شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تحذير بكين ونصيحة تونس
قد لا يخطر على بال كاتب حين يسمع تحذيراً من أي جهة أو نصيحة من جهة أخرى تتعلق بالأحداث الواقعة أن يعلق عليه متفائلاً أو متشائماً أو حتى متناقضاً. ولكن التحرك من جهة أخرى قد واكب التحذير والنصيحة.. يطرح سؤالاً ملحاً يدعو الكاتب أن يعلق خصوصاً. وإن كل إنسان في هذه الأرض يخشى التحذير ويستجيب للنصيحة ويشرح التحرك المواكب لهذين الوضعين.
إن بكين - الإمبراطورية - في أكثر من مرة حذرت، بل وأنذرت دول أوروبا الغربية أن لا تتراخى علاقاتها بالولايات المتحدة لأن هذا التراخي يعطل حلف الأطلسي ويعطي القوة لحلف وارسو، فدول أوروبا الغربية حتى تسترضي علاقتها بالولايات المتحدة في سبيل أن تطلب السلامة من الاتحاد السوفيتي فإنها تضع نفسها في خطوات آتية يمارس فيها الاتحاد السوفيتي إخضاع غرب أوروبا إلى الاستسلام ينبغي أن تتوثق علاقات الولايات المتحدة مع دول أوروبا.. ليس بحكم الميثاق لحلف الأطلسي وإنما بحكم أن تسلم أوروبا وأن تسلم الولايات المتحدة لتكون بعد: السلامة للصين.
تحذير لمن يكن صريحاً في وضع التبعية والمسئولية على الطرف الذي استرضت به هذه العلاقات، فهل دول أوروبا الغربية هي التي أخطأت الطريق؟ أم أن تصرفات الولايات المتحدة هي التي لم تمش على الطريق فكثير من تصرفاتها مع دول أوروبا الغربية فيها شيء من فرض التبعية، تصرفات مفاجئة، خطوات تكاد تضيع بها مصالح أوروبا الغربية.
كل هذا أعطى دول أوروبا العذر.. تسير خطواتها على هذا الموقف المتأرجح، فهي لا تستطيع أن تصبر على فرض التبعية، وتعرف دون الاحتفال بتحذير الصين مدى الضرر الذي يتأتى من استرخاء العلاقات مع الولايات المتحدة، فعلى الصين الإمبراطورية المسموعة الكلمة لدى واشنطن أن تبعث هذا التحذير إلى البيت الأبيض. فالصرخات في الإذاعة ليست كالصرخة في تقرير تبعثه بكين إلى البيت الأبيض.. لعلّها فعلت الفعل منها إلى أجل تجرها الأحداث إلى أن تسمع تحذير الصين بعد فوات الأوان، فالكلمة التي كانت تقولها إمبراطورية بريطانيا: (إن بريطانيا قد تفوتها الفرصة، ولكنها هي التي تقتنص الفرص لتجعل من قوتها الفرصة الناجحة).
أو كالشعار الآخر لإمبراطورية بريطانيا أيضاً: (بريطانيا تخسر المعارك وتكسب النصر). إن هذين الشعارين قد ماتا، فالفرصة إن لم تقتنص يصبح فواتها فرصة النصر للعدو المتربص أو صانع الأحداث اليوم، وخسارة المعارك هي التي تكسب النصر، وكم هي المعارك التي خسرها الغرب كله، وكسب النصر فيها الاتحاد السوفيتي.. ليس أولها كوريا وفيتنام وليس آخرها القرن الإفريقي والأفغان وحتى جمهورية تشاد.
هذا التحذير من الصين - مرة أخرى - يرحب به التحرك الأمريكي بلسان كيسنجر، فهو في رحلته التي يريد أن ينفخ بها القوة في النمر من الورق على حد تعبيره.. هي مواكبة وتلبية لتحذير الصين.
وبقي موقفه من نصيحة تونس، فلقد أرسل الرئيس الزعيم الحبيب بورقيبه نصيحة إلى العرب وإفريقيا ودول السوق المشتركة، وهي نفسها دول حلف الأطلسي: أن تتعاون كمثلث قوي في حل مشكلة الشرق الأوسط، وحل الأزمات الاقتصادية، وبعبارة أصح أفهمها من نصيحة أنه أراد أن يشكل قوة ثالثة بين قوة الاتحاد السوفيتي وقوة الولايات المتحدة، وهذا رأي فصيح، فهل يقف كيسنجر معه أم ضده؟
فالذين عرفوا عن كيسنجر بيهوديته وصهيونيته قبل أمريكيته.. يعتقدون حقاً أن كيسنجر أول من يرفض نصيحة بورقيبه مع أنها في النتيجة هي نفسها تحذير الصين، فهذا الموقف المتأرجح في ظاهره أنه ضد العرب، ومن ظلاله أنه فرض للتبعية على دول الغرب، من نتائجه العقوق للولايات المتحدة.
إن الولايات المتحدة لا تستطيع باستقرار الحوادث التي تمر بالعالم الآن إلا أن تكون قوية بحلفائها وأصدقائها وبرفع الظلم الذي مارسته بكل الغطرسة والقوة ضد العرب. لم يصنع ذلك الشعب الأمريكي كله، وإنما صنعه للولايات المتحدة، كيسنجر ومن إليه لقد جاء كيسنجر من رحلة المكوك، وعمل بالجسر الجوي وبدهاء السياسة ومكر اليهود (لقد تركت العرب نمراً من الورق).
ولكنه لم يترك العرب نمراً من الورق، وإنما ألجأ الولايات المتحدة لأن تكون فيلا ضخماً لا.. يستطيع التحرك أمام الدب الروسي، فلو كان العرب قد تركوا لوضع إسرائيل في الموقف الضعيف لما استطاع الدب الروسي أن يقهر الفيل الأمريكي..
إن عبارة (الفيل) ليست لي، إنما هي لأمريكي صحفي كبير اسمه (والتر ليتمان) فقد قال عن حرب فيتنام:
ـ هب أن الولايات المتحدة فيل كبير والفيتناميين نمل كثير، إنه قد يدهس ألوفاً من النمل ولكن بعضاً من النمل إذا ما ركب جسمه ودخل خياشيمه وأذنيه فإن هذا الفيل سوف لا يتحرك ليطأ نملاً آخر..
إن كيسنجر قد وضعته صداقة ألكسندر هيج أو تملقه للرئيس ريجان أن يفتعل هذه الرحلة ليضع العالم أمام معركة جديدة هي القديمة، ويعني بذلك أن كيسنجر في عهد نيكسون هو كيسنجر نفسه في عهد ريجان.
ولعلّي أقول إن ألسكندر هيج قد ابتلع الطعم، فصداقته للبيت الأبيض هي التي تطعمه أن يكون كيسنجر رأياً نافعاً له، وبهذا قد تعيد رضا الحزب الديمقراطي عنه، فرغم أن كيسنجر جمهوري الحزب فإنه في عاطفة الحزب الديمقراطي: اليهودي الصهيوني.
مأساة أن يكون مصير الإمبراطورية في يد الذين يلبسون الولاءين: ولاء لليهودية ولإسرائيل ولو تعارض مع الولايات المتحدة.
إن نصيحة بورقيبة توجب على الذين نصحهم - إفريقيين وعرباً - أن يعلنوا قوتهم ويستعينوا بقوة أوروبا الغربية التي ما كان ميلها لهم عن عاطفة وإنما لأن الإفريقيين والعرب يملكون من الموارد ما أجبر دول أوروبا أن يتميلوا إليهم. فالسياسة لا مكان للعواطف فيها، والكلمة البريطانية كشعار لا تختص بها السياسة البريطانية وحدها، وهي: (إن بريطانيا ليس لها أصدقاء، وإنما لها مصالح) والغرب كله ليس له أصدقاء وإنما له مصالحه، ومصالحه في يد العرب ثم في يد إفريقيا.
