شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أدب المكسرات
واستقرأت ما كتبه رئيس تحرير جريدة ((الرياض)) تركي عبد الله السديري عن الأستاذ عبد القدوس الأنصاري يرحمه الله، فإذا بي أعجب به، وأكرب منه. فالطرب كثيراً ما يكون اغتيالاً للوقت، والكرب كثيراً ما يكون حياة لسرمدية الزمن. وكيف كان ذلك؟
لقد كان حين قسم الكم في الأديب والكيف عند الأديب إلى قسمين.. أدب المكسرات، وأدب البحث. فالإعجاب طرحه هذا التقسيم، والكرب فعله هذا التقسيم ولست - وأنا من المعجبين - أضع نفسي في منطقة الكرب.
إن الأدب والأديب هما دائماً صانعا المكسرات والهدايا من المكسرات. فالأدب ليس بحثاً، والأديب ليس باحثاً، العالم هو الباحث والعلم هو البحث، ولقد كان سبقنا - أنا وتركي السديري - العلامة عاشق اللغة الشاعر إسعاف النشاشيبي فوضع بدلاً عن اسم المكسرات اسماً آخر أو هو الاسم الأول للمكسرات في لغتنا الشاعرة، لغة الأباطرة في الصالونات والمترفين في الباهات والعاشقين في الزوايا إذا ما اختبأوا أو على غدير البنات أو على عدوة ((العقيق)) أو في إحدى الردهات، فلم يقل إسعاف المكسرات وإنما قال ((النقل)) بضم النون والقاف، يكتب مقالات في ((الرسالة)) تحت عنوان ((نقلُ الأديب)). يتنقل بها من طرفة إلى طرفة، يضع التليد أمام الوليد، وليس غريباً أن يبقى هذا الإسم باقياً على أصله في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة، فبائع المكسرات يحمل اسم ((النقلي))، أي بائع النقل، كأنه قد امتد بنا عرْقٌ تحت ظلام تلك الشجيرات في وادي ((وج)) ووادي ((العقيق)).
إن الأديب لا يمكن إلا أن يصنع المكسرات، فلو زرعناه باحثاً لأسقطنا عنه كلمة ((الأديب)) فالجاحظ في ((البخلاء)) وفي ((البيان والتبيين)) تنقل بنا من طرفة إلى طرفة وحتى حين كتب عن الحيوان أحال البحث إلى أدب. وقد يكون الأدب حلية الباحث، ولكنه لن يكون حيلته، ولا حولة ولا طوله.
وهل الصحافة، ومنها جريدة ((الرياض))، إلا موائد نُقُل؟!
وما كان لي أن أقول ((موائد))، ولكني احترزت من غضب الصحافة فلم أقل ((معالف نقل)) فالأحداث التي تحيط بالأدب والأديب قد جعلته مرهف الحس، أبعدته عن تقبل الحوار، عن السماحة، وإن لم يفقد الرجاحة. فالحوار يصنع المكسرات التي قد لا توجد في مقلاة الحمص واللوز ودجاج البر، لأن الحوار يأتي بالجديد، ولو كان من المعلبات التي لم نستحِي يوماً ما فنشتري معلبات التمر ونحن أهل التمر، معلبات ((اللوز البحري)) ونحن أهله، وعريكة الفول السوداني المعلبة في أمريكا ونترك هذا النقل وهو من نبات النيل.
أنا لست غاضباً ولا متعباً من أن أكون أديب مكسرات، فقد أرضاني الكاتب حيث وضع الأديب والأدب على الطريق، فعلى أقل تقدير أنه قد جعل منا تحفة لا تمزقنا الهدايا، وإنما نحن نلتئم مع الهداية.
فالهوى والشباب والأمل المنشود ضاعت جميعها من يدي، كما هو قول بائع المكسرات الأخطل الصغير بشارة الخوري، فهل أضع التكملة أمام القارئ نُقُلاً يتفكه بها حين تكرب من أحداث الوقت ليبقى مع مسيرة الزمن؟!
فبشارة الخوري قال أبياتاً غناها محمد عبد الوهاب:
الهوى والشباب والأمل المنـ
شود توحي فتبعث الشعر حياً
والهوى والشباب والأمل المنـ
شود ضاعت جميعها من يديَّا
لم يكن لي غد فأفرغت كأسي
ثم حطمتها على شفتيا
أأنا العاشق الوحيد لتلقى
تبعات الهوى على كنفيا
ما أحلى أيامنا التي مضت. يوم جاءت هذه الأغنية أسطوانة واحدة، سمعناها في يوم واحد سبع عشرة مرة ونحن على حافة ((العقيق)).
فسكرنا سُكْرْين: سكر غرام ورحيق يحل عقد النطاق.
لماذا المفاوضات؟!
تمنيت أن يتم الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والعاهل الأردني، فعلى أقل تقدير صعب الوصول إلى النتيجة ((تحرير فلسطين)) حين سلكنا الطريق المستقيم، الذي لا زالت منظمة التحرير تتشبث به، فلماذا لا نسلك طريقاً فرعياً هو إجراء المفاوضات مع الولايات المتحدة ما دامت الولايات المتحدة تريد ذلك؟ لا لنطرح عليها فهماً جديداً، وإنما لنضعها أمام واقعها الذي خاطرت فيه بسمعتها، حتى أن إسرائيل لم تفعل شيئاً طغت به على العرب إلا بعلم الولايات المتحدة بل وبعملها، حين نضعها أمام واقعها فإننا نكسب ولو طوقنا بالخسارة. فإما أن تكون الولايات المتحدة صادقة في صنع السلام أو أن كل مطلبها هو السلامة لإسرائيل، ولا شأن لها بالعرب. حينئذ يصبح اليأس منها مكسباً، يعرف العربي فيه قبل الفلسطيني أن واقعه الآن من هذه الفرقة هو الذي يجعل إنسانه وأرضه نهباً للطغيان حتى الإبادة.
أقول لماذا المفاوضات؟ فإذا ما أصبح الرئيس ريغان جادا فإن لديه قرارات مجلس الأمن، في إمكانه أن يصر على تنفيذها، يرغم إسرائيل على ذلك ويكسب الأكثرية في العالم العربي.
إن المفاوضات يراد منها أن تفرض على الفلسطينيين، وقد عز الافتراض يوضح أن إسرائيل تقبل المفاوضات.
إن مبادرة الرئيس ريغان ليست إلا شرحاً للشق الثاني من إطار ((كامب ديفيد)) ولست بهذا أضع منظمة التحرير في موطن الصواب مائة في المائة، وإنما لنضع الخطأ ولو بنسبة أقل على الإفراط من الولايات المتحدة والتفريط من كل العرب بهذه الفرقة وبهذا الشتات.
إن إسرائيل تملك التأييد الفعلي من كل الأطراف التي تعطي العرب الكلام ولا تعطيها الفعل.
إن الذين يرفضون المفاوضات من غير الفلسطينيين لم يكونوا الرافضين لها إلا بضغط من غير العرب، فقضية فلسطين بين المطرقة والسندان، أعني بين الإمبراطوريتين، كلاهما يريد الاستحواذ على الأمة العربية عن طريق إسرائيل، فكلهم حرب على العرب، والعرب حرب على أنفسهم!
صورة:
متعة أن ترى الجمال، وشقوة أن لا يراك الجميل، ولكن المزيج من المتعة والشقوة يصنع لك متعة جديدة، فالشقوة ألم، والألم متعة حين تمتد به الذكرى إلى بعيد.. من رؤية هذا القريب الذي تكلم أمامك فإذا وجناته تضحك، وإذا عيناه تبتسم وإذا أنت تسير على عكازك قوياً عضل نفسك، يشتد به عضل جسمك.
ما سألتها ولا سألتني، وما عرفتها ولكنها عرفتني، فالمعرفة منها زادت المتعة متعة، وملأتني شقوة حين ضاعت فلا أراها مرة أخرى، وإن كانت ماثلة في الرؤية الحالمة.
* * *
في القاهرة تذكروا إبراهيم عبد القادر المازني، صديق العقاد، ومن ميزاته أنه لم يكن مسخراً لحزب، وإنما هو سخر مجلة ((السياسة)) الأسبوعية ميداناً لقلمه.
قلت مرة لحمزة شحاته: سننسى المازني، لأنه كاتب مصري بحت ليس كالعقاد، عربي مصري أو مصري عربي، قال: وسننسى الكثيرين.
ولكني وإن نسيت العقاد كاتباً فلم أنس له أن مجيئه مع خير الدين الزركلي وأحمد زكي باشا لا يسأل عن موقف القصر مع المملكة العربية السعودية، فقد جاء وهو المصري يحضر الاحتفال بذكرى جلوس الملك عبد العزيز تغمده الله برحمته في يوم السابع عشر من شهر الجدي عام 1349هـ.
لم يسأل إلا عن الوفاء بصحبة صديقه خير الدين الزركلي يرحمهما الله، فمن الوفاء له أن نذكره بخير ولو على طريقة أذكروا محاسن موتاكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :632  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 936 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .