شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بالمبادرة أهتم.. ولها أهتم
حين اطلعت علينا دول أوروبا الغربية - سواء كان اسمها الدول التسع أو السوق المشتركة في الجماعة الاقتصادية - بالمبادرة لحل قضية الشرق الأوسط، تبرعت بالكلام الكثير.. ليس أوله البيان الأول، وليس آخره بيان البندقية، بل ومن أواخره هذه الزيارات المتلاحقة لوزير خارجية هولندا - الرئيس الآن لوزراء الدول التسع - للاستطلاع، كأنه لم يكتف بزيارة سلفه.. رئيس السوق الآن، ثورن، وتلاحقت التصريحات.. لا بد من ضم منظمة التحرير إلى المفاوضات، ولا يعتبر هذا اعترافاً بمنظمة التحرير.
من هنا أضع الاهتمام طريقاً إلى الاتهام.. فلن يقتصر الاهتمام على الايجابيات فحسب بل إنه أشد ما يكون احتفالاً بالسلبيات، فالحوار مع الاتهام - كنقد السلبيات - هو في النتيجة يحمل الحرص على الايجابيات.
وتدعو دول أوروبا الغربية بما تسميه المبادرة لصنع السلام بين العرب وإسرائيل.. فهل المفاوضات صالحة لصنع السلام..؟
إنها لن تصنع السلام بحال من الأحوال، وها هي مفاوضات الحكم الذاتي بين هذا المثلث - صانع إطار كامب ديفيد - الولايات المتحدة، ومصر، وإسرائيل.. لا زالت في مكانها لم تتقدم خطوة، بل تأخرت خطوات. فإسرائيل لم تخضع لأي نوع من المفاوضات بل إنها أخذتها فرصة حين سلمت - كما تصورت وكما هو الواقع - من تحرك مصر ضدها، لأن مصر - إن لم تعلن اكتفاءها بالسلامة من إسرائيل - فإنها تعلن أكثر من ذلك أنها صنعت السلام مع إسرائيل، فاستمرأت إسرائيل ذلك.. تتعثر بتصرفاتها هذه المفاوضات. تضم القدس، تتوسع في بناء المستعمرات، تعارض تسليح مصر، وتستمرئ مثل هذه الأزمات المتلاحقة بين زعامات الشرق الأوسط. كل ذلك يعني أن المفاوضات مطاولة للزمن وقتل للوقت وحياة لترسيخ إسرائيل في فلسطين كلها.
من هنا - يقوم الاتهام لهذه المبادرة التي تريد المفاوضات مع إسرائيل تدعو الدول العربية سواء في الجبهات المواجهة أو الحكومات الممدة للمواجهة - وتصر على أن تكون منظمة التحرير شريكاً في المفاوضات، فظاهر هذه الدعوة يعني أن المبادرة ايجابية مع العرب.. مع أنها سلبية كل السلب أمام استحالة المفاوضات، وأمام مطاولة الزمن.. تتمتع إسرائيل بكل الترسيخ تعمل ما تشاء في الأرض المحتلة، فالمفاوضات مستحيلة على ثلاث صور:
أولاً: عدم اعتراف إسرائيل بالمنظمة يستحيل معه الجلوس على مائدة المفاوضات.
ثانياً: عدم اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل.. يستحيل معه جلوس المنظمة على مائدة المفاوضات مع إسرائيل.. لأن أول خطوة في المفاوضات هي أن يعترف كل طرف بالآخر.
ثالثاً: عدم جدوى المفاوضات - تسير بها أي حكومة عربية - مع هذه المبادرة حسب ما تدعو إليه دولة السوق المشتركة.
فهذه الاستحالة عطاء لإسرائيل وحرمان للعرب وإقصاء لمنظمة التحرير. ويحملني على هذا الاتهام تجاربنا المريرة مع دول الغرب: لجان قبل نهاية الانتداب. فسح المجال لليهود أن يستعمروا الأرض. الاعتراف السريع بدولة إسرائيل، المعونات المتلاحقة مالاً وسلاحاً وتأييداً لإسرائيل.
كل العطاء لإسرائيل من دول الغرب، وهذه المبادرة - كما قلت سلفاً - عطاء لإسرائيل، أفليس هذا الاتهام له ما يبرره؟
وقد سمعت وأنا أزور في نفسي الكتابة عن هذا الموضوع تصريح عبد المحسن أبو ميزر، فرغم العبارات الطرية في هذا التصريح، فإن في ظلالها وخلفياتها الاتهام الذي أضعه الآن لأنه - بعبارة رقيقة - يطلب أن تكون دول أوروبا جادة وصادقة، وطلب الشيء يعني أنه غير موجود، فلا الجد ولا الصدق موجود الآن، وإنما كل الأمر: تصريحات..
