شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العباسي الحسيني الجزائري..
ولعلّي لا ألتفت إلى الذين يستكثرون على عظيم مات أن يكتب عنه من عرفه راثياً له. فالعظيم الذي سجل في سفر حياتنا العربية المسلمة عمل المجاهد وجهاد المخلصين. ينبغي وقد حفظه القبر أن تحفظ ذكره القراطيس، ولعلّي مرة أخرى ما زلت مصراً على أن أكون راثياً كثناء ومادحاً كرثاء فقد حفظنا قول شاعر:
عظيم الناس من يهوى العظاما
ويندبهم ولو كانوا عظاما
وإسلامنا وعروبتنا في تراثهما سجل من الثناء، على الذين يستأهلون الثناء فالإسلام الدين الوسط والعرب الأمة الوسط يرفضون إفراط النصرانية وتفريط اليهودية فالنصارى يؤلهون واليهود يقتلون بالجحود أما المسلم والعربي فثناؤه وسط لا إفراط ولا تفريط.
وهذه المقدمة لا تحسبوني أتستر بها يوم أخذت على نفسي أن أكتب رثاء للسيد العباسي الحسيني الجزائري الذي مات في باريس غريباً عن تربة الجزائر، والقريب كل القرب وهو يعيش فوق تراب المسجد الجزائري.. كان هذا المسجد تربته جزائرية ولو كان من أرض فرنسية فخارج المسجد عليه سلطان فرنسا، أما داخل المسجد فإن السلطان هو الإسلام دين الله الواحد الأحد داخل المسجد لا يحكمه سلطان من خارج المسجد كان اقتبس ذلك من فتوى لصاحب أبي حنيفة ألا وهو يعقوب أبو يوسف الذي كان زينة الفقه في عصر الرشيد، فقد أنقذ هارون الرشيد من ورطة قسم - أقسم به على ابنة عمه زوجه السيدة زبيدة حلف عليها:
((أنت طالق إن بت هذه الليلة في مكان لا يخرج عن سلطاني)) فأين تذهب؟ أعظم الأرض كانت في سلطان الرشيد وكل بغداد في سلطانه ولكنه أبو يوسف أفتى أن تبيت داخل مسجد جدها المنصور، حيث لا سلطان للرشيد داخل المسجد لا لأن المسجد ملك بناه المنصور.
وفقيد الجزائر مسجدي يوم لم تكن ثورة الجزائر إلا مسجدية، نشأ العربي المسلم الجزائري يعتنق مبادىء الثورة، المسلم فهو من الرعيل الذي نما له شأن في ظل تربية عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي ولعلّه من جيل الطيب العقبي الفضيل الورتلاني وأمثاله الذين كانوا مسجديين يحتضنون إخوانهم الذين لم يتفرنسوا وإن حصلوا العلم في فرنسا.
ولقد عرفت العباسي الحسيني رئيساً لبعثة الجزائر.
أو هو مكتب الجزائر في مدينة جدة، كان يسكن هو وزميله سعيد البيان في شقة رياشها حنبل، فراشها وسائد ليست من القطن وإنما حشوها طرف أو هو شيء آخر.. لا سيارة فمركبه رجلاه والثوب جلده. وحين تكرم بعض المحسنين على المكتب بسيارة لم يكن هناك سائق وإنما السائق ولدي حسين محمد زيدان، حجزته عن الدراسة في لندن ليخدم ثورة الجزائر ولا أدري من أعطاهم السيارة، كل ما أدريه أن الذين بدأ إحسانهم يترى على الجزائر هم الجفالي إخوان، محمد رضا زينل إخوان عبد الله السعد ولم أعرف غير هؤلاء لكن الذي احتضن ثورة الجزائر من أول يوم هو.. هو فيصل بن عبد العزيز الأمير الملك كان يرحمه الله مع ثورة الجزائر يشد عضد أخيه الملك سعود يرحمه الله، فأول بندقية أمسكتها يد جزائرية كانت من مصانع الخرج.
إن السيد العباسي الحسيني أخلص لثورة الجزائر، وكان لبقاً فقد استطاع القضاء على عبث(( عابد أبو حافة)) الذي أخذ يدس دسائسه ووساوسه، ولكن المملكة العربية السعودية لم تحجز مددها لثورة الجزائر كاد يتأخر المدد أياماً من المال الذهب أو هو الدولار لكن فيصل بن عبد العزيز الأمير الملك يرحمه الله أسرع بتوالي المدد، واستقلت الجزائر وما أكلت الثورة بنيها، فإن لم يكن العباسي الحسيني في سلطان الحكم فقد مات وهو في سلطان الحكمة ليس لأنه الإمام داخل المسجد، عرفته نبيلاً وعرفه بعض أهلي لأن زوج إبنتي إبراهيم من أصل جزائري له مكان عند العباسي فأهل بيته وهي ابنتي هي التي نعت إليّ هذا السيد، فقد سمع زوجها الخبر من إذاعة فرنسا، ولئن تأخرت أياماً فما ذلك إلا لأني كنت صائماً عن الكتابة، وحين أفطرت أفطر قلمي عن هذا الرثاء بهذا العزاء وما زالت الجزائر عظيمة في جهادها كما هي اليوم عظيمة في اجتهادها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :690  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 877 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج