شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الكلام.. حجر يهوي في قاع النهر!!
ومازال هناك الكثير من الاستعداد (( لترصد )) الكلام وتحريفه وامتهانه. وإبرازه وهو يرتدي مسوح المنطق والحجة ومن الداخل عار.. ليصبح وسيلة سهلة وقذرة لغايات ذاتية وطافحة بالقيء!!
أصبحنا ((نقول)) كثيراً و((نصغي)) قليلاً.
أصبحنا لا نطيق الصمت ((الجميل)) ولا الإصغاء.. فصار من طبيعة البشر الآنيين أن يهاجموا بالكلام إلى درجة الافتراس!!
وهذا الكلام مباشر في صراحته وربما يكون موجعاً.. لكن الأكثر إيلاماً هو: أن يكون لهذا الجيل الواقف في ساحات المعرفة والعلم والمنطق غايات من الكرتون.. تندس في تضاعيفها أشياء هشة يسهل حملها وسرقتها من الناس ثم لا تكون هناك - بعد ذلك - مبالاة أن تأتي الخسارة في المنطق أو في السلوك، أو في نزاهة الحوار!!
* * *
كنا في ((جلسة)) ضمت بعض الذين (يتعاطون) الكتابة وبعض رجال الأعمال!!
وانطلق الحوار من الجالسين وبهم إلى محاولة الإجابة على سؤال يقول:
ـ ما جدوى الكتابة.. إذا كان الكثير لا يقرأ إلا ما يريده هو؟!! بمعنى: أن هذا القارىء ((الحديث))! لا يرغب في مزيد من المعرفة، إلا عن شيء يخصه، مثل أغلب الشباب الذي يشتري الصحف ليقرأ صفحات كرة القدم فقط!!
وتحدث أحدهم.. وكان من ((فئة)) الكتّاب، فقال:
ـ هل نتكلم بصراحة؟! إذن ألا تتفقون معي أن القليل جداً هو الذي يقرأ بتركيز، وبرغبة في العوفة؟!
ـ وسألناه: في رأيك.. من هو القارىء الحقيقي لما يكتبه الكتّاب اليوم؟!
ـ قال مبتسماً: إنهما قارئان فقط.. قارىء كاتب، يقرأ ما يكتبه الكتّاب الآخرون، ربما لأنه يريد أن يتسقط هفواتهم، أو يسفّه آراءهم، أما القارىء الآخرفهو الكاتب ذاته، أو قارىء نفسه.. الذي يعيد قراءة ما كتبه بعد الطبع!
* * *
ـ وسألني ((قارىء)) عبر سطور رسالة ((ودية)) جداً فقال لي:
ـ هل أنت ترى، أم تفكر؟!
ـ هل أنت تعرف أم تمارس؟!
ـ هل المفاهيم.. متوارثة؟!
وكتبت إليه محاولاً أن أجيبه على أسئلة تضج بالإصرار على الرؤية والاكتشاف:
ـ قلت له: إن المفاهيم الفكرية والأدبية يضاف إليها، فهو ما يُستمد من الرؤية المعاصرة ومن الحاجة ومن الابتكار ومن الحالة الاجتماعية.. بما ينعكس على عطاء الأديب والمفكر والفنان انعكاساً يرتبط بالعلاقات الاجتماعية والدولية وبالأخلاق، وبالسلوك الاجتماعي وبالوعي في ممارسة الماديات واستخدامها.
ومن قديم.. كانت هناك عبارة قالها الفيلسوف الفرنسي ((بيار شاردان)) هي:
ـ إما أن ترى.. وإما أن تموت!! فالرؤية محور في التفكير، وفي المعرفة، وفي الممارسة، وفي السلوك، وحتى في العاطفة. الرؤية معرفة، ومفهوم جديد أو متطور، وحقيقة، وفكرة.. يعطيها العقل إيجابية الحياة!! لذلك.. أحتفظ - بإعجاب - بعبارة قالها في أذني أستاذي الكبير ((محمد حسين زيدان)) منذ سنوات هي:
ـ ((الكلمة تصنع الحضارة)).. لكن الحضارة قاتلة للكلمة التي صنعتها!! ولذلك - أيضاً - تساءلت فزعاً:
ـ ما الذي تبقى من الكلمة، ومن الثقافة.. وما الذي يمكن أن تعطيه الحضارة بعد ذلك؟!
في بعض ما نقرأ ((صحافياً)).. نكتشف أن هناك من يزور الصدق ويغمر العقل في حرارة الرمل كما النعامة!.
إن هذا الذي يمارس التزوير للكلمة.. لا بد أنه فقد الشجاعة ليقول:
ـ ليس هذا رأيي، ولا قناعتي، ولا وعيي.. وإنما هو ظرفي!!
ونقرأ - أحياناً - لبعض الذين يكتبون عن: القيم، والمثل، والمنطق، والحقيقة.. فنكتشف أن هذا البعض يقع بين فكي الازدواجية: ((دكتور جيكل - مستر هايد)) !!
إنهم يتحدثون عن ((النظريات)) ويتجادلون فيها.. وفي تلك الحوارات العجيبة، تتضخم ((الشيزوفرنيا))!
إنهم يعجزون عن ((التطبيق)) أو حتى مجرد تطوّر تطبيق تلك النظريات!
ولقد كان هذا المرض.. هو لعنة ما حكمت به المصالح، حتى على مستوى قضايا الأمة العربية قاطبة.. ثم تسللت إلى الفكر، وأصبحت ((اللغة)) ظاهرة خطيرة!
إننا نطمح بلا شك إلى أن نجعل ما نسعى إليه قادراً على خدمة الحياة والأهداف.. بالوضوح، وبالصدق، والإيمان!
إن الأدب يصبح لعنة، وتتحول الكتابة إلى ((ظاهرة)).. عندما يختلط الحابل بالنابل، وعندما يصير ((التخطي)) هو حضارة الفهم، وعندما نتذكر مضمون الحديث النبوي الشريف: من علامات الساعة: فشُوُّ القلم! وهناك لغة أخرى تلاحق الكاتب، وتتمثل في معنى هذه العبارة التي قالها ((جورج سنتيانا)):
ـ ((تقف الثقافة دائماً على حافة نقيضين كبيرين: إن كانت رفيعة، فهي قليلة الانتشار، وإن كانت عامة.. فهي قليلة القيمة))!!
أما الخلاص من هذه اللعنة.. فهو - فيما يلوح - ضد طبيعة العصر الذي نعيشه، ذلك أن البناء والهدم هما التجانس الفريد في عصرنا!!
فهل هناك أكثر من هذه اللعنة ضد الفكر، وضد الجوع والوجدان!!
* * *
إن ((الكتاب)) ضرورة للإنسان.. ليتعلم، ويتطور، والذين لا يكلفّون أنفسهم أن يرتادوا المكتبات، لاختيار كتاب.. سيستمرون في الدائرة المفرغة، وسيشربون فراغ الوقت، وغياب ((القيمة))!
إن هناك مثقفاً ((أمياً)).. ذلك الذي جفّت عاطفته، وطحنه التوتر.. فلم تعد الثقافة، ولم تعد الكلمة تؤثران فيه، وتصيغانه إنساناً حضارياً متفوقاً على عنعناته، وذاتيته، وممارساته!
إنه الذي يضيع منه وجدان في متاهات، ذات خطوط متشابكة! إنه الذي ينطبق عليه قول كاتب أمريكي اسمه ((رودلف فريدمان)):
ـ إن المرء لا يظل على قيد الحياة.. إلا طالما يظل يتوقع الحب!!
* * *
هكذا.. ما أسرع ما تتحوّل الكلمات إلى حجر يهوي في قاع النهر!
فهل نحاسب أنفسنا على ما نقوله من كلمات، وعلى ما نمارسه لتشويه دور وعطاء الثقافة؟
هل الكلمات هي التي تحاسبنا على وضعها في المكان غير المناسب لها؟!. إن العالم يطفح بالكلام.. والإنسان يتوعّد زمنه، ويفقد زمنه!
لا شيء يحتفظ بتخومه.. وكل الذي بين شفاهنا: كلام فقد معناه!
إننا نحلم بالكلام، ونتعاطف بالكلام، ونتنابذ بالكلام، ونتحارب بالكلام، ونتصافح بالكلام.. والكلمات تحولّت إلى حجر يهوي في قاع النهر!!
* * *
ـ إلى اللقاء:
(( الكاتب الكبير )) : هو الذي تنخر في عظامه جرثومة الشجاعة..
والكاتب الصغير: هو الذي يبلع قبل نومه برشامة القناعة )) !!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :642  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 882 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج