شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الظلم.. هو الإرهاب
كثرت حوادث الإرهاب في دنيا الإنسان: خطف للطائرات. اغتيالات. تفجير للقنابل. حريق في الفنادق. كل ذلك إرهاب، ولكن التسميات لبعض هذه الأنواع من الإرهاب تخضع لعواطف الذين يذيعون الأخبار عنها، فالفلسطيني الثائر دفاعاً عن أرضه وعرضه وعقيدته، والأفغاني الثائر كالفلسطيني دفاعاً عن الأرض والعرض والدين.. هم المجاهدون، ولكن بعض الإذاعات تسميهم: (المتمردين - الإرهابيين) تبخل عليهم بلفظة: الثوار، والمجاهدين.. بينما هي حين تذيع عن الإرهاب في إيرلندا تسمى المغتالين للبريطاني العظيم (مونت باتن) والمخربين في إنجلترا كلها.. تسميهم: الجيش السري الإيرلندي، مع أنهم متمردون وإرهابيون!
وكذلك يتلطفون مع الاتحاد السوفياتي.. يكبرون أن يكون في شعبه إرهابيون، فيصفون المعارضين بالمنشقين، كما هي التسمية للخائن المرتد سعد حداد.. يقولون إنه المنشق!
عاطفة لا ننكرها على إذاعات الغرب لأنها صادرة عن الحقد القديم الذي مازال جديداً، ويأخذ المترجمون في إذاعات عربية الخبر عن اللغة الأجنبية فيترجمونه حرفيًّا، كأنما الإعلام العربي بكل ما في الغفلة من جور - طوعٌ للإعلام الغربي!
ولكن.. ما السبب الدافع للإرهاب؟!
أهو شهوة أفراد، أم هو الانحراف كما يقولون، أم أنه الظلم؟!
إن الظلم هو صانع الإرهاب. وبأسلوب من المجاملة هو صانع الانشقاق في بولندا وفي الاتحاد السوفياتي بالذات!
* * *
إن طغيان الاتحاد السوفياتي في الأفغان نصفه بأسلوب التجمل معه بأنه غزو مع أنه ظلم وإرهاب، فالاتحاد السوفياتي هو صانع الإرهاب عالمياً بالظلم المباشر على الأفغان وبالظلم المتوقع بعد لحظات على بولندا، وبالظلم غير المباشر على يد كاسترو، ولم يعد هناك ((كاسترو)) واحد، ففي أفريقيا كاسترو، وأكثر وفي آسيا كاسترو وأكثر!!
كل ذلك إرهاب، فلماذا نحمل على الإرهاب الفردي، ولا نحمل على ظلم الإمبراطورية.. سواء إمبراطورية الكرملين أو إمبراطورية البيت الأبيض؟ فالولايات المتحدة حين تنادي بحقوق الإنسان، فإنها تمارس الظلم على حقوق الإنسان.. تعطي إسرائيل كل العون وكل الدعم مع أنها تعرف أن إسرائيل واليهود الصهيونيين، ما هي وما هم إلا عصابة إرهابية.
من يخطف طائرة فيها مائة راكب إرهابي، ومن يخطف الأرض ويشرد إنسانها بالألوف ويسجن إنسانها ويخرب مساجدها ويبني المستعمرات ويقتل بالسلاح الأمريكي.. لا يعد إرهابيًّا؟!
بل إنه إرهابي.
بل إن إمبراطورية البيت الأبيض بسبب ذلك إرهابية.. لأن كل ذلك ناتج عن الظلم وأفدح الظلم - على أساس من منطق الولايات المتحدة - إهدار حقوق الإنسان، وليس هناك إهدار لحقوق الإنسان أشد وأقسى من عمل إسرائيل في فلسطين وفي لبنان!
* * *
إن الولايات المتحدة تصرخ لتحارب الإرهاب، وتصرخ دفاعاً عن حقوق الإنسان بينما هي ومع إسرائيل وبإسرائيل تفعل نقيض ما تصرخ منه، وتصرخ الدنيا كلها في وجهها، ولكن حرية الفوضى وفوضى الحرية تتمتع بأذن صماء ولسان أخرس عن الحق، وما أشد فصاحته في الدفاع عن ترسيخ الباطل.
حاربوا الظلم، وأفرغوا السجون من المظلومين فلا يكون هناك إرهاب.
ومالي أسكت عن الإرهاب العربي، أو ظلم العربي لأخيه.. أفليس هناك من العرب، ومن السلطان من يمارس الإرهاب تكريساً للظلم لا محاربة للظلم؟!
فالعربي يقتل العربي تأييداً لظلمه لأخيه العربي.. أما الذين يقتلون بأيدي الإرهاب العربي فلم تكن لديهم صلة إلا الفرار من الظلم، ولكن الظلم يلاحقهم في أي مكان.. ذلك أن قسوة الظلم لم تكن إلا من الخوف، وإذا ما ركب الخوف أي زعامة، فإنها تلاحق الفارين من ظلمها خوفاً على نفسها وعلى نظامها.
إن الإرهاب بين العرب لا يعني إلا أنه إرهاب غير مباشر في صالح إسرائيل.
ـ مصر
وسمعت خطاب رئيس الحزب الوطني الاشتراكي محمد أنور السادات ألقاه على نقابة الصحفيين، وكان فيه يؤكد قيمة مصر، وعظمة مصر، كما يثبت على الصحفيين جهلهم أو تجاهلهم أو تنكرهم لقيمة مصر وعظمة مصر، كما أنه يلتفت إلى العرب يريد أن يعلمهم ما هي مصر، ما هي قيمة مصر، فلا بد لي أن أعلق على ذلك في فقرتين:
أولاً: إنه قد وضع الصحفيين المثقفين في موضع الجاهلين والناكرين لقيمة وطنهم، وكأنما هو الواحد الذي عرف هذه القيمة.. بينما كل المصريين وكل العرب يعرفون قيمة مصر، وحتى موقف الخلاف حول كامب ديفيد لم يكن من العرب إلا لمعرفتهم قيمة مصر، لا لأنهم يجهلونها أو يتجاهلونها أو ينكرونها، ولكن أحسبني أضع أمام الرئيس هذا المثل (توضيح الواضح أمر فاضح) وعظيم من سعد زغلول أن صاغ هذا المثل بكلمة مجنحة هكذا: (كلما كان الشيء واضحاً كان البحث فيه موجباً لغموضه)!
أما الفقرة الثانية فهي في ترديد الكلمات المكرورة: (إن مصر علمت وتعلم العالم العربي)!
وتعليقي على ذلك: أن هذا غير منكر.. نعرفه لمصر، ولعلّ الرئيس عرفه الآن، ولم يعرف أن مصر ما علمت العرب إلا لأن العرب علموها!!
أضع ثلاثة أشخاص: الشيخ محمد رفعت - تعلم بعض القراء منه أسلوب القراءة، ولكن محمد رفعت تعلم هذه القراءة المجودة من الإمامين القارئين في المدينة والإمام القارئ في مكة، والإمام القارئ في دمشق، والأئمة القراء في الكوفة والبصرة وبغداد، إن القراء في مصر يعرفون أسماء هؤلاء الأئمة الذين علموهم القراءة.
ومالي قد نسيت المغربي الشاطبي - مؤلف الشاطبية - جامع هذه القراءات، فهو الذي نقل إلى رفعت ومن إليه علم المدينة ومكة ودمشق وبغداد والكوفة والبصرة.
فالحصيلة من ذلك أن كل عاصمة عربية في كل إقليم عربي علم وتعلم.
والرجل الثاني هو: أحمد شوقي.. تعلمنا منه الكثير، ولكن ((عكاظ)) علمه الكثير. شعراء الجاهلية علموه الكثير، الشريف الرضي وأبو نواس في العراق ومن إليهما، وأبو تمام والبحتري والمعري في الشام، وعمر بن أبي ربيعة في الحجاز، وجرير والفرزدق والأخطل في نجد وما إليها، وابن رشيق والحصري وابن زيدون.. كل هؤلاء من شرقنا العربي إلى مغربنا العربي علموا شوقي.
وفقه الأزهر.. أليس هو فقهاً مدنيًّا مكيًّا بمالك بن أنس، والشافعي والليث بن سعد، وحنبليًّا وحنفيًّا عراقيًّا؟!
ومالي أنسى خراسان بالشوامخ من الأئمة.. ألم تتعلم منهم مصر؟
والأزهر كبناء.. كجامعة.. من بناه؟ فاطمي علوي.. هاشمي، مغربي، وحتى صقلي.
والرجل الثالث: العالم الرياضي العبقري ((الدكتور علي مصطفى مشرفه)) فقد علم الكثير - مصريين وعرباً - ولكن.. ألم يتعلم من جابر بن حيان الأزدي المدني البغدادي، ومن محمد بن موسى الخوارزمي العراقي ومن البيروني وابن الهيثم ومن إليهم؟!
أرجو من الأخ أنور السادات أن يعرف هو قيمة مصر.. تعلمت فعلمت، كما عرفها شوقي في يوم عيده حين قال:
يا عكاظ تألف الشرق فيه
من فلسطينه إلى بغدانه
افتقدنا الحجاز فيك لم نعثر
على قسه، ولا سحبانه
ويعرف شوقي ذلك في كلمته المجنحة في كتابه ((أسواق الذهب)) حين عبر عن الذي عرف مصر، فقال يعني أبا الأنبياء إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.. قال:
ـ وهاجر إليها إبراهيم الخليل أكرم من هاجر، فعاد منها ومعه أم العرب هاجر! والكلام كثير.. لم يصدر إلا عن حب، فالبغضاء بغيضة إلى نفس عربية تعرف أنها الأمة الواحدة، أما الانفراد بالتاريخ فهو جناية على التاريخ، وعلى نفسها تجني براقش!!
* * *
ـ صورة
أريد أن أذكر الرئيس محمد أنور السادات بالعجيبة التاريخية من تاريخ مصر، فهي أبداً ودائماً إمبراطورية بلا إمبراطور، وحين أراد محمد علي، وإبراهيم ومن قبلهما ومن بعد، أن يكونوا أباطرة.. اهتزت مكانة مصر، فانتهى الأباطرة وبقيت مصر، وستبقى إمبراطورية بلا إمبراطور!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :665  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 898 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.