شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عن الخزامة والزنبق
وأقبلت فتاتي القارئة، قالت: ألم تقرأ يا أبي الخبر عن (( الخزامة )) ؟ فقد نشرت جريدة في ملحق (( أن الخزامة هي الزئبق وينبت في هولندا )) ثم قالت: ليكن من أسماء الخزامة الزنبق، ولكن كيف نسي صاحب الخبر أن العرب يعرفون الخزامة، لأنها من نبات أرضه، كما يعرفون (الشيح) و(القيصوم) والأزاهير كلها.
بعض العرب اليوم الذين اخضرت أرضهم بماء النهر، سواء كان نهر أرضهم أو نهر أرض ارتحلوا إليها، فإذا معرفتهم لأرضهم قد رحلت معهم، لا بل ارتحلت عنهم، فلو رحلوا بها لعرفوها، ولكنها رحلة مزدوجة، رحلوا عن أرضهم، فارتحلت أرضهم عنهم، ظنوا أن الصحراء مجدبة كل دهرها، فلا أيام ممطرة ولا أرض مثمرة ولا دهناء مزهرة، فنسي العربي الذي ابتعد نبات أرضه نسي الواحات والعيون والآبار، لو سألت واحداً منهم ماذا تعني كلمة الإفلاج؟ لما قال لك أنها فلج قنطرة متسعة حتى لقد استعار العربي في لغته الشاعرة، ((فلج الأسنان)).
الخزامة، تغزّل بها الشاعر فكأنها الشذى من رائحة الحبيبة، لم ينس المسك ولا (أجمروا له) ولا الورد وعطره والياسمين ونفحه، كأنما الخزامة جامعة الشمل للعطر، أو هي عطر ذات شملة حول الخزام ولا تستطيع أن تشتري المسك، وليس العطر ثروة تشترى، وإنما هو ثراء النفس تتعطر بما حولها من نبات أرضها.
والخزامة لا تُزرع، وإنما هي تزرع نفسها في رمال النفوذ حين يسوق الله الغيث تهتز الأرض تربو لتنبت من كل زوج بهيج.
في إحدى المرات سافرت إلى نجد والسماء ممطرة، كانت هاطلاً قبل أيام ثم أصبحت رذاذاً، وفي الضحى أخذنا نمُر ((نفوذ السر)) وقبل ذلك لا نمرها إلا ليلة نرقب تلبد الرمل لئلا تتعثر السيارات، أما يوم أمطرت السماء وسقت النفوذ وكان الجو غائماً، وجدنا الرمل قد تلبد في طريقنا وحولنا في كل النفوذ الأزاهير.. أصفر.. أحمر.. أبيض.. من كل الألوان، وقفنا نجيل النظر في هذا الرمل المخيف، أصبح الرمل المؤنس، الأقحوان الخزامة، كل الرمل أعطانا رائحتين.. رائحة الثرى وما فوق الثرى من أزاهير، رائحة الثرى جميلة ألهتني في ليلة من ليالي القاهرة حين عرضوا في السينما الفيلم الهندي (من أجل أولادي)، أغمضت عيني عن الرؤية لأشم البراعة في هذا الفيلم، كأن الشاشة تندت برائحة الثرى، أو ليس الثرى أبي وأمي؟!. ألست من طينة.. من التراب.. من الماء الذي أنا حي به ولن أعيش إلا به؟ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء: 30).
والعربي، لا تحسبوه جاهل الثقافة، جاهليته من عبادة الوثن، أما ثقافته فيعرفها، فهذا امرؤ القيس.. جاهلياً لكنه عرف أكثر الأرض التي حوله حتى ثبير الجبل، سواء هو الذي في منى، أو الذي هو في منازل أسد، أي في القصيم كما عرف تيماء كما عرف أنقرة عاصمة الترك اليوم، كما عرف العُنّاب، ثمر بستان لا ثمر صحراء.. ثمر واحة، لا ثمر الدهناء، أليس هو الذي قال:
كان قلوب الطير رطباً ويابساً
لدي وكرهاً ((العناب)) والحشف البالي
والخزامة مرة أخرى، ما وجدتها في موسوعة، ولكن الزئبق اتسعت له الموسوعة العربية الميسرة، لم تحصره في أرض كهولندا مثلاً وإنما توسعت فذكرت الأراضين التي ينبت فيها، وأحسبها ما ذكرت أنه الخزامة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :663  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 875 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل