شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كاشف الغطاء والخميني
وسماحة الإسلام تحارب البغضاء، وعالة الإسلام رفعت في صفحات التاريخ أسماء المصلحين والمعتدلين والذين إذا ما حكموا بين الناس حكموا بالعدل. من هذا المنطلق المسلم أود أن أطرح مقارنة بين إمامي الشيعة السابق واللاحق، بين محمد حسين كاشف الغطاء وآية الله الخميني.
فكاشف الغطاء كان الإمام المجتهد لعلّ الخميني تتلمذ عليه، أو لعلّ الخميني لم يكن شاذاً عنه يمارس العقوق ويدعو إلى الانشقاق، إن محمد حسين كاشف الغطاء كان صاحب نفس طويل وصدر متسع، وتمنى لأمته المسلمة أن تتحد، لا يفرقها مذهب، فسعى بكل جهده إلى فكرة التقريب بين المذاهب، ويعني ذلك أنه يحترم كل المذاهب.. سنة وشيعة.. فسعى إلى الأزهر ووجد الاستجابة عند العلامة المحدث صاحب التعاليق على ((المحلى)) لابن حزم الأستاذ أحمد محمد شاكر، فتراسلا وكل همهما التقريب بين المذاهب، حتى أثمر هذا الجهد ألا يجفو الأزهر الذي أسسه الفاطميون الباطنيون فأضحى بعده الجامعة السنية، علماؤها على مذاهب الأئمة من أهل السنة سواء كانوا المذاهب الأربعة أو من المذاهب الأخرى التي سبقت أو عاصرت الأئمة الأربعة، فلم يجف الأزهر أن يدرس مذهب الشيعة مذهب زيد علي وجعفر بن محمد يرحمهما الله.
تلك الخطوة الأولى لم تجن ثمراتها بعد، فالمرونة في الأزهر لم تجد المرونة عند الآخرين.
وجاء الموقف الثاني لكاشف الغطاء النجفي العراقي الذي يتنسم عطر الصحراء في نجد، شذي الشيخ والقيصوم والخزامي كما هي قولة ابن أخت الكاشف الغطاء الجواهري الشاعر المبدع. كان هذا الموقف يوم استجابت العلية من علماء الإسلام وزعماء شعوبه إلى دعوة السيد أمين الحسيني ليحضروا مؤتمراً إسلامياً في القدس في أواسط الثلاثينات الهجرية، فإذا المؤتمر ينعقد في ليلة المعراج تزفهم فلسطين إلى المسجد الأقصى وهم من كل مذهب وكل فرقة، سني وسلفي وشيعي وأباضي، يسيرون حتى إذا وصلوا إلى المسجد الأقصى أجمعوا أمرهم يتحدون به الاستعمار وتفريق الكلمة، يضعون وحدة الأمة المسلمة أمام اليهود، فيختارون محمد حسين كاشف الغطاء إماماً لهم، يصلون وراءه، قد حذقوا ما هم فيه فأبعدوا الفرقة المذهبية، يصلي بهم إمام شيعي كان هو المجتهد في الشيعة.
وصلَّى بهم كاشف الغطاء، ثم اعتلى المنبر بعد الصلاة فقال الكلمة التي عشقتها، أريد أن يسمعَها الخميني.. هي كلمة الإسلام نطق بها كاشف الغطاء، لعلّ الخميني إن سمعها ينكشف الغطاء عما ران على قلبه. كانت الكلمة هي:
إن كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة هما ركنا الإسلام!
استنار بالمحجة البيضاء أولها كلمة الوحيد برهانها في القرآن والسنة وانعقد المؤتمر، فعقه أناس وانشق عليه أناس من طلاب الزعامة وعشاق الخلافة، وجن الاستعمار، كانت فرنسا في الشام وبريطانيا كانت في فلسطين وما إليها والعراق ومصر، وكما كانت فرنسا في الشمال الإفريقي تشاركها إيطاليا في ليبيا، فلم يجدوا صيداً إلا أن يلاحقوا عبد الرحمن عزام باشا.
وهل يعرف الخميني أن كاشف الغطاء قد صافحه السلفي محمد رشيد رضا والحنفي شوكت علي كما صافحه المالكي والحنبلي وكما صافحه الأباضيان سليمان باشا الباروني وإبراهيم طفيش، هكذا يصنع الإمام الذي يريد وحدة الأمة، وهكذا صنع الزعماء الذين أخلصوا لكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.
إن آية الله الخميني حين قام بما قام به استقبله كتّاب كثيرون، فرحين به حين أعلن أنه أراد أن يرفع الطغيان عن كاهل الشعب الإيراني، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى وجدوه قد ارتفع بالطغيان يرفعه ليزيده قتلاً وسجناً وفرقة وحرباً يرسل بها قنابله على مقدسات الشيعة حول البصرة والكوفة، كأنه لا يعبأ بأي شيء مقدس لدى الشيعة.
إن الخميني جاء عاكساً لكاشف الغطاء، بدد كل مساعيه الطيبة، ومزق ملك فارس كل ممزق، بهذا أصبح يستحق هذا اللقب آية من آيات الله.
لقد كنت أتنكر لهذا اللقب، أحسب أنه لا يستأهله إلا الخيرون، فوجدتني، بعد، أعرف أن الغيث هو الخير من آيات الله، فهو آية مسلطة بالشر والوبال - وأي شر أكثر من أن يقرر أنه الإمام المعد حتى يخرج الإمام المنتظر، وبهذه الإمامة التي ادعاها قرر أن كل من اتبع القتل والتشريد والتنكيل..
إنه في حربه ضد العراق قد أعطى لنفسه أنه يحارب غير المسلمين.. ولكن ألا يعلم أن حصر الإسلام في فئة أو في شعب معناه انحسار الإسلام عن الآخرين؟! ويتأتى من ذلك أعني الحصر والانحسار - قد بلغ من الإثم أقصاه، فهو إذ ينحسر الإسلام عن كل المسلمين من غير أتباعه قد أبطل الرسالة العامة للناس كافة كأنه أصبح صكوك العفو والغفران، والإسلام يرفض الكهنوت.
والشيء بالشيء يذكر، فقد كنا في صالون المدرسة في المدينة المنورة نستقبل بعثة جامعة القاهرة والأزهر، وكان يرأس بعثة الجامعة صاحب الخلق الكريم المفكر والمؤرخ صاحب ضحى الإسلام وفجره الدكتور أحمد أمين، وقد اتسع الحوار نسمع له ويسمع منا وقد تعلمنا منه أدب الاستماع، فقال: - إن الإسلام فيه نقص، لم يضع دستوراً لنظام الحكم.
فقلت له:
إن هذا من كمال الإسلام، فهل يضع الإسلام نظاماً للحكم عربياً في جزيرة العرب وهو رسالة للناس كافة، يحصرها في نظام واحد.. إن العدالة والكمال هو في ترك أي دستور لنظام الحكم، فهل يصلح النظام الذي تريد ليكون فيه القسر على المسلمين في أوروبا، أو الجبر على المسلمين في أقصى آسيا وفي أدغال إفريقيا؟
لقد أراد الله سبحانه وتعالى وقد تفضل بالمحجة البيضاء، الكتاب والسنّة، أن يعطي المسلم في أي مكان حرية نظام الحكم فيه، فما حصر وما حد، وذلك طبيعة الرسالة السرمدية للناس كافة.
فقال الأستاذ أحمد أمين:
ـ حجة لا أدفعها.
فلم يكن كلامنا عن الخميني إلا نابعاً من عقيدة راسخة برهانها في الإسلام.
والشيء بالشيء يذكر أيضاً، فحين انعقد المؤتمر الإسلامي في القدس كانت تصلني الصحافة التي تنشر أخبار المؤتمر، وتوسعت الإذاعات في أخباره، وكان الملك فؤاد قد شن الغارة عليه، فالمصريون الذين مثلوا مصر في المؤتمر لم يحجزهم موقف الملك فؤاد، ولا خافوا عقاباً من إسماعيل صدقي رئيس الوزراء وبينما كنت جالساً في دكان خياط في المدينة المنورة أقبل على من كان اسمه أسد الله، نمساوي أظهر الإسلام، فقال لي:
ـ انظر كيف رضي رشيد رضا وكامل القصاب بإمامة هذا الشيعي كاشف الغطاء؟!
قلت:
ـ كما رضي بها الأباضي. لقد كان هم هؤلاء الدفاع عن كلمة التوحيد ((لا إله إلا الله.. محمد رسول الله)) التي حاربها قومك، فزرعوا في قلب الجزيرة العربية اليهود واستغولوا مستعمرين. لقد أبعدوا أنفسهم عن الخلاف حباً لفلان أو بغضاً لآخر لأنهم في تلك اللحظة كان حبهم لدينهم ووحدة أمتهم.
فانكسر النمساوي يذهب بعيداً عني.. ولقد كنت أراه بعدها لا يقرئني السلام ولا أحتفي به.
استدار الزمان
والبرد في جدة الذي استمر قد أجرى على ألسنة الناس كلمة ((دار الزمان)).. وهم حين قالوا ذاك ذكروني بحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع، فالحديث كما قال صلَّى الله عليه وسلم هو:
لقد استدار الزمان في يومكم هذا كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض..
كان ذلك في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة، الذي غالباً ما يوافق شهر فبراير من سنة 632م.
ذكرت ذلك. فهل أطمع من أساتذتنا في الجامعات أن يكتبوا لنا بحثاً، إن أحبوا أن ينشر في صحفنا أو أفرح بنشره في مجلة ((الدارة)) عن استدارة الزمن، وهل تطرق البيروني وابن حيان ومن إليهما فأوضحوا لنا ذلك؟ وهل في علم الجامعات الآن أبحاث حققت ذلك؟ فهناك أخبار متناثرة عن ميلان المحور وغير ذلك لأن الخبر عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم خبر صحيح، وكم هو جميل أن نفتح به باباً لأساتذتنا أن يضعوا بحوثاً نستنير بها.
صورة:
وكنت في القاهرة وفي الزاوية التي كنا نجلس فيها، في فندق (قراند هوتيل) أقبل رجل أبيض طويل، عليه عباءة سوداء من الجوخ، وقد اعتمّ بعمامة سوداء فجلس في مجلسه أمامي ولم يقرئنا السلام، فأنكرت أن يدخل مسلم على مسلم دون أن يسلم عليه، فأحببت أن أعرّفه وما جرأت على سؤاله، فقمت أمشي كليلاً لأعود إلى مجلسي، فنظرت في الورق أمامه فعرفت اسمه، فقلت تدخل علينا ونحن المسلمين أو العرب فلم تسلم، ألست أنت: رضا الشبيبي، قال: بلى.
ودار الحوار فأقرني على العتب من ناحية السلام، ثم قلت له: ما شأن (نور السعيد)؟ فقال: (قد ملّه الناس) قلت: تلك كلمة قديمة كأنما كانت اعتذاراً عن فعلة أبي لؤلؤة. فضحك وقال: تمثلنا بها وأرجو أن لا تكون من أمثلتها. وهكذا.. أصبحت الفرقة بيننا حتى أن المسلم لا يقرئ أخاه السلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :608  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 942 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج