شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أسقطوا مَاك أرثَر وأقاموا يبجين!
ـ وليس هناك حدث جديد لأن الأحداث تتتابع كأنما الحدث القديم إن لم يكن شبيهاً بالجديد فهو باعثه أو هو الدافع إليه، سواء كانت تبعية الحدث الجديد للقديم عليها طابع السلب أو بصمة الإيجاب.. فالأحداث التي تعيشها فلسطين الآن بل والعالم العربي كله، وبالأخص شرق السويس، تدفعني لأن أضع المقارنة على صورة المفارقة بين الجنرال ماك آرثر وبين مناحيم بيجين، من ناحية العلاقة الأمريكية التي أسقطت ماك آرثر وأقامت بيجين.
إن الجنرال العظيم ماك آرثر كان النصر للولايات المتحدة في الشرق الأقصى، كما كان الانتقال الأمريكي من اليابان. أعطى الولايات المتحدة أن تكون السيدة الأولى في الشرق الأقصى حين أجهزت على الاستعمار بالإلحاح، بل وحين أسقط الإمبراطوريتين.. فرنسا وبريطانيا.. والسبب الأول في بروز الإمبراطوريتين الجديدتين.. إمبراطورية البيت الأبيض وإمبراطورية الكرملين فإن اليابان وعن طريق ماك آرثر أقامت النفوذ الكامل لإمبراطورية البيت الأبيض في الشرق الأقصى، التي أخذت منها حرب فيتنام الكثير من النفوذ الأمريكي يستحوذ عليه نفوذ الاتحاد السوفياتي.
إن ماك آرثر كان القائد المطلق السراح لا يقوده البيت الأبيض على عكس الجنرال إيزنهاور، فقد كان إيزنهاور مقوداً لسياسة البيت الأبيض التي أعطت للاتحاد السوفياتي أن يكون قوة تنافس الولايات المتحدة..
إن سياسة الولايات المتحدة وحين أسقطت الجنرال ماك آرثر قد وضعت أمامنا الطعم نبتلعه، فاعتقدنا أن إسقاط قائد النصر قد استحال إلى الإمبراطور الأبيض يستذل اليابان بعد أن هزمها، كان عملاً مثالياً أخلاقياً.. ولكن الأحداث حين تكشفت أعادتنا إلى اليقين بأن السياسة ليست أخلاقاً.. فالولايات المتحدة أرادت لليابان أن تعود إلى قوتها من سياسة حفظ التوازن في الشرق الأقصى، قوة تنافس الصين وقوة للولايات المتحدة لحجز الاتحاد السوفياتي.. تلك حنكة سياسية من الولايات المتحدة، تركت لليابان أن تكون قوة، وحجزت الاتحاد السوفياتي لينتظر كما هي نظرة الولايات المتحدة إلى التغييرات الجديدة في الصين.
تلك سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأقصى، انتصرت أول الأمر وجرعتها عقدة الفيتنام أن تكون غير كاملة النفوذ في الشرق الأقصى.. فلولا بقاء اليابان على صداقتها لانتهى نفوذ الولايات المتحدة من شرق آسيا كله.. فحين أسقطوا الجنرال ماك آرثر قد استحوذوا على حسن الظن فيه أم هم قد استحوذوا على منطق السياسة الحكيمة، حتى أن الشعب الأمريكي والكونجرس قد ودعوا الجنرال ماك آرثر بالدموع.. واليوم يودعون أنفسهم في الشرق الأقصى تحت ضوء الشموع لا تنفع معه الدموع.
وفي أوروبا جعلت الولايات المتحدة من الاتحاد السوفياتي قوة لحفظ التوازن في أوروبا، ومع اليابان ومع الصين.. فكذبة كبرى أن نظن في هذه المنافسة بين الإمبراطوريتين عداوة تصرخ منها الصواريخ.. بل إنها الصداقة المستترة تبعث الخوف في العالم ليكون كله منطقة نفوذ لهاتين الإمبراطوريتين.
إن الولايات المتحدة كانت قادرة على أن ترجع الاتحاد السوفياتي إلى حدوده الإقليمية، ولكنها لم ترد ذلك لأنه يلزمها بالجلاء عن أوروبا الغربية، فأصبحت أوروبا قسمة بين الإمبراطوريتين.. ذلك أن الجنرال إيزنهاور ومن معه، وحتى تشرشل واتلى، كلهم قد انقاد لسياسة حفظ التوازن في أوروبا فرضتها الولايات المتحدة حين أمدت الاتحاد السوفياتي بكل القوة.. فهذه الحكاية وفي هذا الخبر تقول إن الزعيم المرشح في انتخابات الرئاسة ((ويندل ويلكي)) قد زار ستالين، يتعرف على حاجة الاتحاد السوفيتي إلى العون.. فقال لستالين:
ـ ((إني أرى بينكم كثيراً من الحفاة يحتاجون إلى الأحذية، أفلا يمكن أن نمدكم بكميات من الأحذية؟)).
ـ ((نعم، نحن في حاجة إلى الأحذية. لكن لا نريدها مصنوعة منكم، فلدينا كثير من الجلود، كثير من المواد.. أرسلوا إلينا الماكينات لنصنع الأحذية)).
وأرسلوا الماكينات وأرسلوا التكنولوجيا لتكون إمبراطورية الكرملين وسيلة تستحوذ بها الولايات المتحدة على نصيبها من قسمة العالم..
إن هذا الاستطراد أطرح به سؤالاً وهو:
ماذا أرادت الولايات المتحدة بهذا الموقف من إسرائيل، تأييداً وعوناً، حتى أعطتها السلاح المحرم، وأباحت لها أن يكون بيجين في الشرق الأوسط أقوى من ماك آرثر في الشرق الأقصى؟!
إن الولايات المتحدة قد استحوذت على ساحل البحر الأبيض الجنوبي كله، أي شمال إفريقيا وشمال غرب آسيا، كما استحوذت على الكثير من الشرق الأوسط، بالصداقة التي كثيراً ما تتعثر بهذه العلاقة الأمريكية مع إسرائيل.. إن كل ما أرادته من إسرائيل قد حصلت عليه، فهل لا زالت بقية تريدها الولايات المتحدة؟
لعلّ البقية قد ظهرت بأنها الاستنزاف لثروات الشرق الأوسط، حيث أصبح بيجين سمساراً، يشتري العرب السلاح للوقاية منه.. وحين يشن بيجين حرباً على العرب تمنع الولايات المتحدة أن يستعمل العرب السلاح الذي اشتروه منها للدفاع عن أنفسهم، كما هو صنيع الاتحاد السوفيتي، على هذه الصورة.. ويعني ذلك أن أمام بيجين الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء، وأمام العرب الضوء الأحمر يمنعهم من استعمال السلاح ضد إسرائيل.
فالحصيلة من ذلك كله أن إسرائيل فرقة في الجيش الأمريكي وهي في الوقت نفسه داعية التفريق بين العرب ليكون عملها عمل فرقة من الجيش السوفياتي!!
حقوق الإنسان
إن غرب أوروبا والولايات المتحدة قد زعمت لنفسها أن تدافع عن حقوق الإنسان، وقد برز ذلك في بولندا من أجل حماية حقوق الإنسان البولندي، مع أن الحكومة البولندية وإنسان بولندا بولنديون، تبدل النظام وكانت الأحكام العرفية فأصبح هذا في نظر أوروبا الغربية والولايات المتحدة ظلماً على الإنسان وإهداراً لحقوقه.
إن اليهود في هذه الأعوام الطويلة كلها قد أجحفوا بحقوق الإنسان إجحافاً مرهقاً.. احتلوا الأرض وشردوا الإنسان وقتلوه وأغلقوا الجامعات، وغزوا لبنان، فأحدثوا المجازر. كل ذلك إهدار لحقوق الإنسان وطغيان عليها، فإذا أوروبا والولايات المتحدة يمتنعون عن التصويت الذي ندد بإسرائيل.. ذلك أن لجنة حقوق الإنسان العالمية قد أصدرت قراراً يندد بإسرائيل فإذا الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية يمتنعون عن التصويت..
إن الامتناع عن التصويت لن يكون حياداً، وإنما هو الموافقة على ما فعلت إسرائيل.. ويعني ذلك أنهم قد أهدروا حقوق الإنسان حين يوافقون على ما تفعل إسرائيل..
ومعروف أن أي قرار لا تعبأ به إسرائيل، ولكن عدم التصويت من هؤلاء أعطى إسرائيل قوة الرفض لهذا القرار.. فهل هناك مفارقة أكثر من هذه؟ وهل هناك وصمة تاريخية طبعت بالسواد ليس على تاريخ إسرائيل وحدها وإنما على تاريخ هؤلاء الذين أتخمونا بالتصريحات بينما هم يحرمون علينا تنفيذ القرارات من هيئة الأمم، فأين إعلان البندقية وأين الموقف الأمريكي؟!
لقد ذهب كل ذلك مع الريح، بل إن جائزة السلام التي منحت لبيجين قد أعطته إجازة الحرب.. كم هي الدماء التي تلوثت بها يده.. ومع هذا منح جائزة السلام..
لقد كانت جائزة السلام إكليل عار، فأصبحت وصمة عار سقطت بها جائزة نوبل.. حتى أن الجوائز الأخرى قد اهتزت فلم يعد لها التأثير الذي كان.. كل تأثيرها أنها لم تعد فخراً لحاملها، وإنما أصبحت دولارات ينتفخ بها الجيب ويتورم بها القلب بالحقد والعار..
* * *
عن الضفادع!!
وتلفن إليّ الصديق الكريم محمد بن عذل يسألني عن هذا البيت وعن الكتاب الذي ورد فيه، فقال إنه في ((سقط اللآلي)) للعصامي.. وأنشد البيت ينسبه لابن ذئبة بن يا ليل:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت
فدل عليها صوتها حية البحر
وشغلت بالبحث وكنت أحسب أن كتاب العصامي عندي من ذلك التوزيع الذي يتحفنا به الشيخ الأفندي محمد حسين نصيف يرحمه الله، إذ وثق طابع الكتاب جعله وقفا الشيخ علي بن ثاني يرحمه الله، فلم أجد الكتاب عندي.
وما تناومت عن البحث.. تلفنت إلى أستاذنا ((أبو تراب)) فجاءني بالخبر اليقين، إن هذا البيت لم يوجد في ((صمت النجوم العوالي في أخبار الأوائل والتوالي)) تأليف العصامي المكي، يرحمه الله، وإنما هو موجود في ((صمت النجوم اللآلي، أمالي الإمام أبي عبيد البكري)) منسوباً لابن ذئبة.. وتعقب الأستاذ أبو تراب ذلك ليمحص هذه النسبة، كما هو يجد الأستاذ الكبير العلامة الشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي قد حقق أن هذا البيت للأخطل وليس لابن ذئبة من قصيدة تحتوي على خمسين بيتاً موجودة في ديوانه، ومنها هذه الأبيات:
ألا يسلمي يا هند هند بني بدر
وإن كان حيان عدي آخر الدهر
وإن كنت قد أقعدتني إذ رميتني
بسهمك والرامي يصيب وما يدري
أسيلة مجرى الدمع أما وشاحها
فجار وأما الحجل منها فما يجري
إلى أن يقول:
تنق بلا شيء شيوخ محارب
وما خلتها كانت قريش ولا تبري
ضفادع في ظلماء ليل تجاورت
فدل عليها صوتها حية البحر
وساق أبو تراب حواراً في قصة أوردها الدميري في كتابه ((حياة الحيوان)) وهي:
((دخل رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلالي عامل أرمينية وقد بات على قرب من غدير فيه ضفادع فقال عبد الله)):
ـ ما تركتنا شيوخ محارب ننام هذه الليلة لشدة أصواتها.. يعني قول الأخطل المذكور..
فقال المحاربي:
ـ أصلح الله الأمير، أو تدري لم ذلك؟
قال:
ـ ولم؟
ـ لأنها احتلت برقعاً لها فهي في بغائه..
أراد قول الآخر:
لكل هلالي من اللؤم يرفع
ولابن هلال برقع وقميص
أين هلال وأين محارب؟ لقد فرغت منهم جزيرة العرب إلا بقية من هلال في وادي الصفراء.. أما محارب وأختها أشجع فهناك قول لبعض حفاظ التاريخ أنها قد انتزعت في بني رشيد وهم أكثر ما في الحرة.. حرة خيبر.. كان ذلك حين عضتهم قبائل الشمال وأعمل القتل فيهم العباسيون فقد تغيرت أسماء ونزحت قبائل..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :825  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 937 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.