شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اللَّهُمَّ اسْترْ عَوْرَاتِنَا.. وَآمِنْ رَوْعَاتِنا
ولعلّ المسلم في كل مكان.. والعربي وبكل الإمكان.. في حاجة إلى هذا الدعاء: (( اللَّهم استر عوراتِنَا وآمن روعاتِنا )) فهذا الدعاء أمر به رسول الله سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين أمر أصحابه من الآباء والأمهات وهم على ذروة الجبل وفي سفح الجبل في حرز الخندق في غزوة الأحزاب. فهذه الغزوة التي كان فيها نصر الله دون حرب، لأن الله سبحانه وتعالى أنعم على المسلمين فستر عوراتهم، وآمن روعاتهم.. وسلط عذابه على المشركين فإذا هم وفي العراء عورة، وإذا هم وَهْمُ، في العراء يأخذهم الرعب من صرير الريح وزمهريرها، تلك ريح الصبا في الأيام الشاتية، فالمدينة المنورة يشتد بردها في برج الدلو إذا ما هبت الصبا، وعجيب أن يكون صبا نجد موضوع الغزل، وأن تكون صبا نجد ريح عذاب إن الله يخلق ما يشاء، فهو على كل شيء قدير.. وقال أهل المدينة الأنصار قبل المهاجرين، والمهاجرون مع الأنصار، قالوا: (( إن بيوتنا عورة )) أفلا يصح لنا أن نقول بلسان المسلم أو بلسان العربي إن بيوت المسلمين وبيوت العرب في أكثر من مكان أصبحت عورة بغزو الأفغان والحملة على الباكستان والتبشير النصراني في أكثر من مكان؟ والعورة الفادحة هي في فلسطين اليوم.
كان يوم الأحزاب شديداً على المسلمين يقودهم ذلك الذي وعده الله بقوله: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67) فالعصمة في بدر كانت نصراً والعصمة في أحد كانت صهراً، والعصمة في غزوة الخندق كانت قهراً على المشركين، فأي ستر لعورة كهذا، وأي أمن للروعة كهذا؟ ارفعوا أكفكم بالدعاء حين ترتفع أكفكم عن الأذى، أذاكم لأنفسكم بالمذهب الضال وإيديولوجية الضلال وإقليمية المضلين، وعنصرية الشعوبية، وإلحاد الفاسقين مع كل هذا العبث انفرط عقد الوحدة بين إفراط يدعيها وبين تفريط يتداعى بالبعد عنها.
قالوا: ((بيوتنا عورة)) نعم فالمدينة الروضة عدة أبقعة.. سهلها محصور بين جذم اللابة في جنوبها ولسان اللابة في شرقها (حرة قريظة) ولسان اللابة في غربها وأقم.. فهي بهذا الحصار لا تغزى من الجنوب لأنه ليس واسع المطرد يصعب عليه الطراد، وكذلك في شرقها وفي غربها فهي لا تغزى من هذا المثلث وإنما يأتيها الغزاة المشركون من شمالها يتسع فيه الطراد ومن شمالها الغربي واسع المطرد، لكن الجنوب والشرق والغرب ينساب منه العدو النهاب، فإن لم تكن من ذلك عورة لغزو فإنها بذاك عورة للنهب والسلب وعلى الأخص فمازال لليهود بقية هم بنو قريظة على الحرة الشرقية تمتد منازلهم حتى إلى شرق العاليه (العوالي).
ولكن الله الناصر لدينه الذي حقق وعده يوم لا يخزي الله نبيه صلَّى الله عليه وسلم ولا ينهزم الإسلام، فإذا عصمة الله تلهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حين أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق، فالأمر من الله أن يحترز رسوله وعباده المجاهدون غرب الجبل سلع.. في حضن الجبل سلع يحاطون بالخندق، يحجز المشركين من قريش وهم في مجمع الأسيال برومة التي هي ((زغابة)) فمجمع الأسيال، فالسيل قناة.. يمر في سفح أحد يكسر الحرة. ينساب من الجنوب بين عير الجبل، والجماء الجبل، وبين حرة وأقم ليصل إلى زغابة، فإذا العقيق وقناة سيل واحد، وفي وسط المدينة تسيل رانوناء سيل بطحان أبو جيدة يمر من وسطها يسير في سفنج سلع وسط ساحة الخندق ليصل إلى زغابة فيكون العناق بين الأسيال الثلاثة فإذا هي سيل واحد يسمى وادي الحمض، قريش كانت في هذا المكان ما سلط عليها السيل.. فقد تنجو بالبعد عنه ولكن سلط عليها الريح تعصفهم عصفاً، فإذا هم وسد الدوامة يأخذهم الرعب حيث قال رسول الله: ((نصرت بالرعب)) وقال: ))نصرت بالصبر، وأهلكت عاد بالدبور)) فالدبور ريح عاصف كأنما هي الإعصار، وأما الصَّبا فرياح ناصرة للمسلمين فريح عاصف على المشركين..
وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: اللَّهم اجعلها ريحاً ولا تجعلها رياحا.
ومع قريش بأحلافها كانت غطفان بقضها وقضيضها فنزلت في سفح أُحد الغربي.. قريش في يسار الأسيال وغطفان في سفح أُحد الغربي، ولكنها العصمة حجزت قريشاً بالخندق ورجفت بغطفان وجاءت الرجفة لقريظة حين خذلهم واحد إسمه نعيم بن مسعود الأشجعي هو من غطفان ولكن العصمة هدته إلى الإيمان.. يسأل رسول الله سيدنا محمداً صلَّى الله عليه وسلم عما يصنع فقال عليه الصلاة والسلام النبي الموحى إليه: خذل عنا، فإنما أنت رجل واحد وهو كما قال: إنما أنت رجل واحد فخذل عنا فسار يخذل قريظة يبعث فيها الشك من المشركين ويخذل المشركين يبعث فيهم الشك من قريظة، فلولا العصمة لصارت قريظة تهتك المدينة التي هي كانت عورة غير أن الله صرف قريظة أن تفعل شيئاً فستر الله العورة وأمن الله الروعة.
غزوة الأحزاب هذه هي رمية الله الثانية.. الأولى كانت في بدر، والثانية في اليوم الذي أشد من بدر.
وضاق صدر فارس المشركين بهذا الحجز، فإذا هو عمرو بن ود العامري أحد أقران عنترة فإذا هو تجره العصمة يأتي إلى ثغرة في الخندق يقفز به حصانه، يرفع صوته وهو في ساحة القتال.. قفز الخندق فكان على مرأى المسلمين رفع صوته يتحدى يطلب البراز، وأبت العصمة أن يتكاثر جمع المسلمين ليأخذوا بعنقه ولكنهم تمتعوا بخلق الفرسان، فأنصفوه ليبارز ليكون الخزي بسيف واحد سيف الإسلام ذي الفقار في يد الزند القوية بالإيمان، زند ابن الأكرمين الإمام حيدرة.. أبي الحسن.. أبي تراب كريم الوجه ابن أبي طالب.. علي ربيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. صهره.. وابن عمه أول طفل أسلم.
صرخ ابن ود يطلب البراز، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم يسأل أصحابه: من لعمرو ؟!! سكت كل صوت، ونطق صوت العصمة على لسان ابن أبي طالب، فقال علي: أنا يا رسول الله فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم إنه عمرو! فقال الإمام كريم الوجه: إن يكن عمراً وقالها لرسول مرة أخرى أنه عمرو! فقال علي: وإن يكن عمراً.
وقالها الثالثة فأجاب علي الثالثة: كالأولى والثانية، فعممه رسول الله ودعا له فبرز حيدرة وكان عمرو على حصانه وعلي راجلاً فإذا عمرو فارس المشركين يعجب يسأل علياً: ابن أبي طالب؟ قال علي: نعم!
قال عمرو: لا أريد أن أقتلك.. قال أبو الحسن: أنا أريد أن أقتلك فانصفني! وأبي فارس المشركين بخلق الفارس، فقد كانت لديهم مكارم أخلاق، فترجل، للعجب من هؤلاء حتى مشركهم فارس ذو خلق، فيا للحسرة فتهم خلق الإسلام.
فتصاول الفارسان وكان مع علي سلاح آخر.. كلمة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فحين برز علي قال محمد الرسول النبي: الله أكبر برز الإسلام كله للكفر كله، وأسرع علي يقطع رجل عمرو يجندله فإذا قتل فارس المشركين رعب جديد على المشركين..
إن الله ينصر من ينصره، وكان دعاء المسلمين علمهم إياه رسول الله اللَّهم استر عوراتِنا وآمن روعاتِنا وكانت العورة على الجبل النساء والذراري فإذا يهودي يرقي الجبل يريد أن يعرف هل عند النساء حارس، وما كان هناك حارس إلا نصر الله فنهضت بنت عبد المطلب صفية عمة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حملت عموداً جندلت اليهودي ما تركته بين يديها فمن حصافتها أن رمت بهن أعلى الجبل. فإذا هي العصمة أرعبت اليهود ظنوا أن قتل صاحبهم رجالٌ ذوو باس، وما كان هناك رجال ولكنها صفية بنت عبد المطلب كانت ذات بأس.. بأس النصر من الله.
وما كتبت عن غزوة الأحزاب إلا ونحن الآن في حومة الصراع بين الأحزاب.. كقوله عليه الصلاة والسلام: يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة فقالوا: أفمن قلة يا رسول الله؟ قال: لا.. ولكن غثاء كغثاء السيل إنما يدرككم الوهن.. قالوا: وما الوهن: قال عليه الصلاة والسلام: حب الدنيا وكراهية الآخرة أو كما قال حب الحياة وكراهية الموت.. فاللَّهم استر عوراتِنا وأمن روعاتِنا..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :898  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 872 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.