت على من هو أجل منه بل هو لدينا أغلى منه، ألا وهو السيد محمد رشيد رضا العلامة السلفي صاحب ((المنار)) فقد عقبت عليه وأنا أكثر إجلالاً له، ولكن كان عندي الحق أجل منه، فقد قال عن الطير الأبابيل والحجارة من سجيل أنها تعني مرض الجدري، أصاب أصحاب الفيل، فقلت:
إن هذا من السيد رشيد لا يقبل، فالطير الأبابيل ليست الميكروبات التي حملت مرض الجدري، لأن الحجارة من سجيل قد أصابت أبرهة وجيشه فجعلهم الله كعصف مأكول، ولم يصب الله غيرهم ممن كانوا حولهم، وإذا افترضنا جدلاً أن الذي أصابهم كان الجدري فكيف، وهو الذي ينتشر (انتشار) النار في الهشيم، لم يصب غيرهم ممن كانوا حولهم؟ فما أصاب الجدري أحداً في مكة، وقد كان أصحاب الفيل في وادي ((محسر)) داخل حدود الحرم، وقد اختلط بهم كثير من أهل مكة ومن الأعراب، فلم يذكر أن الجدري كان قد أصاب أحداً غير أصحاب الفيل.
إنه غضب الله قد صبه عليهم طَيْراً أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ.. فلماذا التحايل أو الشك في قدرة الله وقوته؟ أيراد بذلك التقرب إلى المنكرين؟
إن إنكار المعجزة بهذا التأويل عجز في الفكر، وأتحاشى أن أقول عجز في الإيمان (!)، كالذين قالوا إن نجاة بني إسرائيل من الغرق في اليم كانت بسبب الجزر،ونريد أن نسألهم: هل كان الجزر على ساحل برزخ السويس في مد البحر الأحمر إليه؟ فلو كان كذلك لأمكن لفرعون أن لا يخوض البحر بل يلاحق بني إسرائيل على البر فوق البرزخ حين شعر بالمد وهو القريب من ساحل البرزخ.. أم أن بني إسرائيل قد خاضوا البحر بعيداً عن البرزخ ومستحيل أن يكون هناك جزر وسط البحر.. وإنما هي قدرة الله شق في البحر اثني عشر طريقاً فنجا بنو إسرائيل واغتر فرعون فخاض اللجة فأغرقه الله.
وأخيراً فإني أضع أمام الأستاذ علي الطنطاوي هذه القصة وكان صاحبها الصديق السيد ياسين طه، فقد أصيب أياماً عدة بمغص شديد قال الأطباء أنه مغص الكليتين، ويعالجونه بالمنومات المخدرة فلا يسكن المغص حتى ضاق ذرعاً، فذهبت معه لمراجعة الدكتور صادق الطبيب في التكية المصرية، وقد عرفت الدكتور صادق طالب طب حين حج وزار المسجد النبوي مع بعثة الجامعة في أواسط الخمسينات الهجرية.. وعين طبيباً في مكة.. فأجرى كشفه على الصديق ياسين طه وقال له: لا أحسب أن ذلك مغص كلوي، اذهب واشرب من زمزم ولا تشرب ماء غيره.. وشرب من ماء زمزم أياماً وأياماً، فسكن المغص لا ينتابه إلا قليلاً..
وذهب إلى مصر وكنت معه وكشف عليه الدكتور النطاسي ((أنور المفتي))، وأخذ الدكتور أنور ينظر إلى صورة الأشعة فوضعها على المكتب ونظر إلى السيد: مِمَ كنت تشكو؟ قال من المغص، وقد قال لي الأطباء في مكة أنه مغص الكليتين. فأخذ أنور المفتي صورة الأشعة وقال لي وللسيد ياسين:
انظر هنا، خراج في الكبد وقد تكلس فلم يؤثر على الكبد إلا حين كان ملتهباً، هل أجريت عملية في الكبد؟
فقال السيد ياسين: لا.
قال: عجيب أن يتكلس هذا الخراج، ماذا كنت تأخذ من الدواء؟
فقال السيد ياسين: ما أخذت إلا ماء زمزم.
فقال الدكتور أنور المفتي: صدق رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، إنك قد شفيت من هذا الخراج.
ولم يكتب له الطبيب إلا دواء تعتدل به حلزونيات الأذنين ليبرأ من ((دوخة)) كانت تعتريه.
إنه ماء زمزم شفاء سقم تكلس به الخراج في الكبد.. لو كنت مكانك أيها الطنطاوي لما امتحنت الحديث الصحيح بمحنة التأويل إلى درجة الإنكار، ولما امتحنت عواطف أهل السنة الذين إن لم يغضبوا الآن فسترى غضبهم حين تعود لما جئت به.
وبعد، فأنت عندي بمكان عرفت به قيمتك من قبل، فقد صافيتك فلم تصف، وجفوتني ولم أجف، وكتمت عنك اعتذارك في موضوع تعرفه استجابة لطلبك فلم تذكر، ورثيت لك بحنين وأنين فلم تشكر.
وأتيت الآن في هذا التجديف عن ماء زمزم فلم أصبر!.
* * *
ولادة
وبلغني أن صديقنا أحمد الشريف الرفاعي قد تجنى على السيدة الكريمة ذات الحسب والنسب ((ولادة بنت المستكفي)) سليلة الملوك الذين عمروا الأندلس، فأشرقت بما عمروا حضارتنا، كما قال شوقي:
قف على الحمراء وإن
دب مضر الحمراء فيه
وأسأل البنيان ينـ
بئك بأسماء بنيه
إن التجني - يا أحمد - على كرائم السيدات أمر لا نطيقه بل ونرفضه لأن تشويه التاريخ بهذه المفردات عن كرائم السيدات ضغينة أعرفها من أخزم.
ألأنها أموية؟! تحملنا البغضاء على هذا التجني؟
فلقد تجنى قبلك في سنوات مضت كاتب زعم أنه قبلي على السيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، فقد قال إن نساء قبيلته عفيفات، ونساء قريش متبذلات، وذكر اسم سكَيْنة بتجني عليها بالتبذل، أراد أن يكون قبلياً مع أنه مصري، فقد التمس من الذين أثنى على قبيلتهم أن يملأوا جيبه، وما سأل عن فراغ قلبه، فانتصبت إليه القمة حجراً، فأذاب الله قولته وضاع كتابه.
أريد أن تعرف ((ولادة)) من غير المصدر الذي كان جناك منه، وكانت جنايتك عليها به، أضع أمامك ما جاء من نص في كتاب ((الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة)) لابن بسام يرحمه الله، فإليك النص:
((قال ابن بسام: وأما ولادة التي ذكرها أبو الوليد بن زيدون في شعره فإنها بنت محمد بن عبد الرحمن الناصري، وكانت في نساء أهل زمانها، واحدة أقرانها حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرفتها، ويتهالك الأفراد الشعراء والكتّاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب، وطهارة أثواب، على أنها - سمح الله لها وتغمد زللها - أطرحت التحصيل، وأوجدت إلى القول فيها السبيل، بقلة مبالاتها، ومجاهرتها بلذاتها، كتبت - زعموا - على أحد عاتقي ثوبها)).
أنا واللَّه أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وكتبت على الآخر:
أمكّن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
هكذا وجدت هذا الخبر، وأبرأ إلى الله من عهدة ناقليه، وإلى الأدب من غلط النقل إن كان وقع فيه)).
أما البيتان اللذان رفضهما ابن بسام فلعلّي لا أرفضهما لأنه قول شاعرة، والشعراء يقولون ما لا يفعلون، فلم يتغزل أحد غزل بن أبي ربيعة، وقد أقسم وهو صادق أنه لم يكشف ثوبه على أنثى، لم يأت حراماً، لو كان فاسقاً في فعله لما حفظ شعره عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فلم يكن ابن عباس في تزمت نافع بن الأزرق، فقد قال ابن عباس ((الشعر ديوان العرب)).
وبعد يا أحمد، فإني أدعوك أن تحترم كريمات قومك ونساء أهلك.
* * *
ولعلّي أضع أمام الأخ أحمد شريف الرفاعي صورة في خبرين يعرف منهما مقدار حرصنا على القيم.. تفرض علينا أن نعانق العفة فلا نهجو ولا نقذع ونحترم كرائم الأحرار.
الخبر الأول: هو أن منيرة المهدية أميرة الطرب في مصر قد حجت تغسل وجدانها بتطهر حتى إذا وصلت إلى المدينة سمعت أن مدرساً في المسجد قد نال منها مقذعاً فأبرقت تشكو إلى جلالة الملك عبد العزيز يرحمه الله.. فأصدر أمره بمنع هذا المدرّس من التدريس.
أما الخبر الثاني: فقد كنا على مائدة العشاء نتشرف بالجلوس أمام الملك فيصل، يرحمه الله، فقال كأنه يعلمنا الأدب: لقد كدت أغلق جريدة نالت من سيدة كريمة أيام كانت الخصومة مشتدة بين المملكة العربية السعودية ومصر أيام حرب اليمن.
أقذعت هذه الجريدة فكدت أغلقها لأننا نحب المحافظة على القيم.
وقد جرى الكثير على هذه الجريدة حتى وصل بها الأمر إلى ما هي عليه الآن.. إنها جريدة عكاظ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :595  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 943 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.