القرار رقم 242
إن بعض الأصوات الهامسة أنكرت على مؤتمر القمة الحادي عشر في عمان أن يعلن رفضه للقرار 242 لأن هذا القرار في نظر الهامسين قد رضيت به بعض دول القمة، وإن البعض الآخر سيطاوع لو نفذ لأنه يضع التبعية في قبوله وتنفيذه على دول المواجهة التي قبلته. وقالوا إن في هذا تناقضاً.. مع أنهم لو التفتوا إلى ما تقرر في مؤتمر الرباط لوجدوا أنفسهم أنهم عاشوا هذا التناقض طوال المدة ما بين مؤتمر الرباط ومؤتمر عمان، وكيف كان ذلك؟ إن مؤتمر الرباط حين قرر خروجاً من الأزمة التي عاشها الفلطسينيون أن الممثل الشخصي هو منظمة التحرير الفلسطينية.. يعني أنه جعل قضية فلسطين لا يتكلم بشأنها ولا يقرر أمراً إلا منظمة التحرير، وهذه المنظمة ترفض القرار 242، فعلى ذلك أصبح قرار مؤتمر القمة في الرباط حين وضع المنظمة في هذا الوضع الكريم قد ألغى دون إعلان القرار 242، وإلا، فكيف يصبح أن تكون منظمة التحرير الرافضة لهذا القرار هي المسؤولة عن فلسطين.. بينما القرار لم يذكر منظمة التحرير، بل قرر مصير فلسطين: جلاء عن الأرض التي احتلت بعد الخامس من يونيو 1967م، فالذين اعترفوا بهذا القرار قد أقصوا المنظمة، والمنظمة - بحكم هذه المسؤولية - قد رفضت القرار..؟
ومع هذا.. فحكومة الأردن التي يتوجه الهمس إليها بأنها تناقض موقفها قد أعطت لنفسها أن لا يزدوج السلوك بين الاعتراف بالقرار والاعتراف بمنظمة التحرير، مع هذا - أيضاً - فإن إطار كامب ديفيد قد تجافى مع القرار وأجحف بالمنظمة، ومع هذا - مرة ثالثة - فالهامسون لم يتحركوا لينفذ القرار.. بل كل تحركاتهم أن فرضوا سلطانهم على منظمة التحرير. فالقرار 242 - كما قلنا من قبل - قد أُلغي في مؤتمر الرباط. فالازدواج في السلوك أن لا يعلن رفضه في مؤتمر عمان.
ليوبولد سنغور
زعيمان.. أتمتع باحترامهما، بلغا القمة في النضال والفكر، وهما نهرو، وليوبولد سنغور لكني أخذت على نهرو أن فكره لم يعطه الفرصة لأن يصنع التسامح مع المسلمين.. بينما كانت هذه المؤاخذة على ليوبولد سنغور، غير أنه وقد امتدت به الحياة قد بدأ يصنع الكثير من التسامح، لكن المؤاخذة تنصب كل الانصباب على الملايين المسلمة في الهند أنها لم تتقدم خطوة لأن تنصف نفسها مما يصيبها، فلو أنها - أعني الأكثرية المسلمة - اتبعت خطة غاندي في شيء من العصيان المدني والمقاومة السلبية لأجبرت نهرو ومن بعده أن يجنحوا إلى التسامح، فالمسلمون في الهند قوة فكرية وبشرية، فقد قلت للدكتور مجيب مدير الجامعة الملية: ليس ضعفكم في أنكم أقلية، بل تلك الأقلية هي القوة لو استثمرتم كل قوتكم في تبصير حكّام الهند أن يحققوا نظرية الدكتور ذاكر حسين - المفكر المسلم - حين قال لي يوم تشرفت بزيارته في القصر الجمهوري: إننا نريد أن لا يكون في الهند حاكم أو محكوم، فقلت له: إن هذا هو الصعب، وليست الصعوبة في وضع الإدارة وإنما الصعوبة بهذا التعصب يفرض على الحاكم أن يكون حاكماً وعلى المتعصبين أن يكونوا محكومين.
أما المؤاخذة على ليوبولد سنغور، فهي لا تنصب عليه وحده، وإنما على بعض مشايخ الطرق.. طوعوا الأكثرية المسلمة أن لا تنصف نفسها، ولكن - ومع هذا كله فإن ليوبولد سنغور قد حقق للسنغال استقلاله وناضل عن إفريقيا، وناصر قضية فلسطين، وأعطى درساً في أن لا تبقى الزعامة سرمدية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :690  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 859 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .