شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفيتو.. ومآليه
الفيتو - أو حق الرفض - امتياز كان وضعه في الميثاق أمراً فرضته الإمبراطوريتان المنتصرتان، فأعطتا لنفسيهما أن تكونا مالكتين لسلطان الدنيا.. تفرضان امتناعهما عن أي قرار من مجلس الأمن، فإذا مجلس الأمن لم يعد بعد إلا مجلس الخوف أو التخويف.
فالفيتو.. ديكتاتورية إمبراطورية ترفض رأي الأكثرية لتفرض رأيها، فالموقف السلبي قد يظن أنه ليس رأياً، مع أنه لا فرق في أن يكون الرأي إيجابياً أو سلبياً، فالدول الخمس أخذت هذا الامتياز، ولعلّ بريطانيا وفرنسا والصين كان عطاؤه لها تسولاً من باب جبر الخاطر، أما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة فلم يكن ذلك عطاء. وإنما كان ذلك أخذاً. قسراً قد زيَّنَاه جرعة حين شاركا الدول الثلاث معهما.. كأنه التبرير لموقف ظالم. وتعامل الاتحاد السوفيتي مع الفيتو، وكان أكثر ذلك رداً على مواقف الولايات المتحدة ومن إليها، وكثيراً ما صفق العرب لما رفضه الاتحاد السوفيتي.
أما الولايات المتحدة فكثيراً ما رفضت قرارات ضد إسرائيل، فغذا إسرائيل لا تصفق لذلك لأنها لا تحسبه عطاء من الولايات المتحدة وإنما هو أخذ من إسرائيل وعطاء من اليهودية الصهيوينة داخل الولايات المتحدة. وإذا الهوة تتسع بين العرب والولايات المتحدة، فالفيتو كسب منه الاتحاد السوفيتي كثيراً. وخسرت الولايات المتحدة الكثير. ولكن حق الفيتو الذي أعطى الكسب للاتحاد السوفيتي لم يغيّر من الواقع في العالم العربي شيئاً. الرفض لقرار رفض للقانون، ولكن الواقع تنصره الولايات المتحدة بغير قانون، ويكسب منه الاتحاد السوفيتي بالتقنين العربي.. لا يمكنه إلا أن يغض الطرف عن أي موقف للاتحاد السوفيتي قبل غزو الأفغان ولا يسكت له لسان يعلن النكران لمواقف الولايات المتحدة.. سواء عن رفضها القرار، أو فرضها الطغيان.
وانتهى الفيتو، فلم تعد الدول الخمس، وعلى الأخص الإمبراطوريتان روسيا والولايات المتحدة، في حاجة إليه.
يجمعون على القرار لأنهم لا يريدون التظاهر برفضه، فهناك الرفض الواقع من الذين يصدر ضدهم القرار.. لا حاجة لإشهار أنفسهم رافضين، فإسرائيل وجنوب إفريقيا والاتحاد السوفيتي وغيرها أصبحت تمارس الرفض بلا قانون وضد القانون.
أفليس من الحقيقة أن نقول: إن إسرائيل سخرت من هيئة الأمم ومجلس الأمن.. بل وسخرتهما أكثر من سخرية هتلر وموسوليني بعصبة الأمم؟
فالنازية والفاشية هما الآن تلبسهما إسرائيل.
إن النازية والفاشية بقوة ليست لها، دائماً هي عطاء السكوت عنها من الاتحاد السوفيتي وأخذ هذا العطاء قسراً من الولايات المتحدة، فهتلر وموسوليني كانا بالقوة الذاتية يسخران من عصبة الأمم.. أما إسرائيل فلم يكن ذلك من قوتها الذاتية، وإنما من عطاء أوروبا كلها والولايات المتحدة التي ورثت سلطان أوروبا المستعمرة، فأحالته إلى نوع من الاستقطاب بأنواع من الاستثمار، فإسرائيل ما هي الآن إلاَّ سمسار لبيع السلام، فوجود إسرائيل على هذه الصورة صنع من يشتري السلاح، ومن يبيع السلام، والتاجر لا يفرط في السمسار.. إلا إذا وجد سماسرة آخرين.. كما هو الحال في سلوك الاتحاد السوفيتي الآن، فقد أصبح سماسرته كثيرين.. لكن السمسار المحترم لديه مازال هو إسرائيل.
لقد مات الفيتو في مجلس الأمن، ويعيش الفيتو الآن في كل مكان.
ـ الهند وباكستان:
حين زار الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية الهند صرح يدعو الهند وباكستان إلى موقف استراتيجي موحد يصون أمن الدولتين، ويردع المتربصين بهما من الشرق إلى الشمال.
وحين زارت السيدة مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية دعت إلى مثل ذلك، بل وكانت صريحة حين أنكرت على الهند أن تقتني السلاح وترفض أن تفعل ذلك الباكستان بل إنها - بعبارة خلفية - أنكرت على الهند موقفها من غزو الأفغان.
فأي تعليق أبدأ به؟.
إن تصريح الأمير والرئيسة.. تذكير بواقع يضر، وطلب لوضع ينفع، ولكن.. لماذا تقف الهند هذا الموقف من الباكستان، وحتى البنغال، وحتى الأفغان؟
فاستنباط الحكم على الواقع ينبغي أن لا يحصر في وقائع جدت بعد تقسيم الهند إلى دولتين، ثم انقسام القارة إلى ثلاث دول، وإنما هو الاستقراء لما قبل هذا الواقع، فلو لم تكن هناك عقد ورواسب لما كان الخلاف على كشمير، ولو لم تكن التعقيدات بين شرق الباكستان وغربه لما احتدم الواقع حتى أن النظرة المجردة تحسب أن كل ذلك هو السبب، بينما الأسباب كثيرة من عقد الماضي ورواسبه، فقد عرفها غاندي.. فأحب لقارة الهند أن تمسك بيد المنبوذين، طاهرة لا نجسة، واجب أن يكون الهندوكي والمسلم الهندي مواطنين في أرض واحدة فاغتالته العقد بين هندوكي مثله.. فالهنادك في الهند أنكر عليهم أنهم تجرعوا الغصص من سلطان المغوليين والباتان، فنقموا عليهم أنهم المسلمون كأنما هم حمَّلوا الإسلام كل ما تجرعوه من الغصص.. تنكروا للمغولين والباتان كمسلمين ولم يتفطنوا إلى أن الإسلام يحرم الطغيان، ولا يرضى بالظلم.
لقد نقموا على النواب أمراء الإقطاع المسلمين، مع أن هؤلاء النواب لم يكونوا أكثر شراً من المهراجات أمراء الإقطاع، غفروا للمهراجا ما لم يغفروه للنواب.
وحتى أن المسلمين في الهند أضافوا لأنفسهم عقدة جديدة ضد العرب، فالعقدة في الهنادك ضد الإسلام، والعقدة الجديدة في مسلمي الهند أيام الاستعمار كانت ضد العرب لأنهم فتحوا السند، ولا لأنهم شكلوا إمبراطورية في الهند تمزقت في إقطاعيات مسلمة، وإنما لأن العرب حالفوا الإنجليز فأسقطوا - كما زعموا - دولة الخلافة، فقد اعتقدوا أن دولة الخلافة هي التي ستخرج الاستعمار الإنجليزي من الهند، وأن العرب حين حالفوا الإنجليز والفرنسيين رسخوا الاستعمار في الهند.
ولعلّ هذا الحكم ليس من عندي، فقد سافرت إلى الهند زائراً بصحبة الشيخ محمود شويل فأحببنا أن نزور شيخ الشيوخ السيد حسين أحمد المدني.. شيخ (ديوباند) فهو صديق للشيخ حينما كان من خيار علماء المسجد النبوي.. حتى أن الأمير شكيب أرسلان لم يعجبه في مسجد المدينة إلا رجلان عالمان: هما حمدان بن الونيس الجزائري، وحسين أحمد الهندي المدني.
زرنا السيد حسين وتناولنا العشاء عنده، فلما أخذ يودعنا قال:
ـ أنتم العرب أصبحتم مطية الإنجليز.. أعطيتم لهم القوة أن يرسخوا قدم استعمارهم في الهند.. لأن حربكم ضد دولة الخلافة، ولأنكم طريق المواصلات قد صنعتم ذلك.
وسكت الشيخ محمود شويل، فقلت للشيخ حسين أحمد:
ـ إنا نحن العرب نقول إن استعمار الإنجليز للهند، لأن الأرض العربية طريق مواصلات، هو الذي حمل الإنجليز أن يستعمروا أرضاً عربية، وأن يشطر العالم العربي إلى شطرين بإسرائيل، فمن الحق أن ندفع حملتك بأن وجود الإنجليز استعمروا الهند قبل أن تكون لهم قدم في أي شبر عربي.
فهذا العالم الجليل - وهو عربي العرق - قد أخذت منه العقد الجديدة هذا المأخذ.. وفي رحلة ثانية.. زرت جامعة (علي قر) فإذا بي أسمع أن الدكتور عبد العليم - زميل الدكتور ذاكر حسين في تأسيس الجامعة الملية التي صنعت النادرة وما أحسبها تتكرر بعد حين جمعت بين نهرو، ومحمد علي جناح - كان الدكتور عبد العليم مدير الجامعة (علي قر) بعد، فإذا بي أسمع أنه يقول: إن الهند لم يعرفها العرب، ولا علاقة لها بالعرب عرفت ذلك فقابلته، وجرى حوار نحو هذا الحديث.
ـ كيف تنكر يا دكتور أن العرب لا يعرفون الهند، وأغلى السيوف هي الهندية القضب، وأجمل البنات من اسمها (هند) والطيب من العطور هندي.. أو تنكر أن أرقام الحساب الآن.. التي يستعملها العرب في المشرق هي الأرقام الهندية؟.. إن العرب عرفوا الهند والصين.. من أيام ذي القرنين - المصعب بن الحارث - ومن أيام محمد بن القاسم الثقفي وبأيام الإسلام بإمبراطورية في الهند، ومن أكبر إلى أورتريب؟
فقال الدكتور: لعلّهم لم يفهموا قولي. أنا أعني العرب اليوم. لو عرفوا الهند، لما أعانوا الاستعمار الإنجليزي علينا. (كأنما هو والسيد حسين أحمد في مسلاخ واحدة).
ولكن الظروف تغيرت، والصين تدق الأبواب، والاتحاد السوفيتي قد فتح الباب، فلا يعقل إلا أن يدعوهم سلطان الأرض الواحدة للدفاع عنها.
فتسليح باكستان قوة للهند ضد من يتربص. ولكنها عجزة (نهرو) العظيم.. حين اصر على موقفه من كشمير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :672  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 862 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.