وكم كنت عجلاً حين فرحت بهذه المبادرة أول الأمر.. من ناحية أنها تأليب للرأي العام العالمي، ونكد متواصل على إسرائيل. حتى لقد قلت في غفلة الفرح: إن أوروبا بدأت تنصرف عن إسرائيل..
لقد كنت حينذاك من الفرحين، وصدق الله العظيم، في هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص: 76 ).
وحين استفقت من غفلة الفرح.. تذكرت قول مثقف كريم، لا أود أن أذكر اسمه حيث قال: إن العرب الآن يتجرعون من الغرب كلاماً ومبادرات يتصرفون بها كأنها عمل (لدني).. هم صانعوه، مع أنه مصنوع لهم - أعني للعرب.. يتجرعونها جرعات مسكنة.. يتخذونها المخرج - كما قلنا من قبل - قد أنامتهم هذه الجرعات.
وبعد الاتهام.. أريد أن أقول لأصحاب هذه المبادرة: لماذا المفاوضات وكلكم وقَّع على قرارات مجلس الأمن.. تتركونها حبراً على ورق لا تعلنون رفضها بينما أنتم بمبدأ المفاوضات الذي تدعون إليه قد رفضتم كل قرار وقَّعتموه؟!
لماذا لا يكون مؤتمر تدعون إليه يحضره الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وأنتم تصدرون قراراً بتنفيذ قرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة بحكم الميثاق، وحقوق الإنسان، وعدم امتلاك الأرض بالقوة. قوة القانون والميثاق بين ايديكم.. لماذا تعطلونها بالمفاوضات.. أنتم تعرفون أن إسرائيل لن ترضى بالمفاوضات، فهي التي لم تخضع للقرارات.. كيف ترضى بهذه الدعوة؟
ولكن مصالحكم، وترسيخ السلام تدعوكم - إن كنتم صادقين - أن تفرضوا تنفيذ القرارات على إسرائيل، أم أنكم وقعتموها وقلتم لإسرائيل: التوقيع منا معذرة، وعدم التنفيذ منك تصرف لا نعارضه..؟
يكفي أن تذيقوا العرب هذه المرارة. ولقد فجعت من عربي يصادق الاتحاد السوفيتي حين قال: لا تستجد الغرب بالكلمات ولا تفرح بالتصريحات، فإسرائيل لن تعبأ بالكلام ضدها.. بل هو في صالحها تسترخي به عضلات العرب، ويشتد به طغيانها، ثم قال - وهذا هو المفجع - ينبغي أن تعرف أنه لولا الاتحاد السوفيتي لكان الوضع في غرب إيران وما يليه غير ما هو الآن. أفبعد هذا نصدق هذه المبادرة، ونفخر بالبرلمان الأوروبي.. إلى آخر ما هناك من هذه الترهات؟
إن كل ما فعله الغرب والولايات المتحدة أعطى للاتحاد السوفيتي فرصاً ما كان يحلم بها وجرعت الغرب غصصاً ما أشد عجزه أن يقاومها.
ـ صورة:
طلعت علينا أثيوبيا وعدن ببيان تدعوان فيه إلى مؤتمر قمة بين دول الخليج ودول البحر الأحمر لضمان الأمن فيهما. وقد كان هذا البيان بعد إعلان التكوين للمجلس الأعلى لدول الخليج. كأنه معارضة له، أو محاولة للنيل منه.
وكعربي - غير ذي شأن - أرحب بهذا الاقتراح كل الترحيب، فأمن الخليج وأمن البحر الأحمر مطلب عربي لشعوبه ولكل الشعوب العربية ولكن.. لا بد أن تثار من طرف أثيوبيا وعدن ومن إليهما رفض التسهيلات في الصومال وفي عمان وفي غيرها كمصر - مثلاً - وأقول:
إن ذلك حسن لا يمانع فيه من أعطى التسهيلات لكنه بالمقابل سيطلب من أثيوبيا وعدن ومن وراءهما إقصاء القواعد السوفيتية من أراضيهما، فإذا كانت التسهيلات مرفوضة لدى هؤلاء فإن القواعد والخبراء من الروس والكوبيين الذين يقتلون الصوماليين والأريثريين يجب أن يكون جلاؤهم في اللحظة الأولى التي يمكن فيها منع التسهيلات.
فلديكم القواعد والجيوش والسلاح من الاتحاد السوفيتي وتطلبون من حكومات عربية أرادت أن تحمي نفسها منكم برفض التسهيلات.
أليس هذا سلوكاً عجيباً غير مفهوم، ولا أدري بماذا يوصف؟
كل ما أدريه أن هؤلاء يتعاملون مع الشعوب العربية معاملة يضعون شعوبهم في موضع المغفلين أو العاجزين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :760  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 854 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.