شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أيام الجاهلية تُذكر..وأيام الإسلام تُهجر!
وهذا عنوان أمليته فإذا بي أتذكر هذا المثل يجري على لسان العامة (( من معرفته بالصحابة يترضى عن عنتر )) !
فالعنوان زوّرته في نفسي، فإذا المثل هذا عون لي فشاعر الربابة في كل إقليم عربي ينشد الملاحم، فكل الذين يسمعونه يحفظون الأسماء في هذه الملاحم..
إن العامة أيام شاعر الربابة كانوا يملأون المقاهي حتى إذا أدوا الفريضة في المسجد يسرعون إلى شاعر الربابة، ولا يمكثون يسمعون الدرس في المسجد.
وليس السبب شاعر الربابة، وليست التبعة على العامة، فالمسؤولية على فراغ المساجد من الشيخ المعلم الذي يلزمهم حديثه عن الأبطال في الإسلام عن كل ما في السيرة العطرة، بالسماع له والالتفاف حوله. فدرس المسجد ليس وقفاً على الفقه، فما أجمل أن يكون عن التفسير، إن تفسير سورة التوبة يتعلم منه السامع حب الإيمان وبغض النفاق، حب الجهاد وكراهية التخلف، كما يعلمه قبول التوبة، وما أكثر ما في التفسير والحديث من دعوة تجعل العامي طالب علم. فقد وجدنا أشياخنا من العامة يعرفون الحلال والحرام ويسلكون الآداب المسلمة لأنهم تعلموا من الشيخ في المسجد ذلك.
شاعر الربابة أبقى على اسم عنترة وأبي زيد الهلالي ودياب وخليفة وزيدان ومعروف بن جمر وسيف بن ذي يزن.. أكثر العامة يعرفون هذه الأسماء ولكنهم لا يعرفون أبا دجانة، عمرو بن الجموح، عبد الله بن حرام، سعد بن معاذ، إلى الكثير من هذه الأسماء من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه..
إن أيام الجاهلية كل عربي في كل إقليم يفخر بها؛ لأنها أيام العرب، لأنها أيامه، ولا يكاد يذكر أن ((بدراً)) يوم النصر للإسلام كان من خير أيام العرب، أعطاهم النصر، وما ذلك إلا من عطاء الله وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى (الأنفال: 8) وآيات عظيمة علمتنا كيف نعرف نصر ((بدر)) نعمة من الله.
فالنبي محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم المهاجر إلى المدينة يعود فاتحاً لمكة بعد أن انتصر في ((بدر)) بعد أن قُتل الشهداء في ((أُحد)) بعد هزيمة الأحزاب في غزوة الأحزاب ((الخندق)) كانت هزيمة الأحزاب بريح صرصر عاتية ساقها الله عليهم ناصراً لمحمد، ينتصر الإسلام.
كل هذا الانتصار لا يكاد يعرفه من العرب إلا بعض طلبة العلم، يمرون عليه مروراً، في إقليم يرى هذا النصر خاصاً بالمهاجرين والأنصار لا فريقاً من العرب مع أنه وأنفه راغم ما هو إلا النصر تنقاد له كل الانتصارات بعده، فـ ((اليرموك)) بنت ((بدر)) و((القادسية)) عزيمة من عزائم ((بدر)) و((حطين)) المنتصرة على الصليبيين نعمة من ((بدر)).
((بدر)) هزم الله بها الشرك، و((حطين)) هزم الله بها الصليبيين ولكن بعض الأقاليم العربية يرون ((حطين)) انتصاراً مصرياً شامياً حتى أن صلاح الدين بعضهم ينفي عنه الشامية وبعضهم ينفي عنه المصرية، مع أن صلاح الدين مجاهد مسلم ليست العربية فخره وإن كان من خير المستغرقين في العروبة.
يرفضون نصره مع أنهم ما اعتزوا إلا به، وما بقي ((أزهرهم)) وما بقيت المنارة البيضاء في دمشق إلا بنصر ((بدر)) و ((اليرموك)) و ((حطين)) و ((عين جالوت)) كانت الكلمة فيها ((واإسلاماه)) ولم تكن ((واعروبتاه))! قائدها الذي يحلو لي أن أتغنى بما ألقبه العبد مرتين الملك مرتين.. إن النصر في ((عين جالوت)) أزاح الستار لا عن مصر، وإنما عن الشام والعراق، أزاح ظلاماً أظلمت به الدنيا على المسلم، ولكن هذا العظيم صاحب اليوم الأغر لا يزال في نظر عِبَّدي القبيلة والإقليمية عبداً مملوكاً فارسياً غير عربي.
شيئاً من الحياء أو من الرحمة لأنفسكم أن تفخروا بسيبويه وأبي حنيفة وابن الرومي وابن المقفع وأبي نواس، وتبخسون الملك المظفر((قطز)) وصلاح الدين ويزداد بخسكم للسيدة الملكة العبدة ((شجرة الدر)) قادت النصر فأسرت لويس التاسع وأجلت الصليبيين لم تقم لهم قائمة بعد هذا النصر.
إن بعض الأقاليم الأخرى يرون ذلك نصراً مصرياً، مع أنه نصر مسلم وعربي ومصري..
إن هذه الأيام التي انتصر فيها الإسلام القائد الأول فيها هو انتصار ((بدر)) حتى النصر على المستعمرين ما كان إلا من وازع التاريخ لحماية التاريخ بحماية التاريخ..
إن من المؤسف حقاً أن لا تحفل الجامعات والمساجد بذكر أيام الإسلام على أساس صحيح بلا طرقية ولا مجاذيب ولا تجديف، ولا أدعو إلى أنها مواسم دينية كما ادعى ذلك بعض علماء الأزهر، وإنما هي مواسم تاريخية تزيح من العامة تأثير شاعر الربابة، ونعلمهم ما جاء في القرآن والسنة، وكتب السيرة الصحيحة، حتى يذهب الترضي عن عنترة ليترضى المسلم على كل الصحابة الذين هم قادة النصر لم يقتصر نصرهم على يوم واحد، فكل يوم انتصر فيه المسلمون هو ولا شك يعود إلى انتصار ((بدر)) و ((اليرموك)) و ((القادسية)) وما بعد ذلك..
والنصر في العاشر من رمضان، سواء بالعبور أو حول جبل الشيخ، لم يكن نصراً إقليمياً لمصر أو لسوريا، وإنما هو الانتصار للعرب جميعاً.
إن الإقليمية ما زالت تذكر أيام الجاهلية فخراً بالعرب وتهجر أيام الإسلام من تأثير الإقليمية..
- مع المقدمة -
والشيء بالشيء يذكر، فالملك المظفر((قطز)) لماذا ألقبه بالعبد مرتين والملك مرتين؟
كان ذلك لأن ((قطز)) و ((جلنار)) ابنة خاله الملك جلال الدين ملك فارس كانا يلعبان، غفل الحراس عنهما، فاسترقتهما عصابة، فمن بائع إلى مشترٍ لهذين الرقيقين، فبيع قطز في دمشق وبيعت جلنار في مصر..
يا لقسوة الفوضى وفقدان الأمن!
وكان في دمشق سلطان العلماء سيدي الشيخ العز((عبد العزيز بن عبد السلام)) فإذا المكنون يصل هذا العبد قطز بالشيخ، لأن سيده كان أخاً صدق للشيخ، فتولى الشيخ تربيته، كأنما المكنون في علم الله قد أعد ((قطز)) هذا الرقيق ليكون صاحب يوم ((واإسلاماه)).
وسجن السلطان المنشق العز، لم يحترم شيخوخته وعلمه، فإذا قطز بزي حلاق يدخل السجن بإذن ليميط الأذى عن الشيخ فما لبث أن يدعو الشيخ يلبس لباس الحلاق يمسك بأدوات الحلاق ليخرج من السجن على صورة الحلاق..
وخرج الشيخ يركب حماره يصل إلى مصر، ويخرج قطز من السجن فيجد سيده قد امتلأ شكراً له يعتقه فأصبح حراً..
ولكنها جلنار، حبيبته ابنة خاله، عرف أنها في مصر، فسار إلى مصر، حتى إذا وصل إلى النخاس ليسأله عن جلنار فيعرف أنها بيعت، فهي من جملة المماليك في مصر، ويطلب قطز أن يراها.
قال النخاس: لن تراها حتى آخذ منك ثمن ذلك. ولم يكن مع قطز درهم ولا دينار كان معه حبه، كان معه فقه الشيخ، دعوة الشيخ، فباع نفسه للنخاس ليدخل في جملة المماليك ويرى جلنار..
وتدور الأيام، فإذا دعوة الشيخ يستجيب لها الله يصبح قطز الملك المظفر صاحب و ((اإسلاماه)).
من هنا فهو العبد مرتين، باعه السراق وباع نفسه.
أما الملك مرتين فهو من بيت مُلْك خاله جلال الدين، ثم صار الملك، فهو الملك مرتين..
واغتاله الظاهر بيبرس فإذا المجدفون لبيبرس يسرقون الملك المظفر قطز، فبعضهم كتب حتى لقد قرىء ما كتب في مدارسنا أن صاحب ((عين جالوت)) هو الظاهر بيبرس. سرقوا التاريخ لحساب الظاهر. وسرق الظاهر حياة قطز.
زلة تحسب على الظاهر ولكنه حين أصبح الملك قد أدى واجبه فكان عظيماً من ملوك المماليك..
المماليك لم يبقوا عِبَّدِّي، فالشيخ ابن عبد السلام حكم عليهم بأن يبيعوا أنفسهم ليشتروا أنفسهم وليصبحوا أحراراً.. جزعوا أول الأمر وجاء السلطان إلى بيت الشيخ مهدداً يتوعد، فخرج الشيخ يلبس ثوب الإِيمان ليس عليه تاج وليس على بدنه حرير أو كتان، خرج الشيخ للسلطان فقال ابن الشيخ: إنه يقتلك فقال الإِمام المؤمن:((يا بني.. إن أباك هيّن عليه أن يقتل في سبيل الله ))، ولم يكن ذلك هوان القيمة للشيخ، فعزة الإيمان ما كانت يوماً هواناً..
وارتجف السلطان، وخضع المماليك ليقف الشيخ يبيعهم، واحداً واحداً فقد ملكوا من المال ما اشتروا به أنفسهم، فذهب الرق عنهم وأصبحوا الملوك.
استعرقوا في مصر، فلئن ظلم بعضهم فقد كانت له أيام أزاحت الظلام عن مصر وعن الإسلام..
- صورة -
سألني من أملى عليه:
ـ هل حب جلنار، أم الإيمان، أم الشيخ جعل من قطز عظيماً؟
قلت:
ـ الإيمان حب، والشيخ كان حباً، وجلنار كانت حبًّا، فحب قطز كان مزيجاً من كل ذلك.
فاستراح سائلي؛ لأني نبشت بعض ما فيه!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :649  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 883 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.