الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

من الشرم إلى بغداد إلى هايد بارك

في شرم الشيخ الأرض المصرية التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي فرض مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل أن يجتمع مع الرئيس محمد أنور السادات. هكذا أراد بيجن مع أنه كان يمكن أن يتم الاجتماع في العريش مثلاً الأرض المصرية التي تحررت ولكن الأسلوب الحضاري قد جمع بينهما بصرف النظر عن شهور القطيعة التي تمت بينهما كان ذلك أعني الأسلوب الحضاري حينما بلغت الأزمة أشدها بين إسرائيل وسوريا كما هو الظاهر مع أنها في الحقيقة طليعة أزمة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.

وقد أدى الأسلوب الحضاري دوره كلاماً حضارياً في أذن بربرية فإذا هذه الأذن البربرية تغير على بغداد بأسلوب همجي بربري.. لا شيء من أساليب الحضارة فيها، تدمر المفاعل النووي في بغداد في توقيت أفرض أن إسرائيل لديها الوسائل الذاتية في أن تعرف زوال أي مانع في الدفاع عن المفاعل ثم عرفت أن بغداد لن تحاط علماً بغارة إسرائيلية كل وسائل الدفاع والإعلام.. لا. لم تعلمها بغداد.. فإذا هم يعلمونها لإسرائيل أن مخابراتها أعجز من ذلك ولكن من براث الولايات المتحدة الأمريكية وقوتها في تعطيل أي وسيلة إعلام، كل ذلك أعطى إسرائيل فرصة التوقيت الصحيح.. فمخابرات الولايات المتحدة ما زالت في مخابرات إسرائيل ابتداءً من تصرفات السفينة (الحرية) في حرب 5 يونيو 1967م وبالأقمار الصناعية عن الثغرة (الدفراسوار) في حرب رمضان 1973م إلى يوم الأحد الذي ضربت فيه إسرائيل المفاعل النووي تضعه فرنسا وإيطاليا.. تتركانه بلا حماية للدفاع عنه.. ولكي تتبرقع التصريحات الأمريكية وتسير معها تصريحات القاهرة فتقول إن من الذين يعملون في هذا المفاعل ومع الإيطاليين والفرنسيين خبراء روس وفي عرف هذه البرقعة أن الضرب للمفاعل هو جائز لأنه ضرب الخبراء الروس أو ما يصنعه الخبراء الروس.. هكذا انقلب الأسلوب الحضاري إلى أسلوب بربري من شرم الشيخ إلى بغداد.

فهل يتصور أحد أن الإعداد لضرب المفاعل الذري كان بعد الاجتماع بشرم الشيخ.. أم أنه مخطط من قبل افتعل إرهابيو مناحيم بيغن التستر عليه فلم يعلنه في شرم الشيخ بل إني أبرئ أنور السادات أنه كان يعلم لكن الشيء الذي يجب أن يقال هو أن التعامل مع إسرائيل كدولة خطأ كبير تنجم عنه جرائم كثيرة لأن اليهودية الصهيونية وإسرائيل اليهودية من فجر التاريخ إلى دهر التاريخ كانوا عصابة إجرام.. عذبوا أباهم يعقوب، كادوا لأخيهم يوسف الصديق عليه السلام وعلى أبيه السلام.. كذبوا على أبيهم إسحق حينما زعموا أنهم دلسوا عليهم فسرقت أم يعقوب النبوة والرسالة من الرسول النبي إسحق كأنما الرسالة النعمة الهبة من الله مادة تسرق.

هذه العصابة من الخطأ من تأتي منه الجرائم أن يزعم أنه يمكن التعامل معه بأسلوب حضاري، فكذبة كبرى أن لإسرائيل حضارة أتحدى أن يقال ما هي وكيف وأين..؟

وأعلنت إسرائيل أنها دمرت المفاعل الذري فإذا الدنيا كلها (أصبحت هايد بارك) صرخات اعتراضات تنديد، حتى الذين أشعلوا أمامها الضوء الأخضر.. وحتى الذين تضربهم في لبنان وفي سهل البقاع كلهم لم يقل إلا كلاماً.. كأي مكروب يقف في هايد بارك يلقي خطاباً إن تنفس به، فقد أعطى التنفس للوزارة البريطانية فهذه الدنيا التي استحالت إلى هايد بارك إنما تعطي إسرائيل استراحة.. فالكلام لا يؤخر أي عمل إجرامي لإسرائيل وإنما يجعلها تتقدم تعربد كل يوم.. وحتى هيئة الأمم ومجلس الأمن ما هما إلا منبران في هايد بارك.. فزرفات القبائل وعدت العراق بالعون، أما إطار كامب ديفيد فقد أضاء الضوء الأحمر أمام مصر حجزها فأعجزها أن تقول كلمة العون.. فالضوء الأخضر أمام إسرائيل والضوء الأحمر أمام مصر والمظلة القائمة أمام العرب جميعاً.. فلا أحمر.. ولا أخضر.. ولا أبيض ولا يصح لي أن أقول إن هناك ضوءاً أسود مع أنه هو الواقع.

ولكن أليس في عمل إسرائيل بصيص من الأمل أحسبه قريباً حين جبل التيه بصحوة الصناديد أو هلاك الصناديد فلم يعد الإنسان العربي هو القضية. أو هو المحارب من أجلها. فالأرض هي القضية، سينقذها جيل ما بعد التيه.. ما بعد الصناديد، حين جاء جيل داود أخرج جالوت وداود القوم الجبارين.. وحين سطع النور على حراب محمد وجيل محمد هلك الصناديد فإذا العرب أمة عظيمة نشرت دينها في إمبراطوريات هكذا ينبغي أن نصبر حتى ينقضي زمن التيه.

وفي هايد بارك صرح لسان أمريكي يسأل هل هذه الغارة بالطائرات الأمريكية مخالفة للقانون الأمريكي.. ولقد أجاب عليه قبل.. حين قال يوم ضربت الطائرات الجنوب اللبناني.. إن الولايات المتحدة ما زالت غير عالمة بأن ضرب الجنوب كان بسلاح أمريكي.

وسؤال.. أليس في هذا التوقيت حساب أن تكون في رئاسة فرانسوا ميتران.. ولم تكن في رئاسة جيسكار ديستان وأن تكون بعد شرم الشيخ وفي إبان أزمة الصواريخ بينها وبين سوريا.

توقيت محسوب حسابه إن لم تعط إدارة الرئيس ريجان له الضوء الأخضر فإن دهاقنة الكونجرس من أنصار اليهود هم الذين أعطوا الضوء الأخضر لإدارة الرئيس.