شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دُعَاة الإسلام أمْس
وعن دعاة الإسلام أمس أكتب ما عرفت عن هؤلاء الفقراء ليس في جيبهم درهم.. وإنما في قلوبهم الإيمان، لم ينشروا الإسلام بالفلوس وإنما نشرته تقوى النفوس! كانوا المثل العليا.. مركب الواحد رجلاه والثوب جلده، ولكنه امتطى الأرض كلها من المغرب الأقصى، مغارب وصلوا اندونيسيا.. ومن حضرموت واليمن رحالة وصلوا إلى اندونيسيا.. ولا أدري من هم الذين وصلوا إلى الصين. ومنهم الذي وصل إلى منشوريا.. كل هؤلاء نشروا الإِسلام. فالإِسلام إذن صبر.. النصر بالجهاد أو هو نصر الصبر للمجاهدين. وهو بذلك نصر الذين افتقرت جيوبهم واغتنت قلوبهم. والذين وهم الأفارقة هداهم الفتح العظيم إلى الإسلام فأخذوا يفتحون قلوب الأفارقة في كل القارة، فإذا هؤلاء السمر بيض القلوب كبياض أسنانهم حين اعتنقوا الإسلام. ولعلّي أرشد من يريد التوسع في المعرفة عن هؤلاء وهؤلاء أن يقرأ كتاباً وإسمه (( حاضر العالم الإسلامي )) ألفه أمريكي ترجمه درزي استنارت حواشيه بما كتبه أمير البيان شكيب أرسلان. ففي هذا الكتاب تاريخ معرفة.. ومعرفة أمل في أن يبقى الإِسلام في إفريقيا حاجزاً للتنصير المسيحي الذي استغول حين تغير أسلوب الدعوة.. كيف؟ لا أستطيع أن أكتب الإجابة فما يوم حليمة بسر. الداعية أمس مضرب المثل فهو قدوة.
الإسلام في إندونيسيا أول من نشره مغاربة فكان الذين اهتدوا به انتسبوا إلى مذهب مالك، فالمغاربة أهل الثبات والإثبات مازالوا الثابتين على فقه المدينة المنورة فقه المسجد النبوي فقه أمام دار الهجرة مالك بن أنس.. ومازالوا أيضاً الثابتين على قراءة أهل المدينة قراءة نافع مولي أبي نعيم. وحين قلَّ المغاربة في إندونيسيا وكثر الحضرميون واليمانيون وقليل من أهل المدينة الأدلاء والمطوفين من أهل مكة.. كل هؤلاء بشروا بهداية الإسلام فاهتدى من كنا نسميهم الجاويين الذين لا ننسى عمارتهم للمسجد الحرام، فما أكثر من حج منهم، وما أطيب من سكن في دار السكينة والأمن ((مكة المكرمة)) وسمعت حديثاً عن مغربي.. بوسيلة أسلم على يديه الكثيرون فما هي الوسيلة؟ لقد كانت ديكاً صغيراً لا يصلح للمهارشة اقتناء حتى إذا حضر ذلك اليوم الذي تقام فيه المهارشة بين الديكة المدربة وصل إلى المكان ومعه ديكه الصغير فتهارش ديكان فغلب أحدهما الآخر بسكين.. شفرة صغيرة تربط في زجل الديك لينتصر على صاحبه. فكلا الديكين في رجل كل منهما شفرة وبرز الداعية الفقير.. الغني بإيمانه يرسل ديكه الصغير يتهاوش مع الديك المنتصر ولم تمض لحظة كأنما القوي سخر بالضعيف.. ولو كان ديكاً فإذا الضعيف يقفز يضرب الديك بالشفرة فإذا هو قد نفق فعجب الحاضرون وسألوا عن قوة ذلك الديك الصغير فأمسكوا به يفتشون عن مصدر القوة فوجدوا رباطاً في عنقه في داخله قرطاس مكتوب عليه الشهادتان (أشهد أن ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) فسألوه عن معنى ذلك.. فقال معناه ((الإسلام)) فنطقوا بالشهادتين وأسلموا. لقد ضرب لهم مثلاً مادياً كساه بالقوة الروحية.
ولدي خبر آخر كنت قد كتبت عنه من قبل أعيده الآن.. ففي عودتي من الولايات المتحدة عن طريق طوكيو تشرفت بزيارة الداعية المسلم الياباني (الشيخ عمر ميت) وقد تطرق الحديث إلى الكثير.. حتى أني فيما أذكر كتبت أن يكون الدعاة بإسم الجمعيات لا عن طريق أي دولة فعن طريق المعاهدة والجماعة المسلمة يبتعد الشك عن علاقة الدولة بذلك لينتفي تأثير النسبة إليها وقد حدثني هذا الداعية الياباني عن خبر ما كنت أعرفه، ولعلّي تخطيته فلم أقرأه في حاضر العالم الإسلامي أو أنه لم ينشر فيه، وهذا الخبر هو عن عدد المسلمين في منشوريا في الشمال الشرقي من الصين قال إن عددهم يبلغ خمسة وعشرين مليون مسلم ومسلمة وأغرب ما في هذا الخبر كغرابة الكم وأكثر.. أنهم كانوا على مذهب مالك بن أنس هل كان الداعية من المغاربة؟ فلو وصلهم الإسلام عن طريق ((كاشفر)) عاصمة التركمستان الشرقية في شمال غرب الصين لكان مذهبهم مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ولو وصلهم عن طريق ثغور الصين لكانوا أحنافاً. فإذن لا بد أن المبلغ لهم والمبشر الداعية وصلهم عن طريق إندونيسيا يوم كانوا مالكية، أو أن بعض المنشوريين اعتنقوا الإسلام في إندونيسيا فرحلوا إلى وطنهم مبشرين يعتنقون مذهب إمام دار الهجرة. كان هذا الحديث قبل خمسة وعشرين عاماً. فهل ثبت المنشوريون على إسلامهم أم تغير بعضهم؟ هل كانوا يزيدون أم ينقصون؟ وتأتي المقارنة اليوم الذي استشرى فيه التنصير المسيحي بين المسلمين في إفريقيا وفي الشرق الأقصى.. إن هذه المقارنة بسيطة.. المنصِّر المسيحي طبيب أو ممرضة يسكن مع الأفارقة في الأكواخ يعالجون مرضاهم لا يتظاهرون بأنهم هم الأعلون.. فيألفهم الإفريقي حيث ائتلف معهم.. فيعتنق المسيحية أما غيرهم فلا يختلطون وإنما هم يخطبون في المساجد. ولكن سكنهم بعيداً عن سكنى هؤلاء الذين بقوا على وثنيتهم أو تنصروا اختلف الأسلوب فانتصر المنصرون المسيحيون ولكنها تجربة أسأل الله أن يبصر دعاة الإسلام بما يصلح بهم ولهم.
وما كتبت إلا تعقيباً عما سمعت في ندوة النادي الأدبي بين رئيس رابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله نصيف. والثابت على الرابطة ديناً وسلوكاً.. الدكتور محمد عبده يماني فاتني أن أحضر فما وصلتني الدعوة إلا يوم الأربعاء السادس عشر من شهر رجب.. يوم أن أمليت هذا.. مع أني أصل كل يوم إلى صندوق البريد وجدت بطاقة الدعوة ومعها دعوة لمحاضرة يوم صدور هذا المقال في جريدة ((المدينة)) مع أنه يمكن توجيه الدعوة لمثلي بالتلفون.. يتلفنون لي فلا أتأخر عن اجتماع يطيب لي حضوره، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـ صورة:
وما دام الشيء بالشيء يذكر.. فلا بد أن أكتب عن صورة، مازال يتجسد أمامي إمام مسجد كلكتا المؤذن في المسجد النبوي ومن أشهر المؤذنين حين ذاك، كان عذب الصوت حين يؤذن عرفته في المدينة المنورة مؤذناً ليس إلا، ورحل إلى الهند، ذو هامة وقامة فإذا هو إمام المسجد في كلكتا يحترمه المسلمون هناك ولم يروا عليه ما يعاب فأجزلوا له الثواب احتراماً ورعاية فذاع صيته في المدينة الكبرى وفيما حولها ويومها كانت الهند وحدة الإمبراطورية لم تنقسم، وحدثت أزمة الهوان من الهنادك على المنبوذين وهم رعيل من الهندوة احتقروهم فنبذوهم.. وهكذا عندما ينقسم الشعب إلى طبقات تصبح فيه طبقة منبوذة مهانة. وزرنا الشيخ (أبو بكر أبو النور) كعادة أهل المدينة وهم في خارجها وكان صاحبي في هذه الرحلة هو الشيخ محمود شويل، واتخذنا مجلسنا فإذا نفر من المنبوذين بوذيون أقبلوا على مجلس الشيخ على شكل طابور، تقدم الأول ليعلن إسلامه حيث يجد العزة إذا ما أسلم، فالمؤمنون إخوة، وأخذ الشيخ يلقنه الشهادتين وأركان الإسلام، وأركان الإيمان، وهذا المسلم منذ نطق الشهادتين أصبح موضع الاحترام وتلاه الآخر وما بعده إلى هنا ولا غبار على الوضع، فقد أخذنا السرور بالذين أسلموا وبهذا الإمام للمسجد داعية يسلم على يديه المئات من المنبوذين بحرية فيها معنى الطرد من قومهم ومعنى الترحيب من القوم المسلمين لكن هذا الشيخ (أبو بكر أبو النور) أدهشنا حين شرع يلقن أركان الإيمان فينطق الركن السادس من أركان الإيمان هكذا (أن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى) ينطق كلمة القدر بسكون الدال لا بفتحه، كأنه لا يفرق بين الدال المفتوحة والدال الساكنة التي يتغير بذلك المعنى، فالكلمة بسكون الدال معناها الكم من الشيء لا تعني الإيمان بقدر الله بفتح الدال، سكتنا حتى انصرف الذين أسلموا، وكانت دموع الشيخ محمود شويل تسيل وكأنها دموع الفرح، والشيخ محمود شويل جهير الصوت قد يغلظ إذا ما غضب ويشتد إذا ما أنكر، ولكنه مع هذا الداعية تلطف، وبصوت خفيض، يعلمه صحة النطق وكأنه يستحي منه لأن عظمة العمل هدأت محمود شويل وما رأيته وأنا عشيره هادئاً مثل هذا الهدوء فانظروا إلى ثقة أبي النور بنفسه وثقة الناس فيه بينما هو لا يملك من العلم شيئاً وإنما ملك الصدق في العمل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :688  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 879 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.