شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإنسان يعيش مرحلة الغضب
كل ما في العالم متوتر.. لأن كل من في العالم غاضب.
فالإنسان - في أي مكان يعيش اليوم في مرحلة الغضب، ومن الغريب أن مادة الحرب - أعني كل السلاح - أصبح بيد الإنسان غاضباً لأنه لا يتحرك، فقد عطلوه ليكونوا هم الغضب كله.. فتعطل السلاح أغضبه.. يريد أن يتفجر، ولكن غضب مالك القوة عاجز على إرضاء السلاح.. إن إسرائيل غاضبة على الولايات المتحدة من أجل تسليح المملكة العربية السعودية، وليس هذا الغضب المتسعر في اليهود جديداً، فاليهودي غاضب على الإنسان - كل الإنسان - في كل وقت، ولكنه الآن - أعني الإسرائيلي اليهودي الصهيوني - قد شرع غضبه على الولايات المتحدة.. كأنه يضعها في طاعة الموظف لدى الصهيوني.
والولايات المتحدة غاضبة على الاتحاد السوفيتي، وعلى جيوب أخرى لا تعلن غضبها عليها وإنما هي الولايات المتحدة غاضبة على أوروبا الغربية.. على صورة من العتب، أو على الصورة الأخرى وهي التبرؤ من الذنب، فالحال في أوروبا ينبغي أن لا يحسب أنه من عجزها الذاتي وإنما هو من تعجيز الولايات المتحدة لها.. يوم قسمت أوروبا، وأغضبت فرنسا، وأعطت الاتحاد السوفيتي أن يكون في هذا الموقف المتفوق.
والولايات المتحدة - أيضاً - تتجرع الغصص من غضب إسرائيل عليها، ومن غضبها على الشرق الأقصى، ومن غضب الشرق الأقصى عليها.
ودول أوروبا الغربية غاضبة على نفسها.. تكره أن تكون عاجزة، وليست لديها قوة أن تخرج من العجز إلى قليل من القوة، وهي أيضاً غاضبة على الاتحاد السوفيتي ومغضبة له، وغاضبة على إسرائيل، ومغضبة على العرب، ولا تكاد تترضى الولايات المتحدة حتى تجد ما يغضبها. أما العرب فكل غضبهم على أنفسهم حتى لقد تعاونوا بصورة من الإرضاء لإمبراطورية الكرملين وإمبراطورية البيت الأبيض، وحتى لقد تهاونوا أن لا يتعاونوا في إظهار غضبهم على العدو المحيط بهم والمثبط لعزائمهم، والمنفرد بالطغيان عليهم (إسرائيل).
أما الثورة الفلسطينية، فهي التي لا تمارس إلا الغضب، ولا تنفعل إلا بإغضاب أعدائها، ولكن بعض ما يحرجها يخرجها من إعلان الغضب بعض الأحيان.. سواء على الذين يصبون طغيانهم علناً، أو الذين يفرضون سلطانهم بغير إعلان.
والحل؟..
هل أتشاءم إلى درجة أن أعيد الكلمة في صورة نشرتها من قبل.. قلت فيها: كانت الحرب العالمية الأولى ترفاً لألمانيا، وطغياناً استعمارياً، وكانت الحرب الثانية ضرورة ألمانية فقد ضيقوا عليها كل مجال وتوقاً استعمارياً من الإمبراطوريتين: فرنسا وبريطانيا، واندفاعاً لفرض السلطان من الولايات المتحدة، وفرصة تفوق بها الاتحاد السوفيتي.
أما هذا الغضب - يعيشه الإنسان اليوم - فهل هو في حاجة ملحة لأن يخوض حرباً ثالثة مدمرة..؟
أخشى أن الغضب سيجر العالم إلى هذه الحرب الفاشلة.. تهلك بها الحضارة، ويقتل فيها الإنسان، وتعيش العمارات إذا ما تعاملوا مع القنابل النيترون.. كأنهم قد افترضوا على الإنسان أن لا قيمة لحياته، فالقيمة لدى الدول الصناعية هي أن تبقى العمارات ويموت الإنسان.
ـ اليسار واليمين:
ظهر أسلوب جديد يتعامل به اليسار ضمن اليمين.. هو: إن اليسار قد اتخذ من اليمين المتطرف، ومن شعاراته سلاحاً يحارب به اليمين، ويعني ذلك أن اليمين المتطرف قد أشعل الحرب.. أمسك بسلاحها اليسار حرباً على اليمين المعتدل.
تكتب مقالاً تعبر فيه عن نوازعك من خلال مبادئك التي تنتمي بها إلى العالم الحر فيغضب كاتب يساري.. يشن حرباً - لا بسلاح الماركسية كمبادئ - فهو يريد أن ينتصر عليك وأنت ولا غيرك فلا يوجد سلاح يحاربك به إلا أن يتعامل مع شعارات اليمين المتطرف يرسل كلمات من التراث.. يلبس ثياب الدفاع عن الإسلام. يستشهد بالآيات، لأنك حين تكتب عن العالم الآخر إنما تساند النصارى واليهود.. تجامل الأعداء. يخضعك إلى هذه المذمة بسلاح أنت مالكه وصاحبه.
أسلوب جديد: التظاهر بشعارات اليمين لمحاربة اليمين.
وليس غريباً على اليسار أن يلجأ إلى أي سلاح، إنما العجيب أن اليمين يقف مواقف يتخير فيها الأسلحة النظيفة، والكلمات الرقيقة والاتهامات المبرقعة باسم التسامح، أو بدواعي الصبر بينما اليساري يمتلك كل الحيل، يشعل الحرب عليك إذا ما كنت يمينياً.
وأول مصادفة عرفت فيها كيف استعمل الشيوعي التحدث عن الإسلام - كنظام عدالة وإنصاف للشعوب - كانت بعد مغرب يوم قبل أكثر من أربعين عاماً في بيتي بالمدينة المنورة، وما كنت أدري ما الذي حبسني عن الخروج من البيت قبل المغرب، ولكن.. لم أشعر إلا والشيخ محمود شويل أحد علماء المدينة المنورة السلفيين ومن أهل الحديث يطرق الباب ومعه مسلم من الهند من أهل الحديث كما يدعي.. طويل القامة، عظيم الهمة، فرحبت بهما، وأخذ هذا الرجل الهندي يتحدث عن الإسلام كنظام التكافل والعدالة وسيادة الشعب، ثم تحدث عن قيمة السنة النبوية والحديث الصحيح، ومن أعجب ما قال: إنه يقدم موطأ مالك أمام دار الهجرة على الصحاح حتى صحيح البخاري لأن الموطأ متواتر في نظره.
فأخذ في كل هذا الحديث، وأعجبني ثناؤه على إمام دار الهجرة، كل هذا وليس فيه ما يريب أنه مسلم من أهل اليمين.. حتى إذا شعر أني قد ملت إليه، وأن الشيخ محمود شويل قد أعجب به خرج بالحديث إلى موضوع آخر، فقال: إن رسول الله محمداً عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر كانوا ثورة ضد الرأسمالية والإقطاع.. أنصفوا الشعوب أعطوا المستضعفين السيادة، إنهم قد حكموا طوال حياتهم وهذا ما فعله لينين وستالين.. يحكمون طول حياتهم، فهم قد قلّدوا أبا بكر وعمر، ثم إن الشيوعية، ماذا ترون فيها.. إنها صورة من الإسلام بالتكافل والعدالة وسيادة الشعب، وحين تولى عثمان بن عفان أقصى الشعب عن السيادة وأعطى السلطان للأرستقراطية، فلما قتل وتولى علي أعاد سلطان الشعب، وما انتصار معاوية إلا انتصار الأرستقراطية والرأسمالية.
هكذا بدأ يدعو للشيوعية من خلال التوطئة بالثناء على الإسلام فهل أحترمه بعد ذلك..؟ لقد غضبت وغضب الشيخ محمود شويل، وقمت ناهضاً أفتح له الباب، ولعلّ الشيخ محمود شويل فتح له باب (العنبرية) يوم كان وكيلاً لأمير المدينة المنورة آنذاك عبد العزيز بن إبراهيم ليخرج إلى غير رجعة.
وهم اليوم يمارسون معنا بأسلوب أو بآخر كتابة المقالات وتدبيج الرسائل.. يكتبون بشعارات اليمين حرباً على اليمين.
وبقيت كلمة.. وهي أن اليمين المتطرف حينما لا يكون انضباطياً وتعم الفوضى صفوفه، فإنه يفتح الباب.. يدخل منه اليسار كأنما اليمين المتطرف كما هو سلاح المقالات يصبح بالفوضى التي يحدثها سلاحاً يتسلط به اليسار على سلطان الحكم..
ـ صورة:
مواقف الرجال، كان كل منهم أمة واحدة.. فرداً بلا نصير، وقفوا أمام الطغاة.. أجدني أذكر بعضهم حسب التسلسل الزمني، فطاغية التتار في أول زحف دهس أوروبا كلها تحت قدميه (اتيلا).. لم تعجزه أوروبا كلها ولكن أعجزه رجل واحد هو (البابا الإسكندر) كان ذلك قبل الإسلام - طمع (اتيلا) أن يحبو الباب بين يديه فامتنع البابا وسار (اتيلا) يريد أن يخضع البابا يذله، وحين أقبل (اتيلا) عليه لم يعبأ البابا به.. بإيمانه ورجولته استطاع أن يذل الطاغية.
والعز بن عبد السلام.. لم يخضعه السلطان إسماعيل في دمشق بالذهب والتخويف، وإنما الإمام أخضع السلطان.. وضع المعرة على كل الخونة في صفحات التاريخ.
ومرة ثانية أخضع العز بن عبد السلام التتار في عين جالوت بالكلمة المؤمنة واإسلاماه.. في صرخات قائدها العظيم الملك المظفر قطز وكثير غير هؤلاء وقفوا أفراداً على صورة أمة فأنقذوا الأمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :654  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 845 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.