شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً
وهذا البلد الأمين فيه القبلة يقبل عليها المصلون في كل مكان كأنما النفس المسلمة والفؤاد المسلم والعقل المسلم حين يستقبل المسلم القبلة يشعر بروحانية أن الأرض قد طويت له. فإذا البيت الحرام قبلته أمامه مجسداً وكأنما التلفزة كانت هي هي بهذا التجسيد للقبلة أمام الركع السجود. فالاستحضار الروحي كصورة من الإحسان يعبد الله المؤمن وهو يعرف أن الله يراه. فالإحسان (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) . فإشراق الروح راكعة ساجدة هو رؤية ليست بالباصرة ولكنها الأعمق بالبصيرة.
من هنا زاد الله البيت العتيق رفعة حين أضاف إلى القبلة في الصلاة أن يكون حجة الركن الخامس في الإسلام. فهل هناك ميزة وتعليم للاحترام لهذا البيت المسجد الحرام أكثر من أن تكون الصلاة عماد الدين المسلمة تقبيلاً. إقبالاً منها عليه. واستقبالاً منه لها؟
فقد جاء الإقبال من المسلم إلى البيت مرتين. مرة في الصلاة ومرة في الحج. ولماذا أحصر الإقبال في الصلاة مرة واحدة وهي خمس مرات في اليوم الواحد فريضة تؤدى وأكثر من خمس مرات تطوعاً يؤدى؟
أيها المسلم.. الصلاة الطاعة حببت إليك الحج. والحج الطاعة حبب إليك أن تكون مكملاً لأركان دينك. فهل لا نراك بعد إلا الأمن به والمؤتمن على أمنه والحارس لوقاره فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ فما بال بعض المسلمين اليوم. لا تنهاهم صلاتهم عن العبث ولا تنهاهم صلتهم بالحج عن الفسوق.
ما بال بعض المسلمين اليوم وهم تحت راية التوحيد ورؤية الحق والارتواء الروحي بالأمن والسكينة، نرى بعضهم أقل احتراماً للبيت. واحترازاً بالأمن. من الجاهليين المشركين؟ فما أكثر هؤلاء المشركين احتراماً للبيت. وما أقل بعض المسلمين قياماً بحرمة البيت الحرام. يفد المسلم طالباً الرحمة، فكيف تأمره نفسه أن يسلط النقمة عابثاً ومشاغباً؟ ألا ينكر المسلم على نفسه بعض ما يراه من غيره؟ لأن في إنكار المسلم لكل سيئة يسوء بها أمن الحج طاعة يتعبد بها الله حين يصون عباد الله.
أيها المسلم. ألا تعرف كيف عاش هذا البيت الحرام في أمن الجاهلية. وكيف عاش في عهد الإسلام أول أمره مثابة للناس وأمناً؟ فالمسلم أولى من الجاهلي بصون الأمن وحراسة الأمن. لأن في ذلك الأمن له، فالمسلم الواحد في هذا الحج ينبغي أن يكون لجميع الحاجين وأن يكون الحاجون لكل واحد منه. ثم في عبث العابثين. وفي نومة التاريخ مضت سنون وسنون كان الحاج لا يأمن على حياته. تفرض عليه الخفارات والإتاوات، حتى إذا تجلى الله بتوفيقه على هذا الكيان الكبير يرسخ فيه الأمن صنعه الله بيد عبد من عباده هو عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناؤه الملوك بعده وأبناؤه الأمراء مثلهم، وكل من تشمله البنوة من أبوه هذا البلد الأمين وأمومة هذا الكيان الكبير، ذلك توفيق الله فإذا مشاعرنا جميعاً ملكاً وأميراً وجيشاً وحرساً ورجال أمن وكشافة ومطوفاً ودليلاً وباعة. كل هؤلاء يحيطون الحاج بالأمن. بلا إتاوة ولا حفاوة بل وبجرة قلم حين أفاض الله الخير على هذا البلد اهتزت عواطف عبد العزيز ليزيد الأمن سلاماً وليجعل من السلام سلامة حين أضاف إلى الأمن ما ترتاح به النفوس جاءت الإضافة بأنه ألغى كل رسم كان يؤديه الحاج فقد كانت الرسوم تؤخذ ضرورة للقيام بما يسعد الحاج. فلما أغناه الله أعطى للمسلم أن يكون غنيًّا لا يؤخذ من جيبه إلى جيب الدولة شيء.
أيها المسلم لا تظن أن حراسة بئر من البترول أغلى عندنا من حراسة الأمن للبيت الحرام، وفي هذا الكيان كله، فالكيان الكبير سياج البيت ((لا يتخطف الناس من حوله)).
أيها المسلم، عجب كل العجب أن يكون هناك مثلٌ أسوقه تأتي بعده أمثولات تسوقنا لأن نكون الرحماء الأشداء على كل عابث (فالمثل الأول تجمعت في مكة وإبان عهد بن الزبير جيوش ثلاثة كل منها حرب على الآخر، ابن الزبير ثائر على بني أمية، والأزارقة الخوارج ثائرون على بني أمية وابن الزبير وجيش أمية قد جاء حرباً على ابن الزبير وحرباً على الأزارقة فتجمعت هذه الجيوش إبان الحج، فأرخت السيوف، وأخفت الرماح، لا يتحرك كل جيش ضد الآخر، صانوا بذلك أمن الحجيج وأمنهم، فرغم أنهم خاضوا فتنة قد حجبهم احترام البيت أن يكونوا إبان الحج فتانين قتالين.
أما الأمثولة الثانية فقد جاءت أكثر من مرة تريد العبث بالأمن أو أنها تريد التظاهر بالهتافات أو أن بعضهم يمارس التطلع لينال امتيازات، كأنما يظن أن حسن العلاقة بين حكومة المملكة وحكومته تعطيه امتيازاً أكثر.. لا امتياز ولا نقمة ولا الصداقة مع دولة ننحاز بها إلى معاملة يفضل بها المسلم التابع لها على المسلم الآخر.. ولا الخصومة تحملنا أن نسيئ إلى شعب مسلم حج أبناؤه إساءة تجعله يحس بغضاضة، فالجميع الجميع كلهم سواء.
ولعلّي أقص خبراً، فحين تحسنت العلاقات بين المرحوم الملك عبد العزيز والمرحوم الملك فاروق جاء الحاج المصري فرحاً بهذا الوضع الذي أراح مصر من عنت الخصومة وارتاحت له المملكة لأنها ترفض كل خصومة.. فبعد اجتماع رضوي كنت أدير الحج في جدة وكان لدينا شح في السيارات ننتظر قدوم الراجع من المدينة فإذا بجماعة من الحجاج، الأخوة المصريين يأتون، ويصرخون بهتافات يصلون إلى إدارة الحج وكانت هذه الإدارة في بيت البلدية القديم في جدة، كثر مجمعهم يهتفون ((ليحيا فاروق.. ليحيا أبو السعود)) ارتفع الهتاف فإذا أحد الموظفين من الزملاء يقول لي ((ورينا شطارتك حلها)) كأنما هو يتحدى ويسخر. فوقفت على دربزان الشرفة أقول: (لبيك اللَّهم لبيك. لا رفث ولا فسوق في الحج. الحج لا يقبل الهتافات. حكومتنا ترفض الهتافات. الهتاف الوحيد هو الدعاء. هو التلبية والتكبير. فإذا هم يثوبون إلى رشد. فتنطلق التلبية من أفواههم، قلت اذهبوا إلى بيت الوكيل أبو زيد. وكان هو وكيل المطوف الذي سألوا عنه وحضر الوكيل، فإذا السكينة وإذا السيارات تحضر فقد تلفن إليّ محمد سرور الصبان، يرحمه الله، من الحويه. وقد كان المرحوم الملك عبد العزيز في الحويه، تلفن إلي يقول: الآن أمر الأمير منصور بن عبد العزيز، يرحمه الله، بخمسين سيارة من سيارات الجيش حملوا الحجاج فيها رديفاً لما يأتي من سيارات الشركة. وقد وصلت السيارات فلم يبق في ليلة التاسع بعد مغربها حاج من ثلاثة عشر ألف حاج كانوا يوم الثامن فيها.
وللذكرى اتصل بي الشيخ يوسف ياسين، يرحمه الله، فتلفن إليَّ يقول: ((زيدان. قدم السوريين)).
قلت: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لا أستطيع أن أنتقي شاميًّا من بين المصريين والمغاربة وغيرهم من حجاج الشمال. دع الأمر بتوفيق الله وأعدك أنه لن يتأخر أحد، فقد أرسل الأمير منصور السيارات وإذا الشيخ يوسف يقول: شكراً شكراً على هذه الإجابة. وتأصلت لي بعد ذلك صداقة مع الشيخ.
أذكر هذا لأن الهتافات والمنشورات والصور عبث من الفسوق والدولة ولله الحمد لا يمكن أن يفكر أحد في أنها تجامله تتركه يعبث بالأمن. ولا يفكر أحد أن الدولة تتحامل عليه. فلا تعطيه الأمن والسلامة.
عجيب للمسلم. زعيماً و غير زعيم، ألا يشكر الله أولاً على هذا الأمر. وألا يشكر الذين تم على أيديهم بشيء من حفظ الجميل.
وليست هذه الكلمة خاصة بأحد. ولكن مقالها في مجالها فعلينا جميعاً. وعلى كل حاج أن يكون حارس أمنه. فالحكومة تثق بأن المسلم في عرفات وفي منى وفي الطواف عين لها يرفض العبث ويقصي العابثين.
إن هذا البيت المثابة للناس والأمن يحرم على كل مسلم أن يتنكر للمثابة فلا يناله، وأن يتنكر للأمن ليغتاله الخوف قبل أن يغتاله غيره. فهو إن لم يخف الله. فإن عصا الدولة بالمرصاد. وإن الله لا يستحي من الحق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :720  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 902 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج