شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الميثاق لم يبعد مصر
وكانت صدمة اهتز منها وجدان العرب، كأنما تاريخهم في حاضرهم قد انحرف عن مواجهة إسرائيل إلى السلام مع إسرائيل، كان ذلك حينما وافقت مصر بقيادة أنور السادات (الله يرحمه) فإذا قادة العرب يصدر منهم قرار لم يكن إجماعيًّا لأن بعض القادة من العرب قد تحفظوا ضده، أو أنهم لم يوافقوا عليه، وصدر قرار أبعد مصر عن الجامعة، فبعض القادة اتخذ من القرار قطيعة بكل معنى الكلمة، وبعض القادة وإن سايروا الوقت فقد احتفظوا بنوع من الاعتدال آملين أن الزمن كفيل بأن يعتدل الوضع بين مصر العربية وبين العرب جميعاً.
فالقطيعة ما زالت مشتدة، والاعتدال يسير الهوينا حتى جاءت اللحظة الحاسمة بالوقفة الحازمة تعيد مصر إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.
إن قرار بغداد كان رد فعل، وكان انفعالاً لا بد منه، لكن الميثاق لم يكن معه، وإنما كان تصميم الذين وافقوا عليه أعطى القرار قوة التنفيذ، فإذا الجامعة تنقل إلى تونس الخضراء.
ومضت سنوات، فإذا الوضع في شرق السويس تشتعل فيه النار في لبنان حريق كأنما هي التجربة لأن يكون ميدان حرب عامة ثالثة، لأن إمبراطورية الكرملين وإمبراطورية البيت الأبيض أرادتا الابتعاد عن بلقنة أوروبا، فأحبوا أن يتبلقن شرق السويس كتجربة يكون الصراع وعليها مجلبة لتقسيم الغنيمة استقطاباً، كل إمبراطورية تفوز بمنطقة نفوذ.
إن قرار بغداد وليس معه الميثاق ما زالت مصر وبحكم الميثاق عضواً في الجامعة العربية، فالأمر إذا سميناه تجميداً أو تعليقاً فلا زال الميثاق ليس مع التجميد، ولا مع التعليق، وبالأحرى ليس مع القطيعة، لأن ميثاق الجامعة لا يعتبر نافذ المفعول إلا بإجماع أعضاء الجامعة جميعاً، فلو أن مصر وحدها رفضت القرار لتعطل القرار عن التنفيذ ومصر لم ترفض وإنما كان التوقف أو التحفظ ضد القرار من حكومات عربية هي السودان وسلطنة عُمان والصومال وجيبوتي، ويعني ذلك أنه لا قرار.
ولكن مصر لم ترفض هذا القرار بل طاوعت تنفيذه لأن أنور السادات في حالة من الاعتزاز قد تقمص موقف إسماعيل الخديوي ((بلادي قطعة من أوروبا))، أو لبس كلمة إسماعيل صدقي باشا ((ما لنا ولشرق السويس)).
ومضت سنوات، فإذا اثنان كانا أشد انفعالاً وغيظاً من إطار ((كامب ديفيد)) وهما ياسر عرفات وصدام حسين يرفضان الرفض، ويرسلان النداء بعد النداء لعودة مصر إلى قوميتها العربية وجامعتها العربية، فهما حين جربا القطيعة وما أساءت، وحينما تجاوزت مصر بقيادة حسني مبارك الذي لبس شرف عبد العزيز فهمي وخلع عن وجدانه غضبات عبد العزيز فهمي يمد يده عوناً للعراق واحتضاناً لياسر عرفات، وتجاوزاً عن الغضب، فإذا أصوات من المغرب ومن الأردن ومن غيرها تنادي.. أعيدوا مصر إلى عروبتها.
فالأمر لم يعد قبليًّا أو إقليميًّا، وإنما هو عودة العرب ليكونوا أمة واحدة في موقف واحد وأمام سعار الاستقطاب.
إن مصر أعلنت ما اعتقده الذين قاطعوها أن ما فعلته جريمة، والآخرون قد اتهموا مصر بأنها أخطأت ولكن كان الإعلان جرأة عرفٍ العربي بها الجريمة أو الخطأ، بينما هناك ما أحسبه مستوراً قد يكون هو الجريمة فعلاً بما صنع، وتستراً صمت عنه العرب الآخرون، فالإعلان مواجهة مواجهة، والتستر خذلان للمواجهة.
إن الميثاق ما زال يضع مصر في مكانها، وإن الأكثرية من القادة العرب يريدون أن تعود مصر إلى مكانها، فعروبة مصر أزلية من العصر السحيق، فلئن خفت صوت العروبة فيها قبل الإسلام فإن الإسلام واللغة والمواقف أكدت أن مصر عربية، عربية مسلمة ما أكثر من ما أعطت لإسلامها البر والخير.
في بداية هذا العصر كان العرب يصرخون ويتوافدون، يتحدثون إلى زعماء مصر.. عودوا إلى العروبة.. أنتم عرب، يفرحون إذا تغنى شوقي بدمشق.
وعادت مصر إلى عروبتها بنص دستورها، وما كانت يوماً ما بعيدة عن إسلامها وعن عروبتها، فإن كانت دمشق الحاضنة الولود لصلاح الدين وقطز والعز بن عبد السلام فإن مصر الحاضنة الودود، منشأ هؤلاء، ففي كل التاريخ إن وحدة مصر والشام في رد العدوان كان فيها النصر، وإن أي فرقة بينهما كانت منها الهزيمة.
إن ((حطين)) و ((عين جالوت)) كانتا مصريتين شاميتين، ما بخلت عليهما جزيرة العرب، فلقد اختفى في التاريخ أن القبائل من هذه الجزيرة وفي طليعتها ((جهينة)) كانت رديف النصر لصلاح الدين والملك المظفر قطز، مع أن استقراء التاريخ بدقة يعطي أن الشام ومصر وجزيرة العرب كل هؤلاء إذا اجتمعوا كان النصر حليفهم.
ولا ننسى مدد المغرب في أكثر من موقعة.
هذا التجمع العربي المسلم مصداق حديث الإمام مسلم، وهو أن أمتنا إذا ما كانت في عصمة العقيدة الواحدة والاعتصام بالقيادة الموحدة لن تهزم من عدو، إن هزيمتها لن تنزل عليها إلا حين يكون بأسنا بيننا، فما أصدق هذا الحديث، حين كنا الأمة الواحدة انتصرنا، وحين أصبحنا الشعوب المتجاورة انحسرنا نخشى الهزيمة تلو الهزيمة!
إن قرار بغداد إذا ما حسبناه قرار الجامعة فإنه يعتبر سابقة عدلوا به الميثاق، أعني أن الأكثرية أصدرت القرار حكماً نافذاً يضع الأقلية في طاعة التنفيذ.
فالنداء الآن بتعديل الميثاق قد يجد في هذه السابقة سنداً قوياً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :636  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 919 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.