شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وَليُّ العَهد في بريطانيا يفتح الملفّ
وتلك رحلة موفقة أحسنت التوقيت لينال التوفيق، فقد دعت بريطانيا المملكة العربية السعودية لزيارتها، وتمثلت تلك الدعوة من السيدة مارجريت تاتشر التي تبوأت رئاسة الوزارة البريطانية، ولم تكن هذه الدعوة منها إلا وهي الموقف الذي يعرب عن رغبة الملكة إليزابيث، فالملكة في حقيقة الأمر هي التي دعت ولي العهد سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز، رغبة الملكة هي الأساس، أما التنفيذ فعن طريق رئاسة الوزارة تنفيذاً لأحكام دستورهم ولما جرت عليه التقاليد هناك.
إن زيارة ولي العهد لبريطانيا، فتحت أمامي ملف التاريخ، تاريخ علاقة الشعوب وعلاقة الدول فالإنسان يوم كان يعيش في الأكواخ وحول الغابات، كانت القرية الخضراء ذات علاقة بالقرية الحمراء، تحتمي القرية بالقرية، فحول الغابة من ناحية أخرى قرية سوداء وقرية صفراء، فالقرى هذه عرفت الصراع والغزو والغارات، حتى إذا اكتشف الإنسان النار أصبح العدوان من قرية على قرية يحرق بالنار الغابة التي حول قرية يحاربها.
فتنظيم العلاقة قديم ومن العصر السحيق، وعندما تشعبت الشعوب وتُبنى المدن تحدد الحوزة.. تتعنصر أو تتنصر أو تتهود أو تحمل راية الإسلام، كل ذلك يدعو إلى تنظيم العلاقات.
ولنختصر، لنصل إلى الإمبراطوريتين تغزو كل منهما الأرض العربية مستعمرة، وما كان ذلك يسمى استعماراً، فالتسمية هذه جديدة حاول الغزاة في العصر الأخير أن يهذبوا احتلالهم، كأنهم بهذا الاحتلال يعمرون الأرض، وبعض ذلك قد كان وأكثر من ذلك ألا يكون.
فالرومان قد اتصلوا بأرض العرب، سواء كانوا روما الغربية أو روما الشرقية، وإمبراطورية الفرس كانت كالرومان، فالرومان في الشام كلها في مصر كلها وفيما تلاها، والفرس كانوا في العراق وما استطاعوا المخاطرة ليكونوا في الصحراء.. في نجد وفي الحجاز وما إليهم، غير أنهم حجزوا الصحراء كلها حينما اتخذوا من الحيرة ملكاً عربياً وامتلاكاً فارسياً، كما فعل الرومان في الشام ملكاً عربياً وامتلاكاً قيصرياً.
وكان العرب في الجزيرة لا يرضيهم ذلك، فلا ربيعة بتغلبها وبكرها وشيبانها وحنيفتها قد خضعت إلى لخم في الحيرة، عدنانية لم تخضع لقحطانية، والقبائل في جوار الشام، سواء كانت عدنانية من مضر من أصحاب الإلاف أو قحطانية من قضاعة ومن إليها، كلها لم تخضع لأولاد جفنة في دمشق. الإيلاف كان تنظيم علاقة والجوار نظمت به علاقة، فالوضع إِذن أن العرب في جزيرتهم ينظمون العلاقة، فلكم صاهرت غطفان وكلب صاهرت قريشاً يعني أن الحيرة تواءمت مع مضر كما الشام صاهرت مضراً.
إن هذا الاستطراد لسابق التاريخ، مقدمة لا بد منها، إن بريطانيا قد استغولت حين أصبحت إمبراطورية الهند، وجزيرة العرب الطريق إلى الهند والرجل المريض الدولة العثمانية، لم تعد قادرة على حماية الجزيرة وساحلها الشرقي من أن تكون طريقاً للهند. ذلك أن صحوة الشعوب العربية لم تعد تحتمل المركزية في استنبول، والتوسع العثماني في أوروبا (البلقان). وقوة القيصرية في روسيا، كل ذلك كان عوناً لبريطانيا لأنه أضعف الرجل المريض، ولبت نجد دعوة الإسلام، أعني الرجوع إلى عقيدة السلف، دعا إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكانت التلبية سيف آل سعود، وجرى ما جرى.. انتصارات ونكسات، حتى إذا تولى الأمر بنعمة الله وبنصر الملك البطل عبد العزيز بن عبد الرحمن، كان لا بد له من أن ينظم علاقاته مع الدولة العثمانية حيناً بالرسائل والمفاوضات، ومع مصر حيث أن مصر بعد طغيان محمد علي على الدولة العثمانية استقل الخديوي فيها، لا يعارض النهضة العربية، كما كان جده، فمحمد علي كان حرباً على السعوديين طاعة للسلطان، فإذا هو بعد حرب على السلطان شنها على الشام مما أضعف الدولة العثمانية، قال بعضهم: إن محمد علي انتشر في جزيرة العرب حرباً على الإنجليز، قد يكون ذلك إعلانه ولكن الحقيقة إنه كان حرباً على الدولة العثمانية لصالح الإنجليز، لم يرده ولكنها إرادة المصالح والمطامع وقوة السلاح.
فلقد ذكر الأمير عبد الله ولي العهد في إحدى كلماته أن العلاقة بين آل سعود وبريطانيا كانت في عهد الإمام فيصل، أن الإمام فيصل - كما ذكر ولي العهد بداية العلاقة مع بريطانيا، التي هي حارسة طريق الهند - بداية العلاقة مع مصر، لأن مصر بعد إبراهيم لم تكن للدولة العثمانية جيشاً.
والملك عبد العزيز نظم علاقاته مع بريطانيا كانت في حاجة لحماية طريق الهند من قبائل الصحراء، فالملك عبد العزيز لم يعتد على ما كان في حوزة بريطانيا في الخليج، ولكن نصر الله له أعطاه حين ضم الأحساء أن تكون بريطانيا أكثر حاجة إليه عندما أصبح ذا قوة على الخليج، وللملك عبد العزيز مواقف برهان على أنه على علاقة طيبة مع بريطانيا غير أنه لم يعرف يوماً أن خضع لطلب بريطانيا لا يرضاه. حتَّم على بريطانيا على ألاَّ يكون لها مندوب عنده، فقد كانت تطمع أن يكون لها عين، فأنعم الله على عبد العزيز بقتل الكابتن شكسبير في معركة خاسرة، فقد كان قتل شكسبير بل كان تركه في العراء دون مواراته موقفا ناصرا لعبد العزيز، فقد حزوا رأس شكسبير وأرسلوه إلى المدينة المنورة وعلقوه على الباب الشامي ورأيته رؤية عين وسمعتهم يذمون كيف كان النصراني في جيش عبد العزيز، وما عرفوا أنهم بذلك قد سلموا عبد العزيز الورقة الرابحة لا يوجد أي كابتن آخر أو أي مندوب آخر يكون عنده.
حتى عبد الله ما كان له أي شأن، فقد قرأنا ما كتبه الأمير شكيب أرسلان عن موقف الملك عبد العزيز في معاهدة اليمن وكيف نهر فلبى ((ألا شأن لك في ذلك)) وكان حينذاك فلبى لا علاقة له بوزارة الخارجية البريطانية، إنما مارس الاستشراق، ولكن عبد العزيز لو تركه يقول لأساء ظن شكيب أرسلان وهاشم الأتاسي وأمين الحسيني ومحمد علي علوية وحتى جميل مردم، نهر فلبى فعلم هؤلاء أن عبد العزيز في يده أمانة يصونها، كما قال ذلك شكيب أرسلان.
تحية لولي العهد وأسأل الله أن يتم علينا نعمة الأمن والاستقرار.. والله ولي التوفيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :627  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 873 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج