شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرأي والرأي الآخر حوار مع الدكتور بطرس غالي
ولعلّي كثيراً ما أتشوق إلى الحوار مع الذي أرجوه وإن تهيبته، وأبتعد عن الحوار مع من أجفوه وإن ارتبته، والأستاذ الأكاديمي الدكتور بطرس غالي ما جفوته لأني أرجوه ألا يأخذ حواري معه إلا على أساس أن رائدي الإخلاص بنازع الحب لمصر، العربية من الأزل، المسلمة إلى آخر الأزل.
فلقد سمعت تصريحه الأخير عن انتماء مصر إلى الأمة العربية، إذ قال كما أذيع: ((إن انتماء مصر إلى الأمة العربية أو العالم العربي انتماء سياسي واستراتيجي)).
فوجدتني ملزماً بدافع الحفاظ على عروبة مصر وفاء لها وحرصاً ألا تكون الشعارات تبتعد بنا عن الدستور، وتبعدنا عن ما يلزم به حتم التاريخ فإن عروبة مصر لم تكن طارئة عليها بموجة الهكسوس، ولم يكن عمرو بن العاص والجيش المسلم العربي هو الذي قسر مصر على أن تكون عربية، ذلك لأن مصر بالفراعين كانت العربية، فلو لم تكن أرض مصر أرضاً عربية لما حملت مصر ((هيكل الفصحى، ولما اعتزت بالقرآن)) ولما اهتزت تنافح عن الإسلام، وتفتح للإسلام المغرب كله، فقاعدة الفتح المسلم الأول المدينة المنورة تفرعت منها للفتح قاعدتان، قاعدة في دمشق شرق منه الفتح ولم يعرب، وقاعدة في الفسطاط غرب منها الفتح فعرب، ولئن كانت دمشق عاصمة الإمبراطورية الأموية فإن الكوفة كانت عاصمة العاصمة، شرق منها الفتح العظيم، فما عرب، لأن كل الأرض التي فتحها لم تكن أرضاً عربية، ولئن كانت دمشق عاصمة الإمبراطورية الأموية فإن الفسطاط كانت عاصمة العاصمة غرب منها الفتح فعرب؛ لأن أرض ((أفريقية)) أرض عربية، فالبربر كالفراعين كالفينيقيين عرب شرق من شرق وغرب منهم من غرب بالموجات التي توالت، لعلّ من أولها موجة ذي القرنين ((المصعب بن الحارث)) اليمني، ولعلّ آخرها موجة بني هلال وسليم.
إن مصر كما قلت يوماً لرامي - يرحمه الله - ((ما من أمة أراد الزمن أن يبطش بها فبطشت به إلا مصر))، فقد أبت أصالتها وعروبتها أن تكون رومانية أو إغريقية أو تركية، فهضمت كل هؤلاء لا تقبرهم بالهلاك، وإنما هي أحيت فيهم مصريتها، فمصر قوية في هضم كل من حل فيها، تأقلمه ولا يأقلمها، تجنسه ولا تتجنس به، فمصر كجزيرة العرب وكأي أرض عربية الجغرفة والتاريخ ترفض أن تستعجم، فالتتار والصليبيون والاستعمار والجهل ما استطاع كل ذلك أن يحيل العربي غير عربي.
إن الظروف التي رزحت تحت أثقالها مصر أنطقت رجالاً كباراً من أبنائها بشعارات حرباً على من حاول أن تكون مصر غير مصر، فالخديوي إسماعيل أطلق هذا الشعار ((بلادي قطعة من أوروبا))، والخديوي توفيق أطلق العنان للاستعمار لتكون مصر قطعة من أوروبا.
والزعيم المخلص مصطفى كامل ولم يكن من عرق عربي وإنما كانت عراقته مصرية أطلق شعار كمبدأ ((مصر جزء من دولة الخلافة))، يتمسك بالدولة العثمانية ليحارب الاستعمار الإنجليزي، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد وقد كان لسان حال حزب الأمة أطلق هذا الشعار كمبدأ ((مصر أمة وحدها))، أقصى تبعيتها للدولة العثمانية وصرف بهذا الشعار أن تكون مصر العربية.
وجاء الكاتب المثقف وكان من دعاة الفرعونية يفصل بها مصر عن الأمة العربية، ذلك الكاتب هو أحد طلائع المثقفين في مصر ((محمود عزمي))، كان يدعو إلى الفرعونية تنسلخ بها مصر عن العروبة حتى إذا رأى وهو في العراق قيمة مصر في العالم انحرف عن شعاره الأول فأعلن هذا الشعار ((قولوا بلاد العربية ولا تقولوا البلاد العربية))، ويعني ذلك أن انتماء مصر إلى اللغة لا إلى العرق.
كل هذه الشعارات أطلقها هؤلاء الرجال مخلصين يحاربون بها ضغط تلك الظروف، وجاءت ثورة 23 يوليو فإذا هي ترجع بمصر إلى أصلها عرقاً عربيًّا ودينيًّا مسلماً كنص الدستور، مصر ((جزء من الأمة العربية دينها الإسلام)).
* * *
لقد طرحت هذه المقدمة تمهيداً لسؤال أطرحه على الدكتور بطرس غالي، الذي لا يخالجني الشك في أنه عريق المصرية، فأسأله: أليس في تصريحك الأخير ((إن انتماء مصر إلى الأمة العربية أو العالم العربي انتماء سياسي واستراتيجي)) تناسياً لنص الدستور ليأخذه العرب على أنه العودة بمصر إلى طرح الشعارات التي سبق أن ذكرتها؟
فالأستاذ الأكاديمي الصوت المضيء من أصوات مصر في السياسة لا أخاله قد أراد الخروج على الدستور، فمن الحوار مع الرأي والرأي الآخر الشعار الأول في دولة المؤسسات وجدتني أدير هذا الحوار معه، فأيما تصريح مثل هذا التصريح يزيد الجفوة الظالمة جفوة أظلم، فالانتماء السياسي الاستراتيجي جعل مصر بذلك قد وضعت الأمة العربية في الوضع الذي هي فيه مع من تشاء، بل إن أي وضع مع منابع النيل قبل أن يكون سياسيًّا أو استراتيجيًّا هو انتماء مصيري للحفاظ على حياة مصر، فمصر هبة النيل، والإسلام هو آية مصر، والعروبة هي التي جعلت مصر إمبراطورية بلا إمبراطور.
ولا أحسب أن الأستاذ الدكتور بطرس غالي يسيء الظن بي حين يخال أني لا أعرف اسم ((غالي)) وواصف غالي، وبطرس غالي، اسم له تاريخ في سجل مصر بل وفي سجلات العروبة.
لقد أدرت هذا الحوار لأني أخشى على مصر من أن يؤخذ كلام الدكتور بطرس مأخذاً كأسلوب جديد تتناوله الأفاعي حول مصر التي سال لعاب السموم من أنيابها، تحمل على مصر مع أن مصر ((حملت من الأسى واحتملت في سبيل النصر هزيمة التتار والصليبيين والاستعمار)).
فأرجو ألا ترزح مصر تحت وطأة هزيمة الخلاف، تحت أثقال السأم.
وأخيراً فإن انصراف المثقف المصري عن الرجوع إلى التراث والولع بما يكتبه الاستشراق قد حرم المصري من العودة بمصريته إلى جذورها الأصلية، فهم يؤرخون لمصر على أنها أمة وحدها، ولهم عذرهم حيث أمسكت مصر بالحفاظ على آثارها الماثلة، وعلى أوراق تاريخها، مع أن وثنية مصر الفرعونية لم تكن إلا هي من وثنية العرب كل العرب في شرق السويس، فعبادة الشمس عادية سبئية، وأسطورة العنقاء يمنية مصرية، وأسطورة ((الرهق)) الأسود التي جاءت في ملحمة سيف بن ذي يزن أسطورة مصرية نوبية حيث فجر الصخر لينساب النهر إلى الشمال، فالفراعين لم يكونوا إلا ساميين ولن يكونوا عبرانيين أو حبشيين، بل كانوا من الفرع المنتشر، فرع العربيين الخبيريين.
وحين ذكرت الدكتور محمد حسين هيكل بما جره الإستشراق أو طلب العلم في الغرب اعترف بذلك فقال كلمته يجيب على خطابي: ((لقد رانت على أفئدتنا ثقافة الغرب، فكأنها الرمل قد تراكم على الصخر، وحين عدنا إلى تراثنا كانت العودة إلى التراث كأنها الريح أبعدت الرمال فانكشف الصخر صلداً كما كان))، يعني أن وجدان المصري قد تطرأ عليه ظروف تصرفه عن تراثه، لكنها ظروف الوقت، أما الزمن السرمدي فإنه مع مصر يكشف لها حقيقتها.
ومعذرة للدكتور بطرس إن أدرت معه هذا الحوار، فمصر الغالية ينبغي أن لا يعلو فوق صوتها العربي صوت يبعده عن العروبة، فالرئيس نيكسون قال يوماً ما ((إن مصر ليست عربية))، ينكر عليها نصرتها لأمتها العربية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 905 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج