شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيوعية تحاول تأويل آيات من الذكر الحكيم لصالحه
عقدت الأحزاب الشيوعية الأوروبية قبل بضع سنين مؤتمراً في برلين (أظنها كانت الغربية) كان من أهم المؤتمرات الموسعة التاريخية للأحزاب الشيوعية حضرها معظم قادتهم.. وتوصل المؤتمر إلى قرارات عديدة، نشرت في حينها، وكان من بنودها أن المتدينين بما يتحلون به من عواطف إنسانية وحب للخير قريبون بطبيعتهم إلى الشيوعية ويجب إقامة صلات وثيقة معهم ومع زعمائهم الروحيين أينما كانوا وحيث وجد إلى ذلك سبيل.. وقد قرأت ترجمة نفس القرارات بصورة كاملة في مجلة عربية مصرية.
وحدث بعد ذلك بفترة لم تكن طويلة، أن التأم شمل مؤتمر سري لحزب توده الشيوعي الإيراني في إحدى بلدان أوروبا الشرقية ونتج عن هذا الاجتماع تطور جذري في أسلوب نشاط هذا الحزب إذ تقرر أن يتعاون مع الفئات الدينية المناوئة لنظام الشاه في إيران وتبنى بعض شعاراتها.. وكان (ايرج اسكندري) الأمين العام السابق لهذا الحزب معارضاً لهذا الحزب معارضاً لهذه الفكرة فتم استبداله بمن يدعى (كيانوري) الذي نفذ الخطة بمهارة فائقة ولا يزال يحتفظ بعلاقات طيبة مع الجهات الرسمية في إيران.
وضرب اليسار يدق على نفس الوتر في أقطار أخرى فلبس كثير من اليساريين لبوس الدين أو بعبارة أوضح تظاهروا بشعارات لها صبغة دينية.. وهم باستخدامهم هذا الغطاء يخفون سرائرهم عن الناس لا سيما البسطاء منهم ويتقون اتهامهم بالعمل لمصلحة الأجنبي ويسهل عليهم التستر على خططهم وأهدافهم والتسلل إلى اجتماعات لم يكن من اليسير عليهم طرقها.. حتى المساجد تصبح أبوابها غير موصدة في وجوههم.. وفي أفغانستان جرت نفس المحاولة لكن الحيلة لم تنطل على الشعب الأفغاني لأن التزوير كان مكشوفاً مفضوحاً.
ولا نبالغ إذا قلنا أن المكتبات العربية وغير العربية في الأقطار الإسلامية تحوي اليوم عشرات من الكتب انتهج مؤلفوها نفس النهج الذي أشار إليه الأستاذ زيدان في تحوير مدلول ما طالت أيديهم من التراث لصالح مقاصدهم التي لا تخفى على ذوي الفطنة.
ولا نذيع سراً إن نحن قلنا بأن تلك المحالات لم تذهب أدراج الرياح تماماً وأن عدداً لا بأس به من الشبان والشابات في العالم الإسلامي المترامي الأطراف قد تأثر بتلك الشبهات التي ألقيت عليهم.. واتفق لي شخصياً أن قابلت بعضاً منهم فوجدتهم متحمسين لما ظنوا أنها ضالتهم المنشودة وليس من السهولة بمكان إعادة أمثال هؤلاء إلى الطريق السوي.. ولا بد من بذل جهد متواصل مستعينين بالعلم والمنطق والرفق والصبر.
وصادف أن زرت قبل ثلاثة أشهر صديقاً يقطن ميناء (ساوثامبتون) على الساحل الجنوبي من بريطانيا ولفت نظري في مكتبته كتاب عقائدي لمنظمة يسارية معروفة.. وتصفحته فوجدته يستند إلى آيات قرآنية مما أثار فضولي وجعلني ألقي نظرة فاحصة على الفصول والمطالب التي يشتمل عليها الكتاب فرأيت عجباً.
إن الكتاب شرح الفلسفة المادية الجدلية والتاريخية وآراء ماركس وإنجلز ولينين بطريقة مبسطة يسهل فهمها حتى على طلبة الثانوية ثم يستشهد بآيات عديدة من القرآن باذلاً جهده في تأويلها لدعم تلك الأفكار المادية والشيوعية.
والقارئ الشاب الذي ليس له إلمام باللغة العربية ولا يحمل فكرة واضحة عن مبادئ الإسلام ومراعي القرآن ولا صلة له بأهل الفقه والحديث غير قادر على دحض هذه التلفيقات المنسقة ومقاومة إغرائها.
وهل هناك مطمح أشد حداثة من أمنية الجمع بين الإسلام والشيوعية لفتى يافع ساذج متحمس، يعيش في عالم الأحلام محلقاً بعيداً عن دنيا الواقع؟. إنه مشدود من جهة إلى بيئته الدينية المحافظة بحكم نشأته العائلية والجو الذي يسود موطنه ومسقط رأسه، وهو متطلع من جهة أخرى إلى مستقبل عبق زاهر، عبقري المخبر والمظهر يتناسب مع الأماني الحلوة والرؤى الجميلة التي تستحوذ على عقول أمثاله من الجيل الصاعد وقلوبهم.. وتلفيق الشيوعية مع الإسلام وإن كان وهماً باطلاً لكنه يحل في شطحات الخيال.. كثيراً من المسائل الذهنية المستعصية على الأدمغة الطرية لمثل هؤلاء الشباب.
إن قضية تأويل آي الذكر الحكيم لصالح غايات سياسية واجتماعية وفلسفية تتناقض مع قواعد الإسلام، وهي قضية لها تاريخ طويل يعود أوله إلى آخر عهد الخلفاء الراشدين.. واصطلاح الباطنية وأهل دليل على أن دعاة مبادئ فكرية متطرفة كانوا يدعون أنهم متمسكون بباطن معاني التنزيل وإن شأنهم أعلى ممن كانوا يلقبونهم بالقشريين.. أي الذين يكتفون بتفسير ظاهر القرآن. قانعين بالقشور دون اللب.. والفرق الباطنية والقرامطة كانت من هذه الفرق التي تجاوزت العشرات.. لكن الأمر في أيامنا.. عهد المطابع وأجهزة الإعلام المتطورة الواسعة الانتشار والنفوذ لهو أعظم خطورة وأدعى إلى التأمل والقلق البالغ.
وحين انعقد مؤتمر القمة الإسلامي الأخير في الطائف أخذت أسأل نفسي، هل يا ترى أصبحت الحاجة تدعو إلى أن يفكر قادة المسلمين في الاتفاق على تعريف جامع لكلمة الإسلام لا يأتيه الشك والوسوسة من بين يديه ولا من خلفه؟
ويعهدون إلى الأمانة العامة الإسلامية أو إلى هيئة علمية مسؤولة تأليف كتب باللغات المختلفة وبأسلوب ممتع قريب إلى أذهان عامة الناس لا سيما الناشئين منهم.. ثم تبذل قصارى الجهود لنشر تلك الكتب وتوزيعها في شتى الأوساط والبلدان ولا ريب في أن مواسم الحج والعمرة من أفضل المناسبات لهذا الغرض.
ولعلّه من الغرابة بمكان وربما بدا سخيفاً لدى البعض أن يدعو أحدنا إلى القيام بتعريف الإسلام رسمياً من جديد.. ولكن ما حيلتنا ومئات الملايين من المسلمين غير العرب ليس لديهم إدراك صحيح لمفهوم الإسلام ولا يعلمون من كتاب الله المبين إلا القليل الذي يلقنهم إياه نفر معدود من أصحاب القلم وقادة الفكر فيهم وليس كلهم مؤهلين لحمل مثل هذه الأمانة وصادقين في مقاصدهم ونواياهم؟
وقد يصدق ما ذكرنا على جمهور كبير من العرب أنفسهم الذين نزل الفرقان بلغتهم ممن لم تسمح لهم ظروف حياتهم وأجواء بلادهم الثقافية باكتساب بصيرة كافية بحقائق الدين الإسلامي وتعاليمه.
ومن المؤكد أن المكتبة الإسلامية العظيمة تحوي نخبة من كتب قيّمة تتضمن على خير وجه ما نحن في أمس الحاجة إليه ومن الميسور اختيار بعض منها وإخراجه في حلة قشيبة تتجاوب مع متطلبات الفترة الراهنة ونقل محتواه إلى ألسنة أخرى.
وعسى أن يحظى هذا المشروع بما يستحقه من اهتمام لدى الدوائر الإسلامية المعنية ويقدر له أن يرى النور ليجعل حداً لمعظم الأضاليل التي يروج لها باسم الإسلام والإسلام منها براء ويقطع السبيل على من يستغلون اسم الدين الحنيف لبلوغ غايات في نفوسهم أبعد ما تكون عن الدين وأهدافه، فمئات الملايين من أمة محمد صلَّى الله عليه وسلم هم اليوم عرضة للوقوع في حبائل الطامعين المتصيدين الذين برعوا في تضليل الأبرياء واستخدامهم لمآرب مشبوهة يذكرها الدين وعلينا أن لا ندع أخواتنا وأبناءنا يقعون فريسة في براثن الأعداء وأنيابهم وأن لا نألوا جهداً في تجنيبهم مواطن الزلل والغواية.
ولقد عرضت هذا المقال على صديق قبل إرساله إلى جريدة عكاظ فأضاف إلى ما ذكر بأن كتباً أو كراسات محدودة الصفحات تعطي فكرة واضحة عن الإسلام وقواعده وتعاليمه لها فوائد جمّة كثيرة، وعلى سبيل المثال يمكن توزيعها على الفنادق في المملكة وغيرها من البلاد العربية والإسلامية فيفيد منها على السواء المسلمون ليزدادوا تفقهاً في دينهم وغير المسلمين ليهتدوا إلى حقائق الإسلام. هذا الصديق الكاتب وهو من الأشخاص الذين يقصون أغلب أيامهم في حل وترحال قائلاً إن بعض الفنادق في البلاد الإسلامية دأبت على وضع نسخة مترجمة من المصحف الكريم في كل غرفة من غرفها ولكن هذا لا يكفي لأن فهم آيات الذكر الحكيم إلا لمن يتمتعون بثقافة تعينهم على ذلك ثم إن نزلاء الفنادق بسبب ضيق أوقاتهم وأنهم يكونون على عجل من أمرهم عادة لفي حاجة إلى كتيب يتميز بالإيجاز والشمول والتركيز ليخرجوا من قراءته في مدة قصيرة بتعريف عن الإسلام جامع مانع يقيهم الخلط والتحريف.
والفكرة مطروحة للبحث والمداولة لمن يتفضلون مشكورين بأن يعيروها اهتمامهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :585  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 941 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.