شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مع الدكتور عبد الرحمن الأنصاري!
إن الحوار مواكبة أريد بها أن يتسع النشر لأي موضوع ثقافي، لتكون الفائدة لا تقتصر على من سمع المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد الرحمن الأنصاري في (( نادي جدة الأدبي )) مساء يوم الأحد 5/8/1404هـ، وكان موضوعها عن بعض القضايا التاريخية قبل الإسلام فقد أجاد وأفاد، حتى قال بعض السامعين من المثقفين: إنها لمحاضرة قيّمة يعتز بها (( نادي جدة الأدبي )) .
وحين انتهى الدكتور الأنصاري من الشرح والإيضاح، وبما أفاض به عن حضارة ((ثمود)) و((الأنباط)) و((عاد)) وأكمل ما شرح بإيضاح مشرق.. حين عرض بالفانوس السحري الآثار التي كان له حظ وافر في اكتشافها يوم نشطت جامعة الملك سعود بالرياض.. تخرج لنا الكنز الحضاري الذي دفنته الرمال!
كان الإعجاب كبيراً بهذه الآثار صفقنا حين رأينا في مدينة ((الفاو))، وفي أحضان ((طويق)) آثاراً أثبتت وحدة الأثر، تقويماً لوحدة الأرض بالقيم التي عرفنا منها وحدة الأمة العربية في كل اقطارها حول الرافدين، والنيل، وفي سبأ، والأحقاف، والحجر، وما إلى ذلك.
ونهضت، ألقي التحية له، ولم أشأ أن أستطرد في التعليق على المحاضرة، فقد عزمت أن أتأخر به، أدير الحوار، يتسع به المجال لأكثر من باحث!
إن الدكتور سرني حين وافقني على أن وحدة الأثر دليل على وحدة الأمة.. ويسرني أكثر أن أخالفه في بعض ما ذكر عن ((عاد)) وعن وحدة ((ثمود والأنباط)).. لا حبًّا في الخلاف، وإنما تنشيطاً للبحث، فما أسعدني أن يكون الصواب معه لا معي، أو أن يكون التصويب لي وله، يتحقق به الوضع الصحيح لما أخطأنا فيه جميعاً، أو لما أصبنا من شرح لحقيقة أن الأمة واحدة.
وقد سبق لي أن نشرت افتتاحية العدد الثاني - السنة التاسعة من مجلة ((الدارة)) ناقشت فيها عالم الآثار الأستاذ في جامعة الملك سعود ((جمال مختار)) أحد علماء مصر.. فقد سمعته يتحدث في إذاعة عربية، يزعم أن ((الجعارين)) التي وجدت في حفريات الدمام كانت مجلوبة من التجار! وقد كان هذا افتراضاً منه، شعرت أنه ينزه العرب عن عبادة الجعلان (الجعارين) أو أنه ضن على العرب الوثنيين أن يكونوا في وحدة مع مصر!
وكتبت مناقشاً.. أنفي الافتراض، وأثبت الفرض، فالشعوب العربية كلها، حينما كانت وثنية، أتَّحدت في عبادة الشمس وعبادة القمر وتأليه الكواكب.. فلئن سمي العرب شرق السويس بـ ((الصابئة)) فإن غرب السويس كانوا ((صابئة)) وإن لم يطلق عليهم الاسم!
والعرب القحطانيون عاديون وفراعين، ومن إليهم.. قد اتحدوا في عبادة الهر ((الأسد)).. فـ ((عاد)) عبدت الهر، وأصبح الهر في كل اليمن السعيد هو الاسم الذي يطلق على ((البس)) أو القط والفراعين عبدوا ((البس)).. أليس ذلك فيه الدليل على وحدة الوثنية بين الشعوب العربية؟!
ولقد أيدني في ذلك الدكتور عبد الرحمن الأنصاري في محاضرته آنفة الذكر، لقد قلت في كلمة ألقيتها في ندوة عين شمس ((سمينار)): إن إدعاء الانفراد بحضارة واحدة يعني فرض الانفرادية على شعوب الأمة العربية كلها.. فالذين جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ هم آباء أو أخوان فرعون ذي الأوتاد، والذين نحتوا من الجبل بيوتاً في حجر ثمود، وفي البتراء، هم العطاء لإخوانهم أو أبنائهم الفراعين الذين بنوا الأهرامات جبالاً، حيث لا جبل في مصر تنحت منه البيوت!
وضاق بهذه الكلمة أستاذنا ((عزيز عبد الكريم)) العالم المصري، فأسكتني وأنا على منصة الخطابة، فهو إن كان صاحب المقام الكبير في جامعة عين شمس، فلم يكن في هذه الندوة هو المقرر أو الرئيس، وإنما كان أحد السامعين.
فقد أسكتني بغطرسة الأستاذ وعقدة الانفرادية في الحضارة، ولكن احترامي له كان شفيعاً يدعوني أن أحبه وأحترمه، وقد فاتني أن أحدد تاريخ هذه الحكاية.. فقد كان في أواخر الثمانينات!
وبعد هذه المقدمة.. أدير مع الدكتور الأنصاري الحوار عن مواضيع عدة:
أولاً: أعجبني تخريجه عن وحدة ثمود، والأنباط.. فقد جعلهم شعباً قبيلاً واحداً، ودلل على ذلك بأن ثمود مشتقة من ((الثمر)) والأنباط من ((أنباط الماء)).. فالثمر حفنة من الماء، والنبيط هم الذين استنبطوا الماء!
ولكن.. رغم إعجابي بهذه المقارنة، فإني أضع أمامه أن الثموديين أقدم عهداً من الأنباط، فهم ما زالوا، وبألفاظ من لهجتهم العربية يعيشون في العاطفة العربية، واللغة العربية.. أما ثمود، فقد اندثر كل شيء عنها في العاطفة العربية واللغة العربية، ولولا أن القرآن الكريم ذكرها لما عرفناها، وما بقي منها إلا هذا الذكر، وإلا ما نحتوا في الحجر.. فلعلّ الأنباط الذين انساحوا من الشمال، فحفروا في طريقهم الآبار، قد وصلوا يستحوذون على منازل ثمود.. حتى أن البتراء (سلع) في الأردن أجد من الحق أن أفترض أن الأنباط استحوذوا عليها بينما هي من عمل ثمود.. فقد ذكر الدكتور نقوشاً بلغة الأنباط، وأثبت أنهم يكتبون بالآرامية.. بينما قلَّت النقوش الثمودية!
ثانياً: وذكر الدكتور أنه يفترض عدم وجود ((عاد)) في الأحقاف، أي أنه ينفي وجودها في جنوب جزيرة العرب، ويدلل على ذلك بأن الوصف الذي جاء في القرآن الكريم: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (الفجر: 7) أطلق اسم ((إرم)) على ((عاد))، وقد انتشر هذا الاسم في شمال الجزيرة العربية، أي حول منازل ثمود، والأنباط، وما قاربها.. مع أن انتشار الاسم في مكان، أو في أكثر لا يدل على أن هذا المكان، كان هو موطن من تسموا بهذا الاسم.. فالعرب في تاريخهم الطويل - قديماً وحديثاً - ينقلون اسم المكان إلى أماكن أخرى، فعندنا اسم ((ميسان)) و ((بيسان)) انطلق بهما العرب إلى أماكن أخرى، فكم من مكان سمي بهذين الإسمين، واسم (سلع) يوجد في أمكنة ثلاثة: في البتراء، وفي المدينة المنورة، وفي هذيل - حول مكة المكرمة، ولقد أخطأ ((حسن الكرمي)) حين سئل عن قائل هذا البيت:
إن في الشعب الذي دون سلع
لقتيل.. دمه ما يطل
فقال: البيت لـ ((تأبط شراً)) و ((سلع)) هو سلع البتراء، وعقبت عليه في زمن غير بعيد، أزعم أن ((تأبط شراً)) بدوي لم يصل إلى ((البتراء)) فهو قد أراد ((سلع المدينة))، حتى إذا لقيت أستاذنا ((حمد الجاسر)) وسألته عن ذلك، قال: أخطأ الكرمي، وأخطأت أنت.. فـ ((سلع)) الذي أراده ((تأبط شراً)) هو ((سلع هذيل)) الذي عاش حوله الشاعر!
ومعنى ((سلع)) هو: الشق في الجبل.. فحين نحتوا الجبل في البتراء: سلعوه، ولعلّ هناك شقوقاً في ((سلع)) المدينة، أو ((سلع هذيل)) تعرف بعد الحفريات.
إن ((عاداً)) كما هي في الرواية المتواترة، تعلقت بها عاطفة العرب.. أنا على يقين أنها في جنوب جزيرة العرب، أما لحضارة سبأ، جدة لحضارة الفراعين، أو أن (الفاو) ورثت حضارتها من ((عاد)).
ثالثاً: وأتحفنا الدكتور الأنصاري بهذا الاسم ((رقوش)) وجده مكتوباً على شاخص بلغة الأنباط لسيدة ثمودية، فأخذت أجتر هذا الاسم، فوجدت في لغتنا الآن: رشق بمعنى نقش وبمعنى: حسن النقش، ثم وجدت أن عندنا هذا الاسم (المرقش) يطلق على شاعرين عربيين: المرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وفي السراة من يكنى بـ ((أبي الرقوش)). وهناك ((الحية الرقشاء)) جلدها مرقش، وغير ذلك مما اتسع له الاشتقاق لهذه المادة، وعلى هذا.. أظن أن السيدة ((رقوش)) كانت جميلة ومليحة.. مرقشة بألوان الملاحة والجمال.. فـ ((ثمود)) جعلت من البنت رمز الجمال، فالقصر الأكبر في الحجر هو قصر البنت!
من هنا.. أزعم أن في العرب القدامى، وفي الجاهلية كانت تتمتع بسلطان من النفوذ أكثر من السلطان الذي يطلبونه الآن لحرية المرأة.. فالتاريخ حفظ لنا أسماء ملكات.. كـ ((الزباء)) و ((بلقيس)) و((كليوباترا)) و ((نفرتيتي)) وعظيمات كالسيدة مريم، وامرأة فرعون آسيا بنت مزاحم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :885  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 918 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.