فهارس الكتب عناوين الكتب محتويات الكتب أسماء المؤلفين الكل          البحث   

مكتبة الاثنينية
عصاميون لم يرثوا.. عظاميون أورثوا! والكاتب يأخذه الاحتراف أن يفكر في كل ما هو فيه أو ما هو له. لعلّه يجد أن يصل إلى ما هو به. هذا كلام له خبيء، فينبغي ألا أكون كالنعامة، أختفي بالوهم ولا أحتفي بالهم، فواقع العرب اليوم لا يجعلهم في هذا الشر الذي هم فيه. فالقرآن على ألسنتهم والإسلام عقيدتهم والأرض واحدة ليست بما عليها من صخر ورمال منفصلة عن ما هو مثلها على أي شبر وطأته قدم عربية، وكأني أتخيل أن الجبل قاسيون يبتسم إلى المقطم. وأن جبال السراة أرسلت التحية إلى جبال الأطلس، حتى أن البحر الأحمر عانق البحر الأبيض. عجيب أن يكون الجماد أشد حنيناً من الإنسان! ذلك أن الجماد جُبل على الطاعة، أما الإنسان فما أكثر ما تختلف الاستطاعة عن الطاعة لما ينبغي أن يكون سيد نفسه لا تفصله السيادة عن أن يكون السيد بما يفعل لقومه. وما أحسن قول محمد بن عمرو بن الأهتم بقية الناس في تميم حين وقف على قومه في مربد البصرة فنهضوا واقفين تحية له فأنشد: خلت الديار فسدتُ غير مسود ومن البلاء تفردي بالسؤدد فالانفرادية اليوم سؤدد كاذب، لأنها بما تنفعل وبما تفتعل تكذب قومها. أطرح هذه المقدمة حين ذكرت الماضي، وحين يُلح على تذكر الحاضر، لقد كان العرب في جاهلية حتى إذا جاءهم العلم قرأنا يتلى عليهم وإسلاماً يعتقدونه توحدوا. ثم نبع انفراديون يرتدون، ولكنه الله أطفأ الفتنة بعزيمة صاحب الثلاثين شهراً سيدي الصديق ((أبو بكر)) ومعه رجال لم يكونوا الانفراديين، فسطع نور العظمة بمسيرة الفتح ولكن الانفرادية اغتالت ذا النورين، وتعاظمت بما حدث في الجمل وفي صفين وفي النهروان، فإذا المخلصون وأن تجنبوا الفرقة رفعوا أصواتهم بالدعاء، فإذا العظامي ابن هند ابن أبي سفيان معاوية قد أمسكت به دمشق لتقوم إمبراطورية، ملك عضود بعد الخلافة والثلاثين عاماً. لكن هذا العظامي لم يجد من يوطد له الأمر إلا العصامي زياد ابن أبيه أو هو ابن سميه، عصامي لا يُعرف أبوه وإن أغراه ابن أبي سفيان أن يدعوه أخاً له. أبوه أبو سفيان. تلك كانت نظرية متع نفسه بها زياد. غير أنها لم تكن عظامية العصامي. وإنما العظمية فيه من عصاميته، فإذا هو يقود العرب بعصاه. كأنما نبوءة عمر بن الخطاب قد تحققت فقد قال عمر وقد أعجب بكلام زياد بشيراً عن بشائر الفتح في القادسية وما بعدها، قال عمر رضي الله عنه: ((لو أن هذا الفتى من قريش لقاد العرب بعصاه)). وفعلاً قاد العراق وما إليه إلى وحدة الإمبراطورية العربية. تلك عصامية ما ورثها، ولكن مجد التاريخ العربي ورثها. وانتشرت فتنة فإذا عبد الملك بن مروان يتولى الأمر، يفتش عن رجل فلا يجد عظامياً حوله، فأكثرهم لا يرضونه، فإذا هو يفتش عن هذا العصامي الحجاج بن يوسف معلم الصبيان، حتى إذا كان في العراق بعد زياد لم يفخر بنسب وما فاته السبب ولكنه أمسك خطوة خطوة ليكون ذا حسب، عصامي لم يرث العظامية، أصبح عظيماً ورثنا عنه فتح الشرق. فالنتيجة ألا نصرف فكرنا إلى بعض ما يؤخذ على الحجاج وعلى زياد، فتنظيم الأمن ووحدة الإمبراطورية وتوحيد المجاهدين لا ينساه التاريخ. أما الثالث العصامي الذي أصبح عظامياً بكل معنى الكلمة فهو قتيبة بن مسلم الباهلي. باهلي قبيلته لم تأخذ عظمة قبيلة أخرى حتى قالوا: لا تنفع الأنساب من هاشم إن كانت الأنفس من باهلة ولكن باهلة أصبحت في تاريخ العرب تتباهى بقتيبة لأنه قائد الفتح للشرق، يسير من الكوفة حتى يصل إلى كشغر، من حدود العرب إلى شمال الصين، كأنما قتيبة متعنا بهدية تركستانية، ألا وهي التي جادت بالإمام العظيم محمد بن إسماعيل البخاري، وما أكثر جودها بمن هم إخوان البخاري. فمن مزايا قتيبة أنه لم يكن من أهل الغرور، فله كلمة قالها حين نبغت فتنة في التركستان الغربي، فقال له بعض رجاله: ((ابعث إليهم وكيعاً، ذلك العظامي من تميم)) فقال قتيبة: ((إن وكيعاً يحتقر عدوه فأخشى أن يركبه الغرور فتلحقنا هزيمة شرها يستطير)) ولكن طغت الانفرادية على وكيع يغتال قتيبة، يفرح بها سليمان بن عبد الملك، فالعظامي سليمان هو الذي دق أول مسمار في عرش بني أمية حيث تكب القادة، فرح بقتل قتيبة، وأذل المهلب بن أبي صفرة، ونكب موسى بن نصير فإذا إمبراطورية بني أمية تهتز، حتى أن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز قد أخذ يلم شملها، يمنع انتشار الفتح، ولكن الجور على القادة أخفق السيادة، فإذا شعوبية الفرس وجدت المتنفس حتى أنشد نصر بن سيّار: أرى أثر الرماد وميض نار ويوشك أن يشبَّ لها ضرام فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام وأشعلها العباسيون وانتهى القائد العربي، وحل محله الفارسي والتركي.
طباعة تعليق  القراءات :931  التعليقات :0
صفحة 869 من 1092

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان

هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع
	تسجيلات كاملة
	مقتطفات لتسجيلات مختارة
	لا أؤيد
النتائج