شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عن القصيمي ومع الباقوري
الكاتب الكبير الأستاذ عبد الله القصيمي كتب كثيراً وطبعت مؤلفاته، لم تلق قبولاً عند الذين عرفوا أنفسهم وعرفوا أمتهم واحترموا تراثهم وفطموا أنفسهم عن اللجاجة، استعرض بها الكاتب عضلات فكرة. وما كنت معنيًّا بمجافاته أو مصافاته حتى أني لم أذكره فيما كتبت مع أن كثيراً مما طرح يلزم من لا يصبر على فكر سلبي لبس أسلوباً مغريًّا يخشى منه على من يعجبه التزويق أن لا يعبأ بالتلفيق، لأن التزويق زخرف التلفيق فأغرى حتى كان طري الثقافة مخدراً بما يقرأ لهذا الكاتب.
فالأستاذ القصيمي ظهر له كتاب بعنوان ((العرب ظاهرة صوتية)) فوجدتني معه وعليه، أكون معه لو خص طوراً من أطوار العروبة، وما كنت إلا عليه حين وضع العروبة كلها عادية وثمودية وكنعانية وفرعونية وعدنانية تحت هذا التعريف الجائر الذي حصر نفسه في هذه الجفوة لقومه، حتى أنه قد طرد نفسه من العروبة، بما جاء من تلك الهرطقة التي هرطق بها على أمته العربية، فإذا به يهرطق أكثر على كل مقدس من عقيدة وكتاب وتاريخ مجيد.
إن العرب ظاهرة صوتية في الطور العدناني، وذلك كان إرهاصاً وصلت به الأمة العربية كلها إلى مكانة الرشيد العقلي، كأنما الأستاذ أحمد حسن الباقوري حين تحدث عن الطورين في الإنسانية كلها قد وضع أمامي الرد على الأستاذ القصيمي، فالطور قبل رسالة محمد كان يمر بعهد الطفولة العقلية، والطور الثاني برسالة محمد عليه الصلاة والسلام قد وصل إلى طور الرشد العقلي، فالأستاذ الباقوري اقتبست هذا منه، سمعته يتحدث في الإذاعة، وحين حفظته ما كنت قد علمت بهذا التعريف الجائر ألف به الأستاذ القصيمي كتابه ((العرب ظاهرة صوتية)).
إن الأستاذ القصيمي حيث عاب هذه الظاهرة الصوتية جاء بها الطور العدناني قد انحرف عن هذا العطاء للظاهرة الصوتية، ذلك أن اللغة العربية قد وصلت إلى أوج الفصاحة، حتى أصبح الوضوح فيها ومنها منسقاً منسقاً فتيسر لعالم اللغة أن يضع قانون النحو دون سابقة، وأن يجمع قوانين اللغة، فإذا بهذه الظاهرة الصوتية أعطت للعقل رشده، علماً وفهماً عز على لغات كثيرة أن تصل إلى ما وصلت إليه اللغة العربية.
يقول الأستاذ الباقوري وهو يفرق بين الطورين إن معجزات الأنبياء قبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وعليهم الصلاة والسلام كانت حسية مجسدة، عصا موسى، انحسار البحر، النار برداً وسلاماً، إبراء الأكمه والأبرص إلى آخر ما هنالك من المعجزات، فهي معجزات حسية يسترشد بها عقل طفولة الإنسانية، أما معجزة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام فهي القرآن، يخاطب العقل، يثير الفكر، فليس هو معجزة حسية وإنما هو معجزة روحانية وصل بها الإنسان إلى الرشد العقلي.
فالظاهرة الصوتية في اللغة كانت المقدمة والإرهاص لهؤلاء العرب، يتلى عليهم القرآن باللغة الفصحى والبيان المشرق فيفقهونه حين خاطبهم باللغة التي تفصحت بهم، فالظاهرة الصوتية في الطور العدناني منقبة لا مثلبة، يؤمن بها الذين تذوقوا البيان وإن لم يكتبوه، وينحرف عنها كاتب البيان يقذفه قذفاً دون تذوق، فبعض الأطفال وبعض المجانين يرسلون كلاماً مبيناً، لكن أصحاب العقول الرشيدة إذا ما أبانوا استبانوا، أنصاراً للحق وحرباً على الباطل.
فالعرب ظاهرة صوتية في الطور العدناني، أما في الأطوار قبل العدنانية فإن التاريخ المتزاوج مع العقل والعاطفة يعلن على الدنيا كلها ومن إليهم يعطي هؤلاء كلهم أنهم المظهر والمخبر علماً على أنهم صناع الحضارة، لم يسبقهم سابق بنى هذه الشوامخ من الحضارة، وأعطى الإنسانية جغرفة الفلك وفلك الجغرفة، وأعطى الطب والعلوم عطاء هو الذخر للإنسانية، فاليونان اقتبسوا من هؤلاء العرب، والرومان ما استطاعوا وكانوا قوة مدمرة للحضارة أن ينالوا من هذه الشوامخ الحضارية عربية في كل طور قبل الطور العدناني، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (الفجر: 7-9)، الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فرعون ذي الأوتاد، فلم يكن العرب في هذا الطور القديم متفرقين في قبائل، وإنما كانوا أصحاب تجمع سلطان أمة تحت قيادة سلطان، عرفنا الملوك في حمير، والأقيال في كل اليمن، والملوك بين الرافدين والملوك الفراعين على النيل.
فالظاهرة الصوتية حقيقة في العدنانية، لها مزاياها الباقية بقاء هذا القرآن، وصنّاع الحضارة في الأطوار الأولى ما زالوا في سمع التاريخ نشيد مجد، وعلى لسان التاريخ حضارة لم تسبق حتى الهند والصين لم يصلوا بحضارتهم إلا بعد هؤلاء العرب القدامى، كما أنهم - أعني الصين والهند - لم تكن لهم هذه الشوامخ من الآثار، فإطلاق الحكم سلبيًّا على الظاهرة الصوتية كحكم عام على العرب جميعاً من عهد القحطاني والعادي حكم ليس له سند من التاريخ، كل ما له وسادة توسدها فكر لا أحسب إلا أنه أحب العرب حين أبغضهم، أو أبغض العرب إذ أحبهم، لم يتحمل ضيم المأساة فإذا هو بفكره الآن مأساة.
إن الأستاذ القصيمي لم أكن أعرفه ولم أحظ بأن يعرفني، غير أني رأيته مرتين خلال أسبوع، يوم كان زائراً لمحمد سرور الصبان، يرحمه الله، في بيته في المعادي، رأيته صامتاً يسمع ما يتحدث به إليه ((الحوماني)) الشاعر الشامي الشيعي، كان ((الحوماني)) يتحدث والقصيمي قد صك أذنيه، فإذا بي أراه يلبس الكبرياء كأنما هو قد أحاط نفسه بكهنوت صنعه لنفسه لا يرى إلا من يريد، ولا يسمع إلا ما أراد.
والأستاذ القصيمي قد غضبت من أجله مرة، حين خرج على الناس، صلاح الدين المنجد بكتيب يرد فيه على القصيمي، نسبته إلى القصيم، فهو في التحقيق المنجدي ليس قصيميًّا، وإن كانت أسرته قد سكنت القصيم أيام محمد علي باشا، فصلاح الدين المنجد يرده إلى صعيد مصر، يستكثر عليه أن يكون قصيميًّا، ذلك تعسف ليس له قيمة تاريخية، فهل نفيت المخزومية القرشية عن أبي جهل؟ كان مشركاً نعم، ولكنه بقي في سمع التاريخ مخزوميًّا من علية قريش، وأبو لهب نزلت فيه سورة يصلى النار مشركاً كفر بالإسلام وعق ابن أخيه، بقي مشركاً كافراً نعم، ولكنه بقي ابناً لعبد المطلب عمًّا لرسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلم، فهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقرب ابني أبي لهب اللذين طلقا بنتي رسول الله وقد كان أحدهما زوجاً للسيدة رقية والآخر زوجاً للسيدة أم كلثوم، عقًّا وانشقا حتى إذا هداهما الله للإسلام أدناهما رسول الله ذو الخلق العظيم يجلسان عن يمنه وعن شمله فيقول بنور الرحمة: لقد استوهبت ربي ابني عمي فوهبهما لي، فكيف يصلح أن يبرأ كاتب ينفي نسبة القصيمي إلى القصيم بينما لم تنف نسبة أبي جهل وأبي لهب إلى مخزوم وهاشم؟
غضبت من ذلك، فما وجدتني إلا وقد تحدثت إلى كثيرين أزيف هذه الضلالة التاريخية المنجدية.
غارة من مأجور، وأخيراً فإن الظاهرة الصوتية، اللغة الشاعرة قد احتضن قومها حضارة الدنيا، علموها وترجموها، وأرسلوها الحضارة الوسيط، أم حضارة الغرب اليوم.
ـ القرصنة الجوية‍!
والطغاة الذين احترفوا القرصنة في البر أصبحوا قراصنة في الجو، يسقطون طائرة كورية، تابعة لكوريا الجنوبية تحمل عدداً كثيراً من بني الإنسان، وسقطوها في البحر فهلك ركابها، وإذا الدنيا كلها تنشطر ثلاثة أشطار، فالاتحاد السوفياتي ومن إليه لا يتبرأون من القرصنة، بل يحاولون أن يضعوا التبعة على الطائرة، حاصروها حتى ضاع رشد قادتها، واتهموها بأنها طائرة تجسس، مع أنهم يعرفون أن طائرات التجسس وأقمار التجسس في الأجواء روسية على أمريكا وأمريكية على روسيا.
والولايات المتحدة وأنصارها غضبوا من هذه القرصنة فأقاموا الدنيا وأقعدوها إرجافاً بالكلام وعملاً بشيء من المقاطعة، كأنما هو تدليل للاتحاد السوفيتي ليس فيه شيء من العقاب، لأن القوة التي يملكونها لم تعد شجاعة لأنها تدمر مالكها كما تدمر عدوها، فالسيف كان شجاعة في يد الشجاع، أما السلاح المدمر فجبانه يتجابن بها الشجاع.
أما الشطر الثالث فإسرائيل، لم أسمع أن إسرائيلياً قال كلمة عن هذه القرصنة، لأنه لا يريد أن تنتصر أمريكا وإن كانت هي النصير لها، ولا يريد أن يُهزم الاتحاد السوفياتي لأنه مستودع التموين للقوى البشرية تقوى بها إسرائيل لا أدري كيف سكتت الصحافة الأمريكية عن كلمة تقولها لإسرائيل؟ تسأل عن موقف الصمت ضد غزو الأفغان، عن هذا الصمت المطبق ضد القرصنة الروسية، لم يسألوا إسرائيل، لأن إسرائيل فوق الجميع بقوة هؤلاء الجميع، الحبل من الناس.
ثم إن إسرائيل لا تحارب القرصنة، لأنها لا زالت تمارسها في فلسطين وفي لبنان، ولأن إسرائيل قد سبقت الاتحاد السوفياتي بهذه القرصنة الجوية حين أسقطت الطائرة الليبية فوق سيناء.
كل الفرق أن قرصنة إسرائيل كانت مقبولة ضد الذين يرفضون قرصنة الاتحاد السوفياتي.
إن هذه القرصنة قد وضعت الولايات المتحدة في حومة الغضب، لأنها تحمي كوريا الجنوبية، كما أن الاتحاد السوفياتي يحمي كوريا الشمالية، فالإمبراطوريتان قد كسبتا بهذا التقسيم أن تكون كوريا الشمالية كوبا الشرق الأقصى، وأن تكون كوريا الجنوبية بعض ذلك أو مثل ذلك، فاضطرت الولايات المتحدة أن تغضب حتى أن إذاعة لندن قالت بحقدها الصهيوني ((إن الإدارة الأمريكية أصيبت بالهيستريا)).
ـ صور
وتعجبني هذه الصورة للمهلب بن أبي صفرة، قال:
عجبت لمن يشري العبيد بماله
ولا يشتري الأحرار بحسن فعاله
ترجم العرب كلمة قالها هتلر بكلمة قالها عبد الملك بن الزيات: الرحمة خور في الطبيعة.
ولم يكن ابن الزيات فيلسوفاً وإنما كان أديباً، ولكن هتلر قال هذا المعنى عن فلسفة روزينبرج ونيتشه.
وهكذا نسبت الكلمة إلى هتلر بعد ابن الزيات: الرحمة خور في الطبيعة. فقلبناها على هتلر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :591  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 916 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج