شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
البترول.. قوة طاغية
عنوان خطير أمام القراءة السريعة.. إذا ما أسرعت النظرة إليه تقول: إن البترول قوة وطاقة - أمر معروف لا جدال فيه فلماذا أضعه عنواناً لكلمة أكتبها.
والإجابة.. هي أني لا أريد البحث عن طبيعة المادة، وإنما هو الاستقراء لطبيعة الفعل للبترول كقوة العرب، ولطاقة الانفعال به كقوة لمن يستهلكها.. للذين تتعطل مصانعهم إذا ما حاول المنتج أن يمنعه عنهم. فالمادة - أي مادة في طبيعة هذا الكون - قد أودع الخالق فيها قوة الفعل المدد، وقوة الانفعال الامتداد. فمثلاً: يحدد المصنع أن السيارة قوتها كذا حصاناً، أما طاقتها فكذا طناً.. من هنا فالبترول يخضع لهذا القانون كمادة طبيعية، ولكنه كمادة بحصيلة الانتفاع منها تحمل قانوناً آخر من عطاء الانتفاع بها.. أي أنه ليس من قانون القدرة الذاتية، بل إنه من تقنين الذين ينتفعون بها سواء من القيمة التي تدفع ثمناً لها، أو من القيمة التي تنفعل بها المصانع، وينتفع بها المستهلكون..
إن البترول بقوة الثمن أعطى لأرضه وإنسانها أمرين:
ـ أمر تحركت به إلى إقامة العمران.. إلى الخروج من التخلف.
ـ والأمر الثاني: أبرز الأرض إنسانها كقوة عالمية يحسب حسابها، أو تصبح في منطقة الإغراء سواء بالتسلط عليها. باستغواء من حولها.. يجرعونهم البغضاء للأرض وإنسانها، فالحرب عليها بالألسنة اليوم، ولا أستبعد أن تكون الحرب بالأسنة بعد اليوم، فالشرهون الجياع إلى الثروة يستقطبون الذين استغواهم.. كما أن الذين ما زالوا يتمتعون بالعطاء لهم من البترول يتظاهرون بالخوف عليه من الاتحاد السوفيتي، ويخفون الخوف منه.. لأنهم لما يقاوموا الخوف عليهم بعد، وما زالوا يصنعون أن يكون الخوف منه.
مواقف غير مفهومة للعرب، وللولايات المتحدة بالذات، فقد يكون من المفهوم أنهم على استعداد لمقاومة الخوف عليه، لكنهم - ومع الأسف - ما زالوا يمارسون كل الاستعداد بموقفهم مع إسرائيل ليكون الخوف منه.
والذين امتلأ وجدانهم بالغواية، وأعني بهم الأقربين ولا شأن لي بالأبعدين، فهؤلاء في كل مؤتمر يدعون إلى مقاطعة بترولية تصب على الغرب وعلى الولايات المتحدة.. مع أنهم لو كانوا من المنتجين الذين يستغل إنتاجهم من استغواهم فإنهم لا يطلقون ألسنتهم كما يطلقونها الآن.
إن قطع البترول عن الولايات المتحدة أو الغرب لا يعني إلا القضاء على قوة الفعل للبترول فالمقاطعة حرمان لأرض البترول وإنسانها من القوة التي جعلت الدول التسع الأوروبية تحاول أن تجد حلاً، ولو كان الحل ليس في طاقة الدول الغربية.. فالولايات المتحدة ما زالت تلعب بسلوك الدول التسع في هذا المجال، وإطار كامب ديفيد ما زال شبحاً يقصي الدول الغربية عن عطاء الحل.
أما الاتحاد السوفيتي، فالضغط منه إلى حد الشراسة يعجز دول الغرب، وحتى الولايات المتحدة على أن تضغط على إسرائيل، كما هو معجز لأصدقائه أن يتحركوا إيجابياً أو سلبياً مع تحرك الدول الغربية، أو ضد إسرائيل، فبقاء العرب في المواجهة لإسرائيل الذين تمتلئ مستودعاتهم بالسلاح، قد غلت أيديهم إلى أعناقهم، لا يحاربون طغيان إسرائيل حتى على لبنان، وما قبل لبنان.
إن البترول أصبح مرفقاً عالمياً.. وقوة عالمية للأرض وإنسانها.. فيه عطاء أن نحارب به بقوة الفعل لا بتعطيل الفعل، ثم.. أليس هناك بترول غير بترول الخليج، أم أن بعض الأقربين يتعمدون التناسي حتى تكون المآسي؟
ـ العنف:
في مساء اليوم الذي أملي فيه هذه الكلمة.. سمعنا تصريحاً لوزير خارجية أميركا الجنرال الإسكندر هيج.. يحذر الاتحاد السوفيتي أو يدعوه إلى ترك العنف في بولندا - مثلاً - أو في الأفغان، أو في غيرهما على يد الذين يسلطهم.
وعجبت من هذه الازدواجية.. يطلب من الاتحاد السوفيتي أن يمتنع عن العنف.. بينما الجنرال الإسكندر هيج - كوزير لخارجية الولايات المتحدة - لا يحذر نفسه ليدعو إسرائيل بالكف عن العنف.. حتى إن المنصب لنفسه في تحقيق التاريخ لا يكون ظالماً للولايات المتحدة إذا ما قال، بل وإذا اعتقد أن العنف الذي تمارسه إسرائيل في لبنان الآن، وفي فلسطين والجولان ما هو إلا عنف الولايات المتحدة.. تصرخ من عنف الاتحاد السوفيتي.. وتبتسم لعنف إسرائيل.
أليست هذه ازدواجية في السلوك، فإن زعموا أن غطرسة القوة تخفيها، فإن شراسة الظلم تبديها، فلو لم أكن مظلوماً كعربي لما خطر في بالي أن أجرح موقفاً للولايات المتحدة، ولكن أليست الازدواجية هي من تجريح الولايات المتحدة لنفسها؟
السلاح
وانفرجت النفس العربية قليلاً حين أعلنت الإدارة الأمريكية أنها قد وافقت على إتمام البيع للأسلحة المتطورة، وطائرات الاستكشاف للمملكة العربية السعودية، فلم تلبث بعد لحظة من الانفراج إلا أن تشعر بالضيق حين أذاعوا أكثر من ذلك على الكونغرس، وحين أذاعوا أكثر من ذلك أن ثلاثين عضواً من الكونغرس نعتوهم أنهم من اليهود قد قابلوا الإدارة الأمريكية محتجين على هذه الصفقة.
فهل التخطيط لبقاء الصداقة وإعطاء القوة للأصدقاء يخضع لاعتبارات دفاعية أكثر من الاعتبارات السياسية.. أم أن الاعتبار ولا غيره هو للخضوع لليهود، ولإسرائيل؟ مع أن الحجة للإدارة الأمريكية قد نوهت بالأسباب التي دعت الرئيس ريغان أن يوافق على بيع الصفقة.. لأنه في عرف الدفاع عن المصالح الأمريكية هو العطاء للأصدقاء.. يملكون القوة للدفاع عن أنفسهم، عن أرضهم، عن بترولهم. وبالتالي هو قوة دفاع عن المصالح الأمريكية.. بل هو قوة عطاء للولايات المتحدة من ناحيتين: من ناحية الثمن المدفوع، ومن ناحية التوفيق لأن لا تتورط.. الولايات المتحدة في ما تزعمه من إعداد قوة الانتشار السريع. فبيع السلاح.. مال في خزانة الولايات المتحدة، أما عطاؤه لإسرائيل فنزح من ثروة الولايات المتحدة وعطاء آخر هو توفير النفقة على الولايات المتحدة.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية التي ترتكز على مخططات البنتاجون قد استوعبت أن القوة في يد الأصدقاء هي لمقاومة أي تحرك من الاتحاد السوفيتي ضد هؤلاء الأصدقاء، فإن ذلك ما هو إلا العون للولايات المتحدة، كأنما الولايات المتحدة تضيف قوة إلى قوتها أما عطاؤها لإسرائيل فقد أسقط كثيراً من هيبة الولايات المتحدة وقوتها، ثم إن هذه القوة في يد الأصدقاء.. قد تقول إسرائيل واليهود معها إنها لن ترد الاتحاد السوفياتي وهم يعرفون أن الاتحاد السوفياتي لن يباشر غزواً بقوته الذاتية كجيش يدفعه الاحتلال فما فعله في الأفغان هو عن طريق العمالة والعميل، وكذلك إذا ما حاول أن يتحرك ضد الخليج وما إليه، فإنه لن يباشر ذلك غزواً بجيوشه، فالأصدقاء له أصبحوا في وضع كماشة شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، ويمكنه أن يثير ببعض هؤلاء الأصدقاء حرباً أهلية، فالقوة في يد المملكة العربية السعودية لا شك أنها قادرة على مقاومة تحرك أي عميل أو أي صديق للاتحاد السوفيتي.. حتى تعطي الوقت للولايات المتحدة إذا كانت صادقة في التحرك ضد مطامع الاتحاد السوفيتي.
ولعلّي قد اجترأت كثيراً بهذا التوضيح أو هذا التجريح، لأني أردت أن لا أكون كالنعامة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :615  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 861 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.