رسالتان وخبران |
الكاتب - محترف التعليق على الأخبار - يستقرئ ظواهر ليفقه بواطنها، ففي خلال الأيام الماضية أذاعت وسائل الإعلام خبراً عن رسالتين.. أرسل إحداهما رئيس اللجنة العسكرية في الكونجرس الأمريكي، وأرسل الثانية عضو الكونجرس عن ولاية تكساس والرسالتان اختلفتا في المطلب، واتحدتا في السبب الذي دعا إليهما. |
فالرسالة الأولى - وأحسب أن لها قوة القرار - قدمها رئيس اللجنة العسكرية في.. الكونجرس إلى الرئيس ريجان ينصح الإدارة الأمريكية بأن لا تتورط بإرسال جيش أمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط.. يدعو أن تعدل الولايات المتحدة عن ذلك لتعتدل مع دول الشرق الأوسط.. فلا تمنع عنها ما تطلبه من عتاد وأسلحة لتكون قوية تدافع عن حياتها وثرواتها ومصيرها.. |
فهذه النصيحة، ولها قوة القرار لأنها صادرة من لجنة في الكونجرس، تحمل في باطنها الرد على الأعضاء الستة الذين طلبوا من الإدارة الأمريكية أن تمتنع عن تزويد المملكة العربية السعودية بما طلبت من معدات رديفاً تقوّي بها الطائرات التي اشترتها. فالأعضاء الستة لهم دوافعهم الشخصية، فلا يقوى مطلبهم أن يكون على قوة من نصيحة اللجنة العسكرية. |
وفي وضع آخر، فإن مطلب اللجنة العسكرية في الكونجرس، أحسب أن فيه الكثير من التصدي لمقاومة الضغط اليهودي الصهيوني، ظاهرة - إن صح حسن الظن بها - تعني يقظة رجال من الكونجرس يدفعون بها ضغط الصهيونية لعلّ في ذلك ما يعطي الولايات شيئاً من ثبات الهيبة، وبعضاً من عودة الاحترام.. لكن التخابث في بعض من الفهم يحمل عليه سوء الظن، وهو أن الدعوة لئلا ترسل الولايات المتحدة جيشاً وأسطولاً كما هو واقع الآن حول الشرق الأوسط لا تعني إلا حماية إسرائيل من ضغط أمريكي يلزمها به التصرف للدفاع عن الدول العربية التي من أجلها تزعم الولايات المتحدة أنها الحامية لها حين تكون حولها الأسطول والجيش، فقد يحرم الوجود الأمريكي على هذه الصورة تحرك إسرائيل.. تعبث كما هي الآن في أكثر من أرض عربية.. إن حسن الظن له ما يبرره، وإن سوء الظن له ما نحاذر منه. |
أما الرسالة الثانية: وجهها عضو الكونجرس عن ولاية تكساس إلى الرئيس ريجان يقترح تعديل الدستور بالنسبة لمدة الرئاسة، فهو يرى أن مدة الأربع سنوات لا يتسع للرئيس فيها أن ينفذ ما برمجه، ثم إنها تشغل الرئيس بتفهم الضغط عليه أو محاولة إرضاء هؤلاء الضاغطين الذين يمارسون ذلك بوعد منهم أن يصوتوا ضده إذا لم يوافق على ما طلبوه أو ما وعدهم به حين انتخبوه، ثم هو يطلب أن تكون المدة لمرة واحدة. ست سنوات.. لا يعاد انتخاب الرئيس، فلعلّه يتمكن من عدم الانصياع إلى الضغوط والانصراف إلى تنفيذ برامجه التي وعد بها، فقد يضطره الواقع لأن يسير على برامج يلزمه بها واقع التحركات سواء داخل الولايات المتحدة أو من خارجها، فقد تكون هذه الرسالة في ظاهرها لا تحصل على النجاح، ولكن باطنها يوحي بأن رجالاً من الكونجرس أو من الشعب كله قد أحسوا بخطورة الضغوط من اليهودية الصهيونية، فأحبوا أن يقطعوا الطريق عليها بعدم الترشيح للرئاسة مرة ثانية، فلا زلت أحسن الظن بالبواعث التي حملت عضو الكونجرس من تكساس أن يقترح هذا الاقتراح. |
أما الخبران، فأولهما ما أذاعته إسرائيل من أنها عقدت اتفاقاً مع الاتحاد السوفيتي يرحل المهجَّرين من اليهود على الطائرات رأساً من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل. |
هذا الخبر واضح في مظهره، وأحسبني أحلل بعض بواطنه، فإن الاتحاد السوفيتي كان يرسل المهجَّرين.. يفسح لهم الطريق إلى النمسا - مثلاً - ويعني ذلك أنه لا يتعامل مع إسرائيل، فحقوق الإنسان كما هي الترضية للولايات المتحدة تحمله أن يُهجّر اليهود ويظهر أنه لا شأن له في المكان الذي يذهبون إليه.. يعني أنه بريء من عون إسرائيل في القوة البشرية. |
كان ذلك فيما مضى.. أما اليوم فقد انقشعت البراقع، فأصبح التهجير بالقوة البشرية رأساً إلى تل أبيب. |
إنها العلاقة الواضحة التي ظلت تتخفى عن العالم العربي قبل حرب 67، غضبه الصارخ على إسرائيل.. بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، لقد حمدت الله أن كتبت أكثر من مرة، فقد قلت: إن قطع العلاقات موسكو مع تل أبيب ليس إلا التذرع بأعذار للعالم العربي.. يقول لن أكون وسيطاً بينكم وبين إسرائيل، فليس بيني وبينها علاقات، فهو لا يطلب السلامة من ذلك، فهو في القوة فوق، وإنما كل مطلبه: السلامة لإسرائيل مع وساطته، وقد فرح العرب.. بقطع هذه العلاقات بينما هي العطاء لإسرائيل، والإقصاء لأي عطاء للعرب. |
والسؤال هو: كيف تمت الاتصالات بين تل أبيب وموسكو ليتم الاتفاق على هذا التهجير.. هل هناك اتصال سري بين إسرائيل والكرملين، أم هي صفقات القمح المطلوبة الآن.. ترسلها الولايات المتحدة مقابل هذه العاطفة النبيلة كما يتظاهرون بها يغيثون الاتحاد السوفيتي مقابل هذه العاطفة النبيلة كما يتظاهرون بها يغيثون الاتحاد السوفيتي مقابل طاعته.. يهجر اليهود لإسرائيل عملاً بحقوق الإنسان؟.. |
لا أدري بأي وسيلة تم هذا الاتفاق، ولم يعد الجري وراء الوسائل نافعاً، فالجميع كلهم لإسرائيل، وكلهم حرب على العرب. |
لكن السؤال الثاني: أين هي المواقف المعلنة من أصدقاء الاتحاد السوفيتي ضد هذا التهجير؟ لقد تكلموا كثيراً ضد الظلم الذي تمارسه الولايات المتحدة عوناً لإسرائيل فأين هو الكلام ضد هذا الظلم.. يمارسه الاتحاد السوفيتي حرباً على العرب؟ |
أما الخبر الثاني، فقد جاء على صورتين: صورة من القدس حين تم التفاهم بين مندوب الولايات المتحدة وإسرائيل على كيفية وضع الجيوش المتعددة الجنسية في سيناء ليست للرقابة وإنما لمنع أي تحرك من أحد الجانبين ضد الآخر.. تمنع مصر أن تتحرك، ويقال - كما التصريح الثلاثي الكاذب، كما قوة الطوارئ في لبنان - هي لمنع إسرائيل من التحرك ضد مصر. أما الصورة الثانية، فقد جاءت من إعلام مصر.. تقول إن المندوب الأمريكي قد وصل إلى القاهرة ليجري المفاوضات حول وضع هذه الجيوش لمباشرة الكيفية التي تجلو بها إسرائيل عن البقية التي في حوزتها من سيناء في إبريل القادم من هذا العام. |
فالخبر من إسرائيل: إنها قوة دائمة، والخبر من مصر: إنها قوة مؤقتة، فلعلّي - وبكل المرارة - أكثر تصديقاً للخبر من إسرائيل، فأي فرق بين قوة إسرائيل على خط بارليف وبين قوة جيوش أوروبية في سيناء تمنع تحرك مصر.. تنسف معاهدة التضامن الدفاعية التي كثيراً ما تحدثت مصر عن التزامها بها. تدافع عن أي قطر عربي يتعرض لطغيان. لقد نسفت هذه الجيوش هذا التضامن، فالدعوى بأنه باقٍ هي تمويه، فلقد مات بمعاهدة السلام بين إسرائيل والحكومة المصرية. |
ـ صورة: |
وأصبحت السيدة مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا لساناً يتحدث بالنيابة عن الولايات المتحدة حين أعلنت أنه لا بد من وجود قوات أوروبية - تعني حلف الأطلسي - تنتشر خلف الخليج لتحميه من عدوان إمبراطورية الكرملين حتى أنها تمسحت بفرنسا.. تؤكد أن وجود أسلحة من حلف الأطلسي في الخليج واقع تضامناً وعوناً للقوة الأمريكية المنتشرة هناك.. حتى قالت: إن لفرنسا قوة القوة البريطانية. فهل ذلك من بريطانيا أو حتى من فرنسا هو العون للولايات المتحدة وللدفاع عن الخليج.. أم هو الخوف من الولايات المتحدة أن لا تستحوذ على المنطقة فتحرم دول السوق المشتركة من الطاقة حين تتحكم فيها، وحين تسيطر على طرق المواصلات؟ |
كأنما الصورة التي قلتها من قبل: إن احتلال الاتحاد السوفيتي للأفغان، ما هو إلا العطاء للولايات المتحدة ومن إليها لتنتشر جيوشها.. لا لتحمي وإنما لتستحوذ وتستغل. |
|