شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طشقند من حقها أن تنفصل وليس من حق برلين أن تعيش
وبدأ انفعال موسكو ضد ما فعلته بون وبرلين، كأنه ليس من حق ألمانيا الشرقية العضو في حلف وارسو شكلاً والمستعمر للاتحاد السوفياتي موضوعاً أن تحارب الجوع، وأن تحافظ على التنمية، وأن يعيش أحفاد (( بسمارك )) إخوة في وطن واحد وعرق واحد ومطالب متحدة.
كأنه ليس من حق ألمانيا الشرقية أن ترفض الهوان، بينما دستور الاتحاد السوفياتي شكلاً قد أباح لكل جمهورية في هذا الاتحاد أن تنفصل، وهو لا يبيح للمجر أن تدير شؤونها، فكل أوروبا الشرقية طوال هذه السنين قد قصّر بها استحواذ الاتحاد السوفياتي عليها أن تصل إلى حياة فيها رغيد العيش لينتصر الرغيف على الصاروخ. بينما أوروبا الغربية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي قد تفوقت، فإذا الرغيف فيها هو القوة المنتصرة على حلف وارسو أكثر من الصواريخ متوسطة المدى. حيث أصبح الرغيف هو صاروخ الصواريخ.
إن بون قد منحت قرضاً لبرلين، تشتري به الخبز، تنظف به الحياة، فإذا موسكو تغضب، كأنه إمبراطورية الكرملين قد نقلها شح الرغيف والدولار من موقف الفعل إلى موقف الانفعال، فإذا هي وقد صبرت على ما يجري في بولندا تفاجأ بما هو جارٍ في بون وحتى بودابست قد أقرت حق بون في استقلالها الاقتصادي.
إن نقطة الضعف في الاتحاد السوفياتي هي في أنه لا يستطيع أن يساهم في تنمية دول حلف وارسو. ما زال الاتحاد السوفياتي في حاجة إلى القمح، رغيفاً يأكله الشعب، ودولاراً من ثمن القمح ويبيعه لدول حلف وارسو بالعملة الصعبة.
حتى البترول أصبح حين لم يف بترول سيبريا بحاجة الأسواق كما خطط الاتحاد السوفياتي، أصبحت موسكو تبيعه لكل أوروبا الشرقية المستقطبة بالعملة الصعبة.
من هنا أصبحت شعوب أوروبا الشرقية مستغلة كخط أول للدفاع وشعوب تدفع قيمة ما تستهلك للدولة لرئيس حلف وارسو. بينما أوروبا الغربية تصل إلى فوق وبينما ألمانيا الشرقية تبقى في الحضيض.
إن ألمانيا الشرقية شعبها البروسي هو مفخرة الشموخ الجرماني، فكيف فرض عليه أن يبقى في نقاط الجوع والخوف والخراب المتدرج؟
حيث تحتاج الشعوب إلى الرغيف لا تستطيع أن تنظف الرصيف.
إن موقف الانفعال ضد ألمانيا الشرقية لا أحسبه إلا عاجزاً عن الفعل. فلم يعد الوقت يبيح للاتحاد السوفياتي أن يفعل في ألمانيا الشرقية ما فعله في المجر وتشيكوسلوفاكيا، وما هو واقع في بولندا الآن هو برهان عى ذلك.
إن أول الشذوذ قد استرخى أمامه الاتحاد السوفياتي حين شذ الماريشال ((تيتو)) قال:
ـ أنا صديق لا عبد.
وحين تبعت ذلك ألبانيا، قالت:
ـ أنا نديم ماركسي رفيق ستاليني، وعندما انتصبت رومانيا قالت:
ـ من حق الاتحاد السوفياتي أن يكون الصديق ولكن من حق الشعب الروماني أن يكون صديق نفسه.
لم أكن أبالغ إذا ما قلت أن الرغيف أصبح هو الصاروخ الذي استيقظ على رائحته ومن خلال الحاجة إليه كل شعب في حلف وارسو.
ولا يبعد أن تكون هزة في جمهوريات الاتحاد السوفياتي إذا ما جاعت الشعوب أن تستعمل بعض الجمهوريات ما أباحه لها الدستور من الانفصال.
وعند ذلك لا تصبر موسكو على ما يجري..
فليسقط الرغيف.. ولينطلق الصاروخ!
ولعلّي لم أنس صورة كتبتها من قبل توضح ما عانته الشعوب من سلطان الأباطرة. قلت: ((لقد تكلنز الإنسان للذهب فاستعمر وتأمرك بالدولار فجن وتبلشف للرغيف فجاع)).
صورة لخصت بها تاريخ الاستعمار وسلطان الدولار وسلطان الرغيف.
* * *
ـ الحل العسكري
المطهر للدولة الإسرائيلية أنها ديمقراطية تعيش أزمة صنعتها الديمقراطية. حيث لم ينل أحد الحزبين الكبيرين في إسرائيل الأصوات التي تؤهله لأن يؤلف وزارة من حزب واحد.
ومرة أخرى فالمظهر أيضاً يزعمون أن هذا التعثر في تأليف الوزارة أمر عادي. وهو كذلك في دولة ديمقراطية حقة ولكن إسرائيل اليهودية ليست دولة بقدر ما هي عصابة.
أفلا يصح لمن يستكنه المخبر أن يقول إن هذا التعثر جلبته الانتخابات بينما يصح القول بأنه المخطط أمرت به إسرائيل ليكون هذا التعثر التنفيذ الفعلي بالحل العسكري. فاليهودي ((رفائيل جدعون)) حين تكلم عن الانتخابات وبما أذاعوه على لسانه قال: إن هذا الوضع بعد الانتخابات في إسرائيل قد يصعب حله ديمقراطيًّا، فلا بد من أن تلجأ إسرائيل إلى الحل العسكري. يعني إيقاف الديمقراطية وإعلان الديكتاتورية.
يصح لي أن أزعم أن قيام الديكتاتورية في إسرائيل تحت حكم عسكري هو المطلب. تقتحم به إسرائيل ما تريد في فلسطين إذا ما صح لنا أن نقول أنه ديمقراطي، ولكنه قد يكون مأخذاً لدى الديمقراطيات التي تحافظ على أمن إسرائيل ولا تحافظ على أمن العرب.
إن قيام ديكتاتورية في إسرائيل أمر مخطط لا يحاربه أي حزب، فكل حزب يعتذر بالفشل وهكذا تخطيط العصابات وعمل الكهنوت اليهودي ليحصل على ما يريد من شعوب لا تستطيع أن تحقق جزءاً مما تريد سواء بالأسلوب الديمقراطي أو بأي أسلوب آخر.
فالعبرة ليست بالأساليب وحدها وإنما باستثمار الأساليب، فالأسلوب طريق وفرض السلطات غاية والأسلوب طريق ورد العدوان غاية.
* * *
ـ تشرشل
ولعلّي كنت أحد الغافلين. فقد أطريت مهندس النصر ((ونستون تشرشل)) حين حاز النصر على النازية فلم يبطره ذلك. قبل الهزيمة في الانتخابات تولى إجراء الانتخابات فلم يفز حزبه وفاز حزب العمال بقيادة ((ايتلي)).
قلت إن هذا هو برهان الديمقراطية البريطانية، زعيم النصر يهزم في الانتخابات، ويرضى بذلك.
ولكن في هذه الأيام لا أعدل عن هذا الثناء. وإنما أعتدل حين أطرح فهماً آخر.
إن ((تشرشل)) قال مرة وهو في عز سلطانه:
ـ لن أسمح بتصفية الإمبراطورية البريطانية في عهدي.
فهو وقد انتصر في الحرب أحب أن ينتصر لنفسه، فرحب بسقوطه من رئاسة الوزارة لئلا يسقط في التاريخ حين تتم التصفية للإمبراطورية البريطانية.
إنه بذلك لبس الأنانية انتصاراً لنفسه بل وحتى على نفسه.
فالأنانية في هذا الموقف هي التصدي لعوامل التحدي التي شعر بها ((تشرشل)) رضي بالسقوط من كرسي الرئاسة لئلا يسقط في التاريخ.
* * *
ـ صورة
حفظنا بيتاً لصريع الغواني. قال:
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا
إن هذا ليس زهادة في الامتلاك ولكنه عزاء يتطرى به الشاعر في لحظة زاهدة، بينما هو الإنسان يبكي على حياته كما يبكي على معاشه.
وما أحسن قول العامة:
مُلْك كسرى تُغني عنه كسره!
كل هذا الكلام تسلية كما يتسلى الجوعان بلب البطيخ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :693  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 904 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.