شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ولأبي الفتح جواب
وسرني أن قرأ الأستاذ (( أحمد أبو الفتح )) مقالي.. أجريت فيه حواراً مع الدكتور (( بطرس غالي )) . وسرني أكثر أن أحتفل بهذا المقال.. أتخذ منه موضوعاً تنفس به عما أكربه، فلئن شكرته إن أطراني، فإني شاكر لنفسي أن أتحت له فرصة التنفس!
فمصر - الرباط والمتنفس - صعب أن تضيق فيها أنفاس كاتب!
لقد قرأت مقال الأستاذ، يطريني به في المقدمة.. كأنما مصر في حاجة، ونحن نعيش غواية التاريخ، إلى واحد يحبها!
ثم هو أغراني أن أكتب الجواب على العتاب.. أضعه مرقماً هكذا:
أولاً: ليس هناك عربي، ولا مسلم ينكر على مصر عروبتها، أو يتنكر لإسلامها.. فمصر العربية من الأزل، بل إن فراعينها هم البرهان على عروبتها.. هم ساميون، ويعني ذلك أنهم ليسوا أحباشاً أو عبرانيين.. فلم يبق إلا أنهم ((الساميون)) ويعني ذلك - مرة أخرى - أنهم العربيون الخبيريون.. أخوة الكنعانيين والكلدانيين، وما قبل هؤلاء من العاديين والثموديين!
وما أحلى هذا القرآن في القرآن الكريم: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (الفجر: 7 - 10).
فهل يكون هذا النسق المتسق إلا خبراً تاريخيًّا عن وحدة الأرض، ووحدة الشعوب التي نبتت على الأرض العربية؟!
فالقرآن الكريم تعلمنا منه تاريخ الأولين من الأمة العربية، في ((سبأ الجنتان)) وفي ((الكلدان بابل)).. أما مصر، فقد ذكرت في القرآن أكثر من مرة، صراحة وكناية.
ثانياً: حين أدرت الحوار مع الدكتور بطرس.. أردت أن أضعه أمام الدستور.. الذي هو أصبح وزيراً مسؤولاً عن تطبيقه، فالشعار حين يطلق مخالفاً للدستور، ينبغي أن لا يكون.
ثالثاً: بعد الحرب العامة الأولى، وفي نور الإشعاع الذي أحدثته ثورة 1919م، صنعت مصر لنفسها الدساتير الثلاثة: دستور سنة 23 الذي عارضه الوفد بزعامة سعد حين عابه، يسميه ((الدستور الأعرج)) أو هو عمل: لجنة الأشقياء.. هذا الدستور ليس فيه نص على عروبة مصر.
أما دستور إسماعيل صدقي سنة 30، الذي حاربته مصر كلها.. فلم يكن فيه نص أيضاً على عروبة مصر، بل إن واضعه - إسماعيل صدقي يرحمه الله - قال بعد ذلك، وحين اتجهت مصر فيما مارسته من سياسة، قال:
ـ (ما لنا ولشرق السويس)!
يريد مصر أن تكون وحدها! ولعلّي لا أغضبك إذا ما قلت: إن اتجاه مصر نحو شرق السويس ما كان ذلك من مبادئ الأحزاب ولا من سياستها، وإنما كان ذلك من سياسة القصر ومطامعه في الخلافة أيام الملك فؤاد.
رابعاً: لا أنكر أن الأكثرية الساحقة من الشعب المصري، لا ترضى عن عروبتها بديلاً، ولا ترضى إلا أن يكونوا المسلمين.. فالحوار لم يكن تجديفاً على الأكثرية الساحقة، وإنما كان إسقاطاً للشعارات التي تجاوزت عن عروبة مصر.. كأنما كل هذه الشعارات يجفوها الشعب المصري قبل الشعوب العربية، وهذه الجفوة من الشعب المصري، ومن الشعوب العربية، أعطت لمصر صحوة حين جعلت في الدستور نصًّا على عروبة مصر وإسلامها!
ولا أغضبك إذا ما قلت: أن من بعض المثقفين الذين لا زالوا يعيشون انفرادية التاريخ، ينادون بأن مصر أمة واحدة!.. ولعلّك تعرفهم وقد قرأت لهم.
خامساً: وأنت حين عاتبت العرب، بدأت تؤرخ لمصر من خلال تاريخك للوفد، مع أن حق مصر على كل مؤرخ أن يؤرخ للوفد ولكل حزب من خلال التاريخ لمصر!
إن الوفد له مزاياه، ولا تنكر - كوفدي - أن عليه بعض المآخذ، ولو من خلال الخصومة الحادة التي كالها للأحزاب، فتولدت أحقاد، وحل الفصام عن طريق الخصام محل الوئام الذي تجلى في الجبهة الوطنية، والذي نالت به مصر معاهدة الشرف والاستقلال سنة 36! فلولا الوئام لما كان الشرف والاستقلال!
إن الوفد أنكر تصريح 28 فبراير.. فاز به عبد الخالق ثروت وإسماعيل صدقي، اللذان - بهذا التصريح - أعطيا لمصر العرش والعلم والتمثيل السياسي، وهما بهذا قد فتحا الطريق لمعاهدة سنة 36.
أنكر الوفد ذلك، مع أنه قد تمتع في ظلاله، حيث وجد الفرصة للمفاوضة وإدارة أسلوب الحكم.. فالوفد يؤخذ عليه حين لم يرض عن دستور 23، وحين لم يرض عن تصريح 28 فبراير.. مع أنه بذل التضحيات بعد ذلك، يجاهد طالباً عودة دستور 23!
ولعلّي أذكر ملمة، نعرف بها قدر عقول الرجال:
فحين وصل الدكتور محمد حسين هيكل - أحد الرجال من الدستوريين خصوم الوفد - إلى المدينة المنورة، كنت أنا والدكتور سعيد مصطفى، أخو الضابط يوسف بيك مصطفى قائد الجيش المرابط، وكان الدكتور سعيد حزب وطنيًّا ، فطرح سؤالاً على الدكتور هيكل:
ـ ((ما بال الوفديين يبكون على الدستور الأعرج))؟!
ـ فأجابه الدكتور هيكل بالعبارة المجنحة التي يفيض منها الحب لمصر: زرعنا فأكلوا، ويزرعون فنأكل!
سادساً: إن من حسنات الوفد، بل ومن عزائمه، أنه قد مثل الأنموذج للثورة الإنجليزية بقيادة ((كرومويل)) حيث رفع رجالاً من الطبقة الدنيا إلى الطبقة الوسطى: وزراء، ونواباً.. فالوفد لم يجحف بالطبقة العليا، بينما حركة الجيش كانت تمثل الثورة الإفرنسية!
إن ((سعد)) كـ ((كرومويل)).. أعطى الإنجليز أن تكون فيهم الطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع.. فثورة الإنجليز رفعت ولم تضع، والثورة الإفرنسية وضعت ولم ترفع!
إن هذه المقارنة بين سعد - الثورة، وجمال عبد الناصر - الثورة.. أدعي فاخراً أنني لم أقرأ لمصري أرخ لهاتين الثورتين بهذا الأسلوب الذي أرخت به الآن!
سابعاً: لقد ذكرت الكثير من عون مصر لأمين الحسيني، والحبيب بورقيبة، ومحمد ابن يوسف.. فلماذا نسيت إنقاذ بطل الريف عبد الكريم، ولماذا لم تذكر عون مصر للجزائر، وعونها الأخير.. تحول به أن لا تقع الحرب بين الجزائر والمغرب؟!
إن في التاريخ - إذا ما وجد من يفقهه - عطاء كثيراً فيه كل الثناء على مصر.. كما وجدت أنت أخطاء على بعض المصريين!
ثامناً: وهذا الجواب لعتابك أراه كافياً، وإن لم يف بالتمام من حيث أن تجدني مؤيداً لك على ما أخذته على العرب.. فالكاتب اليوم في سعة لأن يحمل على سياسة الإمبراطوريات وعلى إسرائيل، ولكن التضييق عليه أنه لا يستطيع أن يكتب عن بعض العرب، وعن الحال الذي هم فيه.. كأنما الكاتب اليوم، والرزايا تحيط به، يحمل أسراره، كما حملها الكاردينال.. لا يبيح بسر الاعتراف فالكاردينال حرص على الأمانة التي حددت عليه من تعاليم الكنيسة.. أما الكاتب العربي فقد تحدد عليه أن لا يبيح بالأسرار، لا بدافع الأمانة، وإنما بدافع الخوف!!
وأخيراً، لقد ذكرتك بما نسيت، حتى إذا انتهيت من إملاء مقالي هذا ذكرت لك ولي ما نسيناه معاً، لقد نسينا موقف مصر ضد الغزو الإيطالي لليبيا، لا بدافع الخوف على حدودها وإنما بدافع الخوف على أخوتها عرباً مسلمين ليبيين فهؤلاء الثلاثة من شباب مصر حينذاك قد اشتركوا فعلاً في الجهاد.. عبد الرحمن عزام، سيد كامل، حافظ عفيفي، فلئن طار ذكر عبد الرحمن عزام ولئن صمت التاريخ عن سيد كامل وحافظ عفيفي فإن في الجمعية رجالاً عرفوا عن دور حافظ عفيفي وعن دور سيد كامل، طار ذكر حافظ عفيفي عضواً في الوفد - وفد سعد - ثم طار ذكره في الأحرار الدستوريين كبيراً من كبراء الحزب ووزيراً لخارجية مصر ولسان مصر في هيئة الأمم والمنقذ لبنك مصر، أما سيد كامل فالجفوة لمحمود عزمي لحقت بهذا القريب له، وإلا فسيد كامل ومع مدحت يكن وفؤاد سلطان كانوا الأعوان لطلعت حرب في تأسيس ((بنك مصر)).
لم أقصد الإشادة بهؤلاء وإنما ذلك حق مصر على من أخلص لقومه من الخليج إلى المحيط.
وأذكرك بشيء آخر، فلقد أثنيت في مقالك على أنور السادات، يرحمه الله، كما أثنيت على الرئيس حسني مبارك، ويعني ذلك أنك لم تكن جافياً لحركة الجيش وإنما كل ما لديك هو أنك تأخذ على جمال عبد الناصر ما ذكرت، فالوجه البشع في الثورة لديك هو جمال عبد الناصر، ولعلّك لم تنس أنك قد ساهمت في إنقاذ حركة الجيش يوم قتلت حسين سري عامر في الذروة والغارب بالإشاعة التي طبخوها وهو تعيينه وزيراً للحربية، فأغريت أهله كما أغريته ليسافر إلى الإسكندرية ليكون بجانب القصر ينتظر أمر التكليف، وترك مقر قيادته في سلاح الحدود، ولقد قال لنا أصدقاؤه أنه لو بقي في قيادته لسالت دماء ولربما تعطلت حركة الجيش.
وإليك تقديري، ولست أرغب العودة إلى هذا الموضوع، فمجال القول ذو سعة، ومجال الأدب أجمل وأكمل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :800  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 906 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج