شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أخلاق السراة ((الجنتلمان))!
استقال اللورد (( كارنجتون )) من وزارة الخارجية البريطانية، لأنه قد خضع لتهمة الفشل.. يتنادى الشعب البريطاني، يقول له: (( عد إلى بيتك أيها اللورد )) .
وليست استقالة هذا الوزير خبراً يمر دون تعليق يضع التاريخ لسمعة التاريخ، فلئن كانت استقالة هذا الوزير هزيمة شخصية له، كما هي الصورة الظاهرة، فإنها في الوقت نفسه الانتصار له. لقد كانت هزيمة الفعل، فأعطته الاستقالة انتصار الخلق.. خلق ((الجنتلمان))!
وأي خلق أسمى من طاعة الشعب!.. يخضع لهذه الطاعة وزير منح ثقة الشعب، ومن حق الشعب أن ينزع هذه الثقة، إذا ما ركب الفعل المنهزم كاهل الشعب البريطاني، فحين غزت الأرجنتين مستعمرة بريطانية لم يتحمل الشعب البريطاني هذه الهزة، تنال من بقية الهيبة البريطانية.
إن انتصار الخلق في الشعب البريطاني قد جاء على صورتين:
ـ الصورة الأولى: إذا ما بلغ سياسي قمة النجاح، وأعطى لشعبه النصر العظيم، قالوا له: ((عد إلى بيتك أيها الدوق)) فقد كان الدوق ((ولنجتون)) قد جاء عائداً إلى وطنه يحمل النصر على نابليون، وهذا النصر بعد هزيمة ((الأرمادة)) هو الذي أعطى لبريطانيا ((ملكاً يطاول ملك الشمس)).. لكن الشعب يخشى التفوق لقائد انتصر هذا الانتصار، فتأخذه رغبة من نشوة النصر إلى أن يطغى على الدستور، أو ينحرف بالمؤسسات الديمقراطية.. فإذا الدوق يطيع فيخضع التاريخ أن يدّون ما سبق له من فعل كبير، ونصر عظيم، وليس لتاريخ بريطانيا حاجة في أن يبقى هذا القائد يتسرمد به زمنه، لأن الشعب البريطاني، ولأنه هو أيضاً يخشى كل منهما أن يخطئ هذا القائد، فإذا تاريخه المجيد قد لطخته الخطايا، وهم لا يريدون، كما هو لا يريد إلا أن يبقى المجد ناصع البياض، بلا نقاط سوداء!
وكذلك - وعلى هذه الصورة - ما تصرف به ((مستر بالدوين)) رئيس حزب المحافظين، وقد كان رئيساً للوزراء، فاقتحم الأزمة، وتلك هي التي حدثت يوم أنكر الشعب البريطاني على الإمبراطور ((إدوارد الثامن)) أن يتزوج امرأة مطلقة من زوجين ((مسز سامبسون)).. أمسك بالأزمة حتى استقال الإمبراطور من العرش ((لأنه لا يستطيع أن يقوم بأعباء الحكم دون معونة المرأة التي يحبها)) وحين تم ذلك عاد إلى بيته ((مستر بالدوين)) فقد توج تاريخه بعمل عظيم.. حدد نوع العظمة فيه: الشعب البريطاني!
لقد استقال ((بالدوين)) لأنه يخشى أن يتعكر تاريخه بعد هذا الفوز.
ـ أما الصورة الثانية: فتأتي من موقف الفشل - يقع فيه زعيم - كما ((تشرشل)) بعد هزيمة الأسطول البريطاني في حرب الدردنيل، فقد توارى ((تشرشل)) حتى أجبرت الحاجة الشعب البريطاني لمقاومة هتلر أن يصفق في الشوارع (لقد عاد ونستون).
كما هذه الصورة في استقالة ((لورد كارنجتون)).. فشل فتخلى يفتح الطريق للذي يستطيع أن ينقذ بريطانيا من هذه الأزمة.
إن ((كارنجتون)) لا بد وأنه تصرف بأسلوب بريطاني قديم كأسلوب نواب الملك في الهند، كما أسلوب ((كرومر)) و ((كليرن)) في مصر.
لقد انتهى زمن العجرفة.. كان ذلك يوم كانت الكلمة (إن هذا لا يرضي بريطانيا) أقوى من قطع الأسطول التي تمخر البحر.. تذهب إلى معركة مع الأرجنتين!
وبقيت الملاحظة في ما جرى في العالم العربي: فلو أن ((عبد الحكيم عامر)) بعد جريمة الهزيمة للوحدة قد عاد إلى بيته، لربما أن نكسة 67 لم تكن على الصورة، لكن ليس في طبعنا أن يتخلى الناجح إلى غيره حين يخاف على نجاحه من الفشل، وأن يتخلى الفاشل إلى غيره لئلا تستمر نكسات الفشل.
وكم كنت أتمنى لأنور السادات، وسعد الدين الشاذلي أن يسلكا هذا المسلك حين وصلا إلى قمة النجاح، فحاز كل منهما نصر العبور. كنت أتمنى لأنور السادات بعد نصر العبور أن يعود إلى بيته، كما عاد ((الدوق ولنجتون))، فلو فعل ذلك لما تجرع الحسرات وهو حي، وقتلته الرصاصات.. يموت، فسجل عليه قاتله الفشل، فلقد أضاع النجاح حين استمر في السلطان، يتعثر سلطانه في ما عده الشعب فشلاً وجوراً لم يعد في طاقته أن يتحمله.
أما سعد الدين الشاذلي، فلو عرف نفسه واحترم مجد الانتصار، وحصن السمعة التي كانت كل مجده في الأمة العربية لعاد إلى بيته جنديًّا متقاعداً ولكنه أخطأ حين قبل الوظيفة، فضاعت سيادة الجندي في عبودية الموظف، وأضاع وطنية الجندي في هذه المواقف التي ظن أنه ضد أنور السادات، بينما هي الجريمة على شعبه.
إن أخلاق السراة.. توجب على الفاشلين أن يتخلوا، فسرمدية الزعامة جور على الشعب.. جور على الثورة، وإياك أعني فاسمعي يا جارة!
أو كما قال الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى من يستطيع؟
ـ صور
إفريقيا تجوع؟! تلك عجيبة العصر.
إن حيوان الغاب في إفريقيا يموت من التخمة، خصوصاً الحيوان النباتي، يشبع من الغابات.. بينما الإنسان الإفريقي يشكو من المجاعة، مع أن بلاد إفريقيا بلاد الأنهار، بلاد الأراضين الخصبة، لكن العجز هو من فعل الإنسان.. فما أقوى الإنسان الإفريقي على احتراف العجز.
إن نهر الكونغو، والنيجر، والزمبيزي، والنيل يعطون إفريقيا كلها انتصاب القامة بالتحدي لأوروبا، حين تزرع إفريقيا القمح والذرة واللوز والكركدي. لئن كانت إفريقيا في حاجة إلى ما تصنع أوروبا وأميركا، فإن هؤلاء أشد حاجة إلى ما تنتج إفريقيا.
إن البيت في أوروبا وأمريكا يتلمظ على الكاكاو، فلو زرع إفريقيا لأخضعت معدة الغربيين الذين ما استعمروا إفريقيا إلا من حاجتهم إلى الزبد والرغيف، وما أكثر الزبد والرغيف لو كان الإفريقي كالياباني، كالأسترالي، إن اليابان ليست أرضاً مدرة لأي إنتاج، ولكن إنسانها قد أخضع إنتاج الدنيا كلها لقيمة ما يصنع، وكل ما يصنعه من إنتاج الآخرين، لا من إنتاج اليابان!
إن ألمانيا بعد الحرب العامة الثانية، ورث شعبها الخراب والدمار لكل شيء فيها، ولكنه الإنسان الألماني قد استطاع أن يرتفع إلى فوق بما يصنع. وحين تلقى العون من الولايات المتحدة لم يشتر الألماني خاتماً من الألماس، ولم يلبس بدلة الصوف المستورد من لندن، ولم يتحل بربطة عنق وارد باريس، لأنه كان في ثورة على الدمار، والثائرون لا يعبأون بالزينة، وإنما كل احتفالهم بأن يتزين تاريخهم بالتضحية في سبيل أن ينقذوا شعوبهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :688  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 931 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل