شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نزاريون ويمانيون
وإذا انتسب عربي إلى جد أعلى قال عدناني أو قحطاني، فالعرب قسمان عدناني وقحطاني، وتفرعت من الجد الأعلى قبائل وبطون، ولكن وفي خراسان بالذات وفي الزعزعة الإمبراطورية أمية في دمشق اشتعلت نار الفتنة القبلية بين العرب الذين كانوا جنود الفتح في أرض فارس التي كانت تسمى في ذلك العهد (( خراسان )) إيران والأفغان وحتى التركستان شملها هذا التخصيص أو هو التعميم، فالعرب قائداً ومجاهداً من هؤلاء الفاتحين الذين اشتغلوا في الشرق جد عليهم انتساب آخر لم تعرفه العرب من قبل، ولا يكاد يشمل كل العرب، فإذا هم بعد عهد سليمان بن عبد الملك وقتل قتيبة بن مسلم ونكبة المهلب بن أبي صفرة وموت الحجاج وانحسار الفتح قد شغلوا بأنفسهم.. فالفتح كان ملغياً للقبلية، عرب مسلمون، أو مسلمون عرب قد انضم إليهم مسلمون أعاجم، فانحسار الفتح الساتر قد افتضح به تعصب القبيلة في خراسان، فلم ينتسبوا عدنانيين وقحطانيين، وإنما كانوا نزاريين ويمانيين، فاشتعلت نار الفتنة لا يتعصبون بإسلامهم ولا تعصمهم الإمبراطورية في دمشق.
ذلك أن سليمان بن عبد الملك كان في رحلة جديدة في عصر الإمبراطورية الأموية، كأنما قد ركبته عقدة الذنب من ماضي أمية قبله ومن مركزية عارمة في دمشق لم تأخذ منها اللامركزية التي منحت للحجاج ومن إليه، فالحجاج قائد أبيح له التصرف وألزم بأن يكون كل تصرف منه أو كل قائد عنه يجب أن يكون العلم به لدى الإمبراطور في دمشق، سواء كان عبد الملك أو الوليد ((ومات الحجاج قبل سليمان، وقتل قتيبة، ونكب سليمان المهلب بن أبي صفرة، فانفرط حبل القومية العربية في الشرق، فإذا المسلمون العرب الفاتحون أضحوا نزاريين ويمانيين، فاشتعلت الشعوبية التي ما كانت إلا رد فعل لطغيان القومية العربية التي بلغت القمة في عهد المروانيين قبل سليمان)).
فإذا الشعوبية تصبح قبيلاً ثالثاً في خراسان تتناوم وهي في صحو، وتنحاز إلى نزاري حيناً وإلى يماني حيناً، كل ذلك جر سليمان حين أفرغ خراسان من عواصم العاصمة.. فالكوفة بالحجاج كانت عاصمة العاصمة، والمهلب بن أبي صفرة كان في خراسان عاصم العاصمة، فقد فتك الأزارقة من الخوارج، وقتيبة في مرو وهو القائد النجيد فاتح الشرق كان عاصم العاصمة، ومحمد بن قاسم الثقفي في السند كان عاصم العاصمة، فلما أن فتك سليمان بهم - أعني بالمهلب ومن إليه ومحمد بن القاسم ومن إليه - قد حرم الإمبراطورية من عواصمها، فرجع العرب إلى القبلية.
وقد كانت القبلية في خراسان عوناً للشعوبية وهدنة من الخوارج، ولكن لماذا انتسبوا إلى نزاريين ويمانيين؟
هنا مربط الفرس أو بيت القصيد.
فما أحسبهم إلا أرادوا أن يخرجوا قبائل قحطانية لم يكن منها أحد في خراسان قائداً أو فاتحاً أو مجاهداً ((فالنسبة إلى اليمن قحطانية ولا شك، ولكنها أخرجت قحطانية الشام لئلا يكون حظ في هذه الجولة أو في ما سبقها من جولات لغساني أو بهراني أو كلبي، وهم القحطانيون في الشام، كأنما النسبة إلى اليمن قد فصلت قبائل الشام عنها وانفصلت هي عنهم، لأنهم لو قالوا قحطانية لشملت الجميع)) وهذا الإعلان أو الانتساب فيه الشذوذ كل الشذوذ عن عرش الإمبراطورية في دمشق، وعن القبائل كلها في الشام.. لأن قبائل الشام كانت حرص الإمبراطور وحماته، فشغلوا بذلك عن أن يكون منهم القادة أو المجاهدون الفاتحون، كأنهم سجلوا على التاريخ ما انتقصوا به القحطانيين في الشام.
أما الانتساب إلى النزارية فهو انتساب إلى العدنانية لا يفصل منها أحد، فنزار هو الأب لمضر الحمراء وربيعة الفرس.
أما البقية من أبناء ((معد)) فلم يبتعدوا بل أحسبهم قد دخلوا إلى النزارية، وقد كانوا قلة إذا وضعنا الصحيح في أن ((قضاعة)) قحطانية ليست معدية، أما إن كانت قضاعة بن الحاف بن حمير، تعد من ((معد)) فإن هذا الخطأ في النسب يكثر القحطانية التي أبعدوها لأن ((قضاعة)) تشمل(( جهينة)) و ((بلى)) و ((أسلم)) ((بهراء)) و ((كلب)).
إن هذا الانتساب الذي حصر وأبعد دلنا على هزيمة التاريخ في العرب أيام سليمان، وعلى اعتزاز التاريخ بهؤلاء العرب الذين فتحوا الشرق فأذلهم سليمان كما أذل فاتحي المغرب موسى بن نصير وطارق بن زياد، فإذا الإمبراطورية قد فقدت قادتها وأضحت بلا عواصم لها. فالكوفة كما قلنا كانت أيام عبد الملك وحتى في أيام معاوية، سواء بقيادة الحجاج و قيادة زياد بن أبيه، عاصمة العاصمة، كالفسطاط فقد كانت في الغرب هي عاصمة العاصمة تسير منها جنود الفتح حتى وطأة عقبة بن نافع على بحر الظلمات، وحتى قفزة موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى الأندلس.
إن سليمان بن عبد الملك لم يعجبه الماضي فأراد أن يصنع حاضراً بالانتقام من القادة الذين كان يشعر بأنهم من الظالمين، بينما هم وبما ظلموا كانوا الفاتحين وأراد سليمان بن عبد الملك أن ينتقم من المستقبل فاهتدى إلى أن يولي ((عمر بن عبد العزيز))، رحمه الله، بعده. فإذا العرش في أمية يكاد يهتز، وإن كانت الطمأنينة في المشرق والمغرب قد سعدت بها الشعوب، وتعس بها القادة، وشق على المروانيين عدل عمر بن عبد العزيز، وكان انتقام سليمان من الماضي وتحديد صورة المستقبل بعمر بن عبد العزيز هو البداية لاهتزاز عرش أمية في الشام بالذين جاءوا بعد عمر بن عبد العزيز، وقد حاول هشام أن يكون كأبيه، فإذا الإمبراطورية تستقيم أمورها بعض الوقت حتى إذا انتهى هشام بالموت بدأ دبيب الموت في عرش أمية.
فالعلويون والعباسيون قد احتضنتهم خراسان وامتد نفوذهم فيها حيث اعتنقت الشعوبية التشيع، فإذا عرش أمية ينهار وإذا العباسيون أباطرة المستقبل.
فلولا أن افترقت كلمة العرب في خراسان، نزارية ويمانية، لما استغلت الشعوبية ولما انتصر التشيع ولما نال بنو العباس أن يكونوا الأباطرة يقتلون الأمويين بالجملة، ويقتلون كل علوي ثار عليهم، فإذا الأعاجم هم السادة وإذا العرب ينحسرون، منهم من عاد إلى جزيرته ومنه من بقي ليستعجم في خراسان بلا حول ولا طول.
يتضح من هذا أن قائد الفتح في عهد الخلفاء الراشدين وفي كل عهد بني أمية لم يكن إلا من أبناء هذه الجزيرة، وإن المجاهد تحت قيادتهم لم يكن إلا من أبناء جزيرة العرب ومن قبائلها، فالحجاج ومحمد بن القاسم والمهلب بن أبي صفرة الأزدي وقتيبة بن مسلم كلهم من قبائل جزيرة العرب، نزاري ويماني، وكذلك الفاتحون في المغرب والمجاهدون كلهم من ولد جزيرة العرب، فعبد الله بن أبي السرح، وقبله عمرو بن العاص، وعقبة بن نافع الفهري، وموسى بن نصير ومولاء طارق كلهم من هذه الجزيرة حجازيون ونجديون ويمانيون أي نزاريون ويمانيون.
ويعني ذلك أنه لم يكن من قادة الفتح أحد نال الفتح العظيم إلا من هو من أهل هذه الجزيرة، حتى يزيد بن معاوية في حصار القسطنطينية وحتى مسلمة بن عبد الملك في حصار القسطنيطينية أيضاً لم يكن كل منهما إلا من أبناء البطحاء وإن كان دمشق المولد، فهو مكي العرق.
وما أريد من ذلك إلا التذكير ليعرف أبناء وحدة الكيان الكبير أنهم مدعوون لأن يكونوا في التحرك الجديد على نهج ما بهم تقل الرايات السود كما هو في الحديث يحملها أبناء هذا الكيان في عهد قريب كما حملها الباء والأجداد.. فكل ما أرجوه أن لا نكون قبليين، وما أحمد الله عليه هو أن قبائلنا في هذا الكيان الكبير لم تعد ذات تأثير على وحدة الكيان الكبير فالأنساب العالية أصبحت تعتز بالوحدة والانتساب لغير النسب هو ما أخشاه وأحذر منه وما يوم حليمة بسر!.
الولايات المتحدة وإسرائيل
بدأت أصدق الأخبار التي تقول إن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد وصل إلى حد بعيد، تذيعه الولايات المتحدة ومناحيم بيجن يهز أكتافه يعترف بالخلاف، ولكنه يقول إن إسرائيل لا تقلق من هذا الخلاف فسيحل بالمفاوضات.
فالعبارة المهذبة من بيجن في إعلان هذا الخلاف لا تعني إلا كلمة ((لا أعبأ بهذا الخلاف)). ولا أدري كيف تصبر الولايات المتحدة هذا الصبر كله على إسرائيل.
حتى ليشك بعض الناس أن إعلان الخلاف ما هو إلا جرعة مخدرة للعرب. غير أني وقد أصبحت الولايات المتحدة في مواقف كثيرة لا ترضيها من حلفائها ومن الاتحاد السوفياتي ومن الصين وحتى اليابان لا بد وإنها تسد هذه الثغرة التي فتحت شقة الخلاف بين الولايات المتحدة وأصدقائها من العرب الذين صبروا كثيراً.
إن الولايات المتحدة تملك أن تخضع مناحيم بيجن بإعلانها منع العون له وتحذيره من استعمال سلاحها في العدوان لتعطي مندوبها فيليب حبيب قوة الولايات المتحدة التي يعبث بها مناحيم بيجن.
إنه لم يغز لبنان إلا بالضوء الأخضر الأمريكي، أفليست الولايات المتحدة تملك الضوء الأحمر، إذا أرادت الولايات المتحدة أن يصدق العرب هذا الخلاف وأن يقتنعوا بالمبادرة أن تحيل الكلام إلى عمل؟
صورة:
والعجز يرتد إلى الصور، فقد سأل عبد الملك بن مروان الإمام ابن شهاب الزهري عن الذين يسودون الناس في الأمصار، فذكر له الأئمة من الموالي.. عطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومسروق، ومكحول، والضحاك، والحسن البصري، فكلما ذكر اسم واحد من هؤلاء قال عبد الملك.. أهو من الموالي أم من العرب؟ فيقول له ابن شهاب من الموالي: فيضيق عبد الملك القومي العربي ولما ذكر له اسم إبراهيم النخعي في الكوفة قال له: لقد شرحت صدري أو فرجت عيني، ليسودن الموالي على العرب، وليخطبن باسمهم على المنابر، ليكون الموالي فوق والعرب تحت.
وقد كان حين فعل ابنه سليمان ما فعل. فقام تلك الموالي بالعباسيين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :605  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 940 